عماد مرمل – الجمهورية
مع تحليق مسيّرات «حزب الله» الاستطلاعية بمحاذاة حقل كاريش وإسقاطها بنيران الكيان الاسرائيلي، ارتفع موج التوتر في «المياه الغازية» المُحتقنة تحت وطأة النزاع حول الحدود واستمرار السفينة «إنرجي باور» في أنشطتها عند خط التماس البحري، في ما يبدو أنها محاولة متواصلة لفرض أمر واقع، قبل أن ترسو المفاوضات على بَر… فماذا في «حمولة» المسيّرات؟
منذ تنفيذ العملية العابرة او الكاسرة لـ»الستاتيكو البحري»، كثرت التفسيرات والتحليلات لأبعاد هذه العملية والنيات الحقيقة الكامنة خلفها، وصولاً الى ربط البعض بينها وبين زيارة الرئيس جو بابدن للمنطقة او المفاوضات مع إيران في قطر، وطافَ على السطح مجدداً السجال الداخلي التقليدي حول أحقية المقاومة في التصرف والمبادرة إزاء ما تعتبره تهديدا اسرائيليا للحقوق اللبنانية في الغاز والنفط.
لكن وبعيداً من التأويلات والاجتهادات المعفية من «الجمرك»، ماذا قصد «حزب الله» بالضبط من «الرسالة المسيّرة» في هذا التوقيت بالتحديد؟
أوساط قريبة من «حزب الله» تستغرب بداية كيف أنّ «بعض الذين زايَدوا اخيراً على الحزب في مسألة ضرورة مواجهة الباخرة اليونانية، كانوا ممّن سارَعوا الى انتقاد عمليته التحذيرية، ما يؤشر الى انّ هناك مواقف تصدر من باب تسجيل النقاط ليس إلّا».
وتكشف الاوساط انّ الحزب تعمّد عن سابق تصور وتصميم كشف طائراته المسيّرة أمام الاحتلال حتى يضمن ان الرسالة وصلت، «علماً انّ تلك المسيّرات أنجزت، قبل سقوطها، جانبا كبيرا من مناورتها العملانية، إذ استطاعت ان تستكشف المسار نحو حقل كاريش وان تختبر طبيعة رد الفعل الاسرائيلي، إضافة إلى انها رفدت غرفة عمليات المقاومة بالمعلومات والصور التي بدأت بالتقاطها منذ اللحظات الأولى لانطلاقها».
وتشير الاوساط الى ان «حزب اللهً أراد إفهام الاسرائيليين أنه جدّي في تهديداته بوجوب عدم البدء في استخراج الغاز من حقل كاريش (الواقع ضمن الخط 29) قبل انجاز الاتفاق مع الدولة اللبنانية حول ترسيم الحدود البحرية، «لأنّ تلك المنطقة هي مُتنازع عليها عملياً، وحتى لو ان الدولة اعتبرت ان هذا الخط هو تفاوضي فهذا يعني انه لا تجوز مباشرة العمل فيه قبل انتهاء المفاوضات والتفاهم مع السلطة اللبنانية على الترسيم. وبالتالي، فإنّ العملية كانت ترمي الى توجيه إنذار بوجوب تعليق أي نشاط حتى ذلك الحين».
وفي سياق متصل، تلفت الاوساط القريبة من الحزب إلى انه كان ضمن «بنك أهداف» المسيّرات دَفع الموفد الأميركي عاموس هوكشتاين الى الكَف عن المماطلة، والتعجيل في مهمته، على قاعدة تسليم أجوبة واضحة للجانب اللبناني تلبّي مطالبه، من دون ترقّب زيارة بايدن للمنطقة ولا انتظار ترتيب الوضع الحكومي داخل كيان الاحتلال».
ومن ببن الاهداف أيضاً، وفق الاوساط، «تعزيز موقع المفاوض الرسمي اللبناني الذي يجب أن يعلم أن في إمكانه الارتكاز على قوة المقاومة لانتزاع الحق».
وبينما تستغرب الاوساط المحيطة بالحزب بعض المواقف الرسمية حيال عملية المسيّرات، تلفت الى انّ المفاوض اللبناني يعلم في قرارة نفسه انّ ما فعلته المقاومة يخدمه في معركته الديبلوماسية، وبالتالي عليه ان يستفيد من تلويحها بورقة القوة الى اقصى الحدود الممكنة».
وتعليقاً على اتهام «حزب الله» بأنه زَج لبنان في مخاطر هو في غنى عنها بسبب عملية المسيرات، تشدد الاوساط على أنّ «العكس هو الصحيح، ذلك انه اختار ان يتصرف بمسؤولية عالية وان يوجّه رسالة مدروسة عبر إطلاق مسيّرات غير مسلحة على مرأى العدو، لأنّ ما يهمّ الحزب أكل العنب وليس قتل الناطور، وهو لا يسعى الى التصعيد ولو كان يريد افتعال حرب لأرسَل مسيّرات مفخخة بغية تدمير منصة الحفر وإلحاق الأذى بالعاملين فيها، الامر الذي كان يمكن أن يؤدي إلى تدحرج الأحداث نحو مواجهة واسعة».
وتؤكد الاوساط انّ المقصود ممّا جرى هو حماية حقوق لبنان وليس تعريضه للمخاطر، «إنما على الاحتلال ان يفهم في الوقت نفسه انّ كل الاحتمالات تبقى واردة ما لم يعلّق أنشطته في المنطقة المتنازَع عليها حتى تنتهي المفاوضات الى نتيجة حاسمة، وفي المرة المقبلة قد تكون المسيّرات مسلحة او ربما يتم اعتماد وسيلة أخرى لوقفه».
وتنفي الاوساط المحيطة بالحزب وجود أي علاقة بين مهمة المسيّرات والمصالح الإيرانية، مشددة على انّ العملية تمّت حصراً وفق توقيت المصلحة اللبنانية. كذلك تجزم في أن ما حصل ليس إشارة الى دخول الحزب على خط المفاوضات غير المباشرة في اتجاه تثبيت الخط 29، مؤكدة انه يرفض ولأسباب مبدئية ان يكون جزءاً من اي مفاوضات مع الاحتلال الاسرائيلي الذي «لا نعترف بدولته او حدوده».