منال شعيا – النهار
في مطلع شهر آذار الماضي، اتخذ القرار رسميا بتأجيل الانتخابات البلدية والاختيارية عاماً. ففي 5 آذار 2022، قرر مجلس الوزراء التأجيل وفي 30 آذار صادق مجلس النواب على مشروع القانون.
هذا القرار سبقه طلب من وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي بالتأجيل لأسباب تقنية، ولكون الانتخابات النيابية والبلدية تقتربان في المدة الزمنية، وبنظر مولوي التأجيل مبرّر “بالأسباب اللوجستية والإمكانيات الضئيلة”.
التأجيل الذي قرّرته الحكومة، كان بسبب ضيق الوقت للتحضير لاستحقاقين انتخابيين مهمين، لكون البلديات تنغمس عادة في التحضيرات للانتخابات النيابية، وبالتالي لا قدرة تقنية للسير بالتحضيرات معاً، إضافة الى الأسباب المالية التي تعوق السلطة، بأن تجري الاستحقاقين في الوقت نفسه، أو في فترة زمنية قصيرة. فالكل يتذكر كيف كان التشكيك في إجراء الانتخابات النيابية لعدم توافر الإمكانات المالية لهذا الإجراء، وكيف أن المخصصات أو الأموال للموظفين ورؤساء الأقلام تأخرت بالدفع حتى حلول الشهر الحالي، فكيف يمكن وسط هذا الواقع أن تجري السلطة استحقاقين انتخابيين؟!
اتفاق سياسي وتأجيل مفتوح؟
بناءً على ذلك، رفعت الحكومة مشروع القانون الى مجلس النواب، و”الاتفاق السياسي” الذي نضج حول التأجيل مرّ بسلاسة أيضاً داخل البرلمان، ولم تسجل اعتراضات، ولا سيما أن الجميع يعلمون بقدرة السلطة وبميزانيتها، وأن الاستحقاقات الضاغطة لن ترحم الجيوب ولا قدرة المسؤولين، ولا حتى جهوز القوى الأمنية على السير معاً باستحقاقين مهمين.
وفق مصادر الداخلية، التأجيل ليس مفتوحاً أبداً، بل هو محدّد بالقانون، وأي تخلّف او تعديل سيحتم حكماً تعديل القانون الذي أقره مجلس النواب.
في متن القانون، ورد رسمياً “تمديد ولاية المجالس البلدية والاختيارية لمدة عام، وتأجيل الانتخابات البلدية والاختيارية، بسبب عدم الجهوزية المادية والبشرية لمدة عام”، مقترحاً إجراءها في 31 أيار 2023.
وفيما كان البعض يفضّل ألا تكون مدة التأجيل عاماً، بل أقل كفترة زمنية تترواح مثلاً بين ثلاثة أشهر أو ستة اشهر، فإن اقتراب لبنان من استحقاق انتخابي آخر، هو رئاسي هذه المرة، أفسح في المجال ليكون التأجيل المفضّل لعام كامل، لأن البلاد ستكون مشغولة في موسم الخريف، وتحديداً في أواخر تشرين الأول، بالانتخابات الرئاسية الموعودة!
وبمعزل عن التأجيل ومدته، وهل سيبقى فقط لمدة عام واحدة أم سيغدو مفتوحاً، فإن هذا التأجيل سمح لمجلس النواب بإعادة النظر في قانون البلديات عامة.
ففي أروقة مجلس النواب، كانت ثمة جهود أو مساعٍ لتعديل قانون الانتخابات البلدية، وقد تشكلت لهذه الغاية، لجنة فرعية نيابية، وقد أعاد التأجيل إحياء هذا العمل النيابي الذي يفترض أن يتكثف قبيل الاستحقاق البلدي الجديد، وبعد رسم خريطة جديدة لمجلس النواب.
في التصور العام للقانون الجديد، ثمة مطالبات من عدد من النواب، في مقدمهم عضو “اللقاء الديموقراطي” النائب بلال عبد الله، بصوغ قانون جديد متطوّر للانتخابات البلدية ينسجم مع المطالبات بالسير بنظام اللامركزية، ويكون فيه دور كبير للبلديات، لأن القانون الحالي يعطيها أصلاً عدداً كبيراً من الصلاحيات. لكن هذه الصلاحيات لا بد أن تتعزز أكثر في الشق الإنمائي، الذي بدوره سينعكس إيجاباً على الشق المالي أي الواردات المالية لكل بلدية.
ووفق عبد الله، فإن ثمة مساعي أيضاً لتغيير طريقة انتخاب أعضاء المجلس البلدي مع إمكان اعتماد النسبية، وكذلك جمع قرى صغيرة عدة بمجلس بلدي واحد لزيادة المداخيل.
التمويل والاستمرارية
في عام 2016، جرت آخر انتخابات بلدية واختيارية لولاية كاملة من ست سنوات، كان يُفترض أن تنتهي في أيار 2022. خلال هذه الأعوام، كثير من البلديات انحلت، ومن البديهي أن تكون البلديات المنحلة هي من أكثر البلديات تأثّراً بعدم إجراء الانتخابات في موعدها. والسؤال المشروع هنا: ماذا عن التمويل أو السيولة التي تتمتع بها البلديات؟
وفق “الدولية للمعلومات”، وفي تقرير أعدّ في 17 شباط 2022، فإن في لبنان 1.055 بلدية، فيما 84 منها منحلّة (وهو رقم ليس بضئيل أبداً).
ووفق أرقام ” الدولية”، يبلغ عدد المجالس البلدية حالياً 1,055 بلدية تضم 12,474 عضواً وتتوزع هذه المجالس البلدية كالآتي:
944 مجلساً بلدياً قائماً والكثير منها يعاني الشلل والتعطيل.
84 مجلساً بلدياً منحلّاً يدير أعماله القائمقام أو المحافظ.
27 مجلساً بلدياً مستحدثاً بعد الانتخابات البلدية في عام 2016، ولم يسبق أن شهدت انتخابات ويدير أعمالها القائمقام أو المحافظ.
هذا التوزيع لا يعكس صورة إيجابية عن واقع البلديات، وتحديداً بالنسبة الى مداخيلها. عادة، تنقسم واردات البلديّات إلى الآتي: الرسوم التي تستوفيها البلديّة مباشرةً من المكلّفين، الرسوم التي تستوفيها الدولة أو المصالح المستقلة أو المؤسسات العامّة أو الخاصة وتؤدّيها مباشرةً إلى البلديّة، الرسوم التي تستوفيها الدولة لحساب البلديات اي ما يعرف بعائدات البلديّة من الصندوق البلدي المستقل.
وفيما كانت الأعوام الماضية تشهد تأخيراً لافتاً في سداد مستحقات البلديات أي أموال الصندوق البلدي، فإن عدداً من البلديات افتقرت لبعض المقوّمات، وعملت على خط المساعدات من هيئات أجنبية، ولا سيما في ظل جائحة “كورونا” الأخيرة… وإن كان ذلك لا يلغي أن عدداً آخر من البلديات صندوقه فارغ!
باختصار، ليس واقع البلديات بأفضل حالاً، فهي ليست معزولة عن الواقع الاستثنائي الذي تعيشه البلاد، وإن كانت ثمة بلديات “تعيش” من بعض النشاطات الصيفية أو الموسمية، فمداخيلها بالعملة اللبنانية التي فقدت قيمتها، فيما عدد من البلديات يفتقر للسيولة فعلياً، وينتظر “مكرمات” الصندوق البلدي… أو الأصحّ ينتظر الانتخابات لتجديد هيكليته وتعبئة صندوقه.