راكيل عتيِّق – الجمهورية
في 25 أيار 2014 غادر رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان القصر الجمهوري في بعبدا، ليحلّ الفراغ في الكرسي الرئاسي لسنتين ونصف سنة حتى انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية في 31 تشرين الاول 2016. وفي 31 تشرين الاول 2022 ينتهي عهد عون ويغادر القصر الجمهوري، بعد 6 سنوات من الولاية الرئاسية، على أن يكون انتخاب رئيس جديد للجمهورية، إذا جرى التزام المهلة الدستورية لهذا الاستحقاق، والتي تبدأ قبل شهرين من انتهاء الولاية الرئاسية، أي في الأوّل من أيلول المقبل، وتنتهي مع انتهاء ولاية عون. إلّا أنّ جهات عدة تترقّب بحذر هذا الاستحقاق، وتخشى تكرار تجربة الفراغ الرئاسي، خصوصاً أنّ المرشحين المعلنين قلّة، ولا توافق في الأفق حول إسم واحد، فيما يتمسّك رئيس مجلس النواب نبيه بري بأكثرية الثلثين كنصاب لازم لعقد جلسة لانتخاب الرئيس.
قبل أقلّ من شهرين على الدخول في المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، وأقلّ من 4 أشهر على انتهاء ولاية عون، بدأت الدعوات تُوجّه إلى رئيس مجلس النواب لكي يدعو إلى جلسة لانتخاب الرئيس مطلع المهلة الدستورية ومن دون أي تأخير. وبحسب مصادر مطّلعة، لم يقرّر بري بعد موعد الدعوة، وعلى رغم كلّ التسريبات والأخبار المتداولة عن هذا الموعد، إلّا أنّه سيوجّه هذه الدعوة ضمن المهلة الدستورية، فهو «على الزيح» دستورياً وقانونياً. وإذ تعتبر هذه المصادر أنّ «مجلس النواب سيكون أمام انتخاب رئيس للجمهورية وليس لجان نيابية، وبالتالي هذه العملية تتطلّب توافقاً كما جرت العادة، لأنّ رئيس الجمهورية يجب أن يكون لجميع اللبنانيين»، تؤكّد أنّ «هذا التوافق إذا لم يؤمّن سنذهب إلى انتخابات، والذي يُجمع عليه النواب يفوز».
ويجري انتخاب رئيس الجمهورية، بحسب المادة 49 من الدستور، بالاقتراع السرّي بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى، ويُكتفى بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التي تلي. وانطلاقاً من عدم توافر نصاب الثلثين بسبب مقاطعة كتل كبيرة لهذه الجلسات وأبرزها كتلة كلّ من «حزب الله» و«التيار الوطني الحر»، كان يعمد الرئيس بري إلى تأجيل الجلسات التي كان يدعو إليها إبّان مرحلة الفراغ الرئاسي (2014 – 2016). وتشهد هذه المادة من الدستور أكثر من تفسير. ففي حين يعتبر بري أنّه يجب توافر نصاب الثلثين لانعقاد مجلس النواب لانتخاب رئيس للجمهورية، يرى دستوريون وسياسيون أنّ المادة 49 لم تنصّ على النصاب بل على «أكثرية الاقتراع»، بحيث تكون أكثرية الثلثين في الدورة الاولى والغالبية المطلقة في الدورات التي تلي، وبالتالي إنّ النصاب المطلوب لعقد جلسة لانتخاب الرئيس هو النصاب العادي المنصوص عنه في المادة 34 من الدستور، أي نصف عدد أعضاء مجلس النواب.
إلّا أنّ بحسب المصادر نفسها «لا اجتهاد في مورد النص، فالنص واضح، ولا يمكننا تفسير الدستور بحسب ما يناسبنا. ورئيس المجلس سيدعو إلى جلسات لانتخاب رئيس، وعندما تلتئم الجلسة سيعقدها». وتنفي هذه المصادر مقولة انّ بري أغلق المجلس حائلاً دون انتخاب رئيس بعد انتهاء ولاية سليمان حتى انتخاب عون، مذكرةً بأنّ كتلة «التنمية والتحرير» لم تتغيّب عن أي جلسة دعا إليها بري لانتخاب الرئيس، لكي في أي مرة لم يتأمّن النصاب، أي حضور 86 نائباً (ثلثي عدد النواب الـ128). وتوضح أنّ «المجلس يجب أن ينعقد بثلثي عدد النواب، وإذا لم يحصل أي مرشح رئاسي على هذه الأكثرية في الدورة الأولى، عندها يُجرى الانتخاب في دورة ثانية، ومن يحصل على الأكثرية المطلقة يصبح رئيساً للجمهورية».
وتؤكّد المصادر نفسها، أنّ التعطيل تُسأل عنه الكتل النيابية التي قد لا تشارك في الجلسات التي سيدعو إليها بري، خصوصاً أنّ هناك كتلاً كبيرة امتنعت عن انتخاب أحد لرئاسة المجلس، وعن تسمية شخصية لرئاسة الحكومة، فيما كتلة «التنمية والتحرير» ستحضر حين يدعو بري إلى جلسة.
وفي حين لم يتفق «حزب الله» وحركة «أمل» على مرشح رئاسي بعد انتهاء ولاية سليمان، ولم ينتخب بري وكتلته عون، وقال رئيس المجلس بعد جلسة انتخاب عون: «أصبحنا أمام رئيسين»، أي عون ورئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، فإنّ الاتفاق بين «الحزب» و«أمل» على خلف عون مرهون بالمعطيات والوقائع حين موعد الانتخاب.
أمّا على صعيد الترشيحات وأسماء الموارنة الذين يتمتّعون بحظوظ رئاسية، فترى مصادر سياسية أنّ «كلّ ما يُقال الآن ليس أوانه، وكلّ أوان لا يستحي من أوانه، فالزهر لا ينبت قبل الربيع». وتشير الى أنّ هناك أحداثاً وتداعيات كثيرة ستحصل إلى ذلك الحين، من حرب أوكرانيا مروراً بزيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى المنطقة والمفاوضات النووية وترسيم الحدود البحرية الجنوبية، إلى الوضع الاجتماعي – الاقتصادي الداخلي. وكلّ ذلك يرسم ملامح الرئيس. فكلّ من هذه الملفات يرسم «شحطة» من وجه الرئيس، أمّا الآن فلم تتبلور بعد أي صورة و»كلّه حكي».