كتبت صحيفة “الأخبار” تقول: بدأ الرئيس المكلف نجيب ميقاتي الاستشارات غير المُلزِمة، باعتبارها خطوة تمكنه من معرفة خريطة الطريق. لكن واقع الاتصالات المجدية يجري في مكان آخر. ويتضح من سياق الاتصالات أن الدور الخارجي لا يزال أساسياً في الجهود القائمة لرسم آلية إدارة البلاد في الفترة الفاصلة عن الانتخابات الرئاسية المقبلة.
وقالت مصادر مطلعة إن “ميقاتي يريد أن يظهر بأنه يملِك هامشاً واسعاً في تحديد شكل الحكومة التي يريد تأليفها، وأنه حتى الآن لم يفتح باباً جدياً للتشاور مع القوى الأساسية”، فهو “ربما يعمَد إلى وضع صيغة حكومية ومن ثم يقدّمها إلى الرئيس عون الذي سيرفضها حتماً”. ويظهر أن الرئيس المكلف ينأى بنفسه عن أي اتصالات جانبية للتنسيق مع القوى السياسية المعنية، لكن ما هو نافر على حدّ قول المصادر هو “تقصّد ميقاتي الإيحاء بأنه لا يريد التواصل مع رئيس التيار الوطني الحرّ النائب جبران باسيل” بما يذكر بالأسلوب الذي اتبعه قبله الرئيس سعد الحريري حينَ رفضَ التواصل مع باسيل بأي شكل من الأشكال في ما خص تأليف الحكومة، مشيرة إلى أن “الرئيس المكلف لن يبادر إلى تشكيل حكومة سريعاً لأنه لا يريد، كما كل خصوم عون وباسيل، تقديم ورقة لهما في آخر العهد”.
وكشفت المصادر أن “ميقاتي يستنِد إلى عدم وجود رغبة حقيقية لدى الفرنسيين الذين رشحوه مجدداً، لتأليف حكومة سريعاً، على عكس كل الفترات السابقة، إذ إنهم لا يمانعون بقاء حكومة تصريف الأعمال خلال الأشهر القليلة المتبقية حتى موعد الانتخابات الرئاسية”، لذا فإن ميقاتي “يتحدث في أكثر الوقت عن تفعيل عمل الحكومة الحالية أو التعديل في بعض الوجوه الوزارية”.
على أن التطور الإضافي يتمثل في نشاط حلفاء السعودية في ما يتعلق بملف التشكيلة الحكومية. وبرزت معطيات تشير إلى أن الرياض تنصح من يعمل معها إما بإبقاء الوضع على ما هو عليه من دون تشكيلة حكومية، أو التدخل كي لا يمسك الرئيس عون وحزب الله أي حكومة جديدة ربما تكون هي مصدر السلطات في حالة الشغور الرئاسي. وقد نصحت السعودية جميع الحلفاء بعدم اتخاذ موقف سلبي حازم من موضوع التشكيل، ولكن من دون التورط في المشاركة. وهو ما ترجمه مباشرة فريق الحزب التقدمي الاشتراكي الذي حافظ على موقفه بعدم المشاركة المباشرة في أي حكومة جديدة، لكنه أبلغ ميقاتي استعداده للتعاون في تأليف حكومة جديدة وحتى منحها الثقة. وينطلق موقف كتلة الاشتراكي من قاعدة أن زعيم الحزب وليد جنبلاط يتصرف على أساس أن ميقاتي لن يأتي بوزراء دروز لا يوافق هو عليهم، حتى ولو كانوا من غير الحزبيين. وهو أمر محسوم أصلاً عند ميقاتي كما عند الرئيس نبيه بري وغيرهما، شرط أن يكون ذلك رهن منح الاشتراكي الثقة للحكومة.
وفيما كانَ واضحاً موقف الكتل التي لم تسمّ ميقاتي بعدم المشاركة، جاءَ موقف كتلة الاشتراكي ملتبساً لجهة “المساعدة في التأليف” كما قال رئيسها النائب تيمور جنبلاط الذي أشار بعدَ اللقاء إلى “أننا عدنا وأكدنا للرئيس ميقاتي، أننا ككتلة لن نشارك في الحكومة ولكن سنساعد في التأليف”. وهو موقف كرره زميله في الكتلة النائب فيصل الصايغ بالقول إن “هناك نوايا غير حسنة في موضوع الحكومة دفعنا إلى الإعلان عن عدم مشاركتنا فيها، لكننا سنسهّل عملية التشكيل”، وأضاف “إذا توافرت الشروط المطلوبة يمكن أن نعطي الثقة للحكومة ونتمنى أن لا يكون في الحكومة ثلث معطل ولا احتكار للوزارات ولا معادلة جيش وشعب ومقاومة”. وفي هذا الإطار، وضعت أوساط سياسية هذه التصريحات في إطار “البيع والشراء” الذي باتَ يُعرف به جنبلاط، مشيرة إلى أن “المختارة لن تشارك في الحكومة لكن تسهيل عملية التأليف أو إعطاء الثقة مقصود بها إيصال رسالة بأن جنبلاط مستعدّ للمناورة، وهو يريد كامل الحصة الدرزية في الحكومة، بمعنى أن أي وزير درزي يجب أن يسميه هو ولو لم يكُن محسوباً بالمطلق على الحزب الاشتراكي”.
هذا الموقف لم ينسحب على فريق “القوات اللبنانية” التي فضلت البقاء بعيداً وعدم تحمل المسؤولية، إلا أن الجديد على الصعيد المسيحي، ما نسبه مقربون من الرئيس ميقاتي إلى الكنيسة المارونية من أن البطريرك بشارة الراعي أعرب عن رفضه موقف النواب المسيحيين بعدم تسمية رئيس مكلف للحكومة. وهو أصر على أن يكون التمثيل المسيحي في الحكومة الجديدة واضحاً وأن يعكس التمثيل السياسي المستجد عند المسيحيين بعد الانتخابات. وقالت المصادر نفسها إن الراعي يفضل تشكيل حكومة جديدة وليس تعديل الحالية، وأن يتم اختيار الحصة المسيحية بالتشاور مع جميع القوى والمرجعيات المسيحية وعدم حصر الأمر بالرئيس عون أو النائب باسيل.
وكان ميقاتي التقى أمس الرئيس نبيه بري ونائبه الياس بو صعب، ثم كتل: “التنمية والتحرير”، “الجمهورية القوية”، “اللقاء الديموقراطي” “التكتل الوطني المستقل” ، “الاعتدال الوطني”، “الوفاء للمقاومة”، “الكتائب”، “جمعية المشاريع”، “الجماعة الإسلامية”، “شمال المواجهة”، “وطن الإنسان”، النائب غسان سكاف، ونواب “التغيير” الذين حضر منهم ثمانية، فيما قاطع بعضهم كميشال الدويهي واعتذر آخرون بداعي السفر.