الجمعة, نوفمبر 22
Banner

لبنان ليس سريلانكا.. “فشرتم”

 الكاتب – نصري الصايغ

لا تجوز مقارنة لبنان بسريلانكا. لبنان نموذج التغيير المستدام. من السيء إلى الأسوأ، ومن الكارثة إلى الإنهيار، ومن الإنهيار إلى حافة الزوال. مسيرة مائة عام من عمر لبنان، كافية لفهم أسباب استحالة الشفاء..

سريلانكا دولة وشعب. لبنان دويلات راسخة وشعوب راضخة. لكل طائفة دويلة. دويلة بكل معنى الكلمة. لا مساس بملكية “الدولة” للطوائف، تخترقها اختراعات سياسية مضحكة ومفجعة: “ما هو لنا هو لنا، وما هو لكم هو لنا ولكم”. إفهموا. اللامنطق قاعدة سياسية، بل حجر الزاوية. الدويلات اللبنانية تربعت على عروش “الكيان”.

سريلانكا وغيرها من الدول المصابة بالفساد، تستطيع أن تحشد قواها الشعبية، نعم الشعبية، وليس الطائفية، وتقتحم مواقع السلطة وتدك أركان الفساد وتمارس حقها في انزال العقوبات، “باسم الشعب السريلانكي”. وليس كلبنان، الذي تنزل به العقوبات، باسم القضاء الطائفي.

حصل، ذات 17 تشرين، أن تفاءلنا. كنا بلهاء جداً. توقعنا أن تنتهي “الجموع” اللبنانية، إلى مواجهة تنهي عهود الفساد والفاسدين والمفسدين. كان من حقنا أن نتفاءل ونفرح ونتوقع… أغبياء كنا. هذه “الجموع” التي التفت على التغيير والمحاسبة، انتهت إلى اصطفافات زقاقية، مذهبية، ذيلية. أي “حليمة لعادتها القديمة”. انفرزت الجماعات الغاضبة، إلى كيانات سياسو-طائفية: “الفاسد ليس من مذهبي، بل من طائفة أخرى”. جرت الانتخابات، وظهر حجم الارتكاب “الشعبي” في حق المرتكبين. تم تجديد البيعة لمن باع البلاد مراراً. ماضي لبنان سيء، حاضره أسوأ، مستقبله فتات من مزابل السياسات المحتضنة من دول، تقوم بمهمة إدارة لبنان إلى عدمية سيادية… مساكين أدعياء السيادة. لبنان يستحيل عليه أن يكون سيداً ومستقلاً ووطناً. تذكروا كيف ينتخب رؤساء جمهوريته، كيف تؤلف حكوماته، كيف تدار مؤسساته، كيف تملى عليه خياراته، كيف يتوزع بين شرق وغرب، بين عرب واعراب، بين أنظمة ومنظمات، بين أديان وطوائف ومذاهب…

سريلانكا لا تشبهنا. لبنان لا مثيل له.

لماذا هذه التشاؤمية الحتمية؟ أليس هناك كوة أمل في هذا المدى المغلق؟ فلنتفاءل: تأليف حكومة، والأصح تركيب حكومة. قد يحصل ذلك بعد أن ينام زعماء الفشل الدائم، في مخادع السفارات، وتتألف حكومة كسيحة، متخاصمة، متآمرة، متحاصصة، ملتبسة، (أي كما جرت العادة). ماذا ستكون النتيجة: سنشاهد فصول الخراب. ستواكب قوافل البؤساء والجائعين والهائمين واليائسين، والذين يشبهون لبنان، زمن مجاعته التي افتعلها وساقها “العثمانيون”. إن من هم اليوم في السلطات، هم من سلالة جمال باشا، وثم، من سلالة السفاح غورو، ومن بعده قرصان الطائفية المدعومة بمرجعياتها الدينية والمذهبية.

لنتفاءل قليلاً: “سينتخبون” رئيساً للجمهورية المتحللة. النتيجة، إمحاء تام. إن “وطناً” يسرقه قادته، يتحول ناسه، لا شعبه – إذ لا شعب في لبنان، بل كومة بشر مجمعين تحت اقدام السياسيين – يتحول ناسه، إلى طفار هائمين، ويلوذون مع بؤسهم إلى كنف من جردهم من كل حياة. عبيد الطوائف في لبنان، أعند العبيد على الإطلاق. إنهم يحبون قيودهم، ويعبدون أصنامهم. ولا فرق هنا، بين جاهل ومتعلم، بين حرفي واختصاصي، بين طالب وأستاذ جامعي، بين جندي وقائد فرقة وجيش، بين موظف مرتش بفتات البرطيل، ومهندس الارتشاء الاعظم، بين المؤمن بدينه ومذهبه، وطبقة مرجعياته المذهبية. كلن يعني كلن. وليس المقصود هنا قادة الإنهيار، بل “الشعوب اللبنانية” التي زحفت في “معرصة الانتخابات” التي أنجبت فحولاً خاوية. لا أحد افضل من أحد. الذين مارسوا خطأ الانتخابات، يتحملون مسؤولية استدامة الانهيار. وليعذرنا التغييريون. لا يعوّل عليهم ابداً.

سريلانكا، دولة وشعب و.. فساد. والفساد منتشر في معظم الدول وحتى في أعرق الدول “الديمقراطية”. إن رأس المال راهناً، يعتبر راعي الفساد وحاميه، وفساده محمي سياسياً وقضائياً. ارتكابات الشركات العظمى والعابرة للقارات، لا توصف. المجاعات في العالم، منتشرة ومتسعة. كل دقيقة يموت ثلاثة أطفال جوعاً. هناك دول في قارات، تم سحلها وسرقت خيراتها، من قبل دول “ديمقراطية… وحقوق إنسان” ارتكبت إبادات إنسانية وبيئية.

سريلانكا وسواها، في أفريقيا وأميركا اللاتينية وآسيا الوسطى والشرق الاوسط، تعيش تحت خط الفقر. مسلوبة الإرادة. منهوبة الخيرات، ومحروسة بأنظمة مدعومة من دول الغرب الرأسمالية، التي تبشر بفضائل العولمة، التي ارتكبت أفدح الإبادات في العالم… حكومات سريلانكا، وغيرها من حكومات الدول الشبيهة، تحت حماية منظومة النهب العالمي، التي ترتكبها دول “النقاء العنصري” في قارات الشعوب الملونة.

ملاحظة: هل لبنان لبناني؟ هل لبنان عربي؟ هل لبنان شرق أوسطي؟ لا. هذه تقسيمات سابقة ولا معنى ولا مدلول ولا فائدة منها. الخيار هو التالي، إن لم تكن مع أميركا ومنظومتها المأمورة منها، فأنت من دولة مارقة، علاجها بتدميرها. إن الاقتصاد الرأسمالي المدوّل، محمي بقوانين وسياسات وقرارات وإجراءات وعقوبات. من لم يطع، لا يصفع، بل يقتلع… معظم الانقلابات من تدبير غربي- أميركي. معظم الارتكابات تدار بالقصف الجوي والحصار البري… أي بالقتل والتجويع.

سريلانكا، وغيرها، من ضحايا السلطات المحمية أو المرعية من قبل الغرف السود، التي توزعها “الكارتيلات” على أصحاب القرار.

لا تجوز المقارنة بين لبنان وسريلانكا، كما لا تجوز مقارنة “دول الرخاء البترولي”، بـ”دول العسكر المحلي” أو دول القطعان الدينية والمذهبية والطائفية والعنصرية المنتشرة في الخارطة من المحيط إلى الخليج. الدول التي هي سيدة نفسها قليلة جداً. الدول التي فقدت سياداتها تتكاثر. ومع ذلك، لا شبه بين لبنان وهذه الدول المنكوبة. إن لبنان يعلن بصوت مرتفع، أن لبنانه يجب أن يكون بامرة أميركا، أو فرنسا، أو بأمرة السعودية وشقيقاتها، أو بأمرة إيران إلخ..

تحية لشعب سريلانكا.

وتحية لشعب لبنان، عندما يصبح شعباً واحداً، ذات زمن.

علتنا في شعوبنا، وفضيلة سريلانكا أنها شعب واحد ودولة واحدة.

العار، لنا وحدنا. وهذا مرّ الختام.

Leave A Reply