عماد مرمل – الجمهورية
كلما ضاقت المسافة الفاصلة عن موعد الاستحقاق الرئاسي القريب، تعقدت الحسابات أكثر فأكثر واختلط حابل الحكومة المعلقة بنابل انتخابات رئيس الجمهورية «المجهولة المصير».
من المعروف انّ تشكيل الحكومات في لبنان يخضع الى «جراحات قيصرية» تستغرق وقتا طويلا، الا في حالات استثنائية، فكيف عندما يترافق هذا الامتحان مع الاستعدادات لخوض التحدي الأصعب وهو انتخاب رئيس الجمهورية.
ومع ان الواقع المنهار اقتصاديا واجتماعيا يستوجب الفصل بين المسارين والتعجيل في تأليف الحكومة بمعزل عن تاريخ انتهاء مدة صلاحيتها، الا ان المصالح المتضاربة ما زالت تحول دون ذلك، بل ان أصواتا تهمس بوجوب اعطاء الاولوية لإنجاز الاستحقاق الرئاسي على قاعدة انه «ما بتحرز» تشكيل حكومة جديدة لبضعة أسابيع فقط.
تحت ظلال هذه التعقيدات، استقبل رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل قبل أيام النائب فريد الخازن القريب من رئيس تيار المردة سليمان فرنجية والمتحالف معه.
وتوضح مصادر قيادية في التيار الحر انه كان مطروحا ان يتم لقاء باسيل – الخازن عشية الانتخابات النيابية، «لكننا فضّلنا ان يحصل بعدها حتى لا يعطى اي تفسير انتخابي خصوصا انه لم تكن توجد حينها اي فرصة للتعاون على هذا الصعيد».
وتؤكد المصادر التيارية الواسعة الاطلاع انّ اجتماع اللقلوق يندرج في إطار انفتاح التيار على عدد من الجهات الداخلية، وينسجم مع حوارات أخرى يظهر بعضها للعلن ويبقى بعضها الآخر بعيدا من الأضواء.
وتلفت الى ان غداء اللقلوق لم يتطرق الى تفاصيل الاستحقاق الرئاسي، بشكل مباشر، «انما هذا الاستحقاق مطروح تلقائيا ومن الطبيعي ان يندرج ضمن اي تفاهمات قد تتم لاحقاً مع تيار المردة».
وتشير المصادر إلى أن الاجتماع بين باسيل وفرنجية لا يحتاج إلى وسيط، «لا سيما بعدما التقيا برعاية الامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله، وبالتالي فإنّ اللقاء مع الخازن ليست له علاقة بهذا الامر، وأي لقاء جديد بين باسيل وفرنجية يقرره الرجلان بعد الاتفاق على توقيته وجدول أعماله».
وبينما تؤكد المصادر انّ التيار يصرّ على إجراء انتخابات رئاسة الجمهورية في موعدها الدستوري، تعلّق على المواصفات الرئاسية التي حددها البطريرك الماروني بشارة الراعي بالقول: لا البطريرك، مع احترامنا له، ولا أي رجل دين آخر يحق له ان يحدد مواصفات الرئيس، بل هذا دور القوى السياسية المنتَخَبة، وعندما تكون للبطريرك كتلة نيابية يمكنه عندها ان يصبح شريكا في اختيار الرئيس الذي يراه مناسباً. وتضيف: انّ ما استرجعناه بالنضال الطويل لن نقبل بأن يفرّط به أحد أو يتنازل عنه في مقابل تأمين الحماية لاصحاب مصالح مالية.
اما في الشأن الحكومي، فإنّ المصادر القيادية في التيار تعتبر انه بات واضحا ان الرئيس المكلف نجيب ميقاتي لا يريد تشكيل حكومة جديدة، «ولكنه اذا كان يبني حساباته على اساس إنهاء عهد الرئيس ميشال عون بلا حكومة أصيلة، فعليه ان يعلم أنه بذلك يعاقب اللبنانيين ويعمّق آلامهم، لأنّ وجود حكومة فعلية هو ضرورة ليس للعهد بل لمواجهة تداعيات الانهيار وتنفيذ برنامج عمل للإنقاذ».
وتلاحظ المصادر البارزة في التيار انّ ميقاتي سمح لنفسه بأن يرفع الى رئيس الجمهورية تشكيلة تستهدفه من خلال إقصاء ثلاثة وزراء محسوبين عليه، فيما الوزير الرابع المقترح تغييره مُتفاهم على بديله مع مرجعيته السياسية.
وتشدد المصادر على أنّ التيار لم يطلب الدخول إلى الحكومة الجديدة «ولا يوجد وسيط بيننا، أما خبرية الاصرار على حقيبة الطاقة فهي حجة واهية، إذ ليس صحيحا ان التيار متمسّك بها، وهو كان مستعدا من المرة السابقة للتخلي عنها، وهذا الموقف لا يزال ساري المفعول، ولكن هناك أصولاً لاستبدال وزير بآخر».
وتضيف المصادر: ميقاتي جاهر صراحة بأنّ المداورة ليس وقتها الآن وانه لا يريد أن يختلف مع الشيعة حول «المالية»، والمفارقة انه لم يتوقف عند هذا الحد، بل فوق ذلك كله حاول أن يضمّ «الطاقة» إلى حصته وان يغير الوزراء القريبين من الرئيس، بينما لو ان النيات سليمة، لكان يُفترض به على الاقل ان يناقش المسألة مع رئيس الجمهورية بعيداً من الاستفزاز، وان يطرح بديلا مناسبا مثل «الداخلية» او «المالية».
وتستغرب المصادر البارزة الترويج بأنّ العهد والتيار يريدان حكومة جديدة من أجل تمرير تعيينات في الإدارة لمصلحتهما قبل نهاية ولاية عون، لافتة إلى ان كل هذه المقاربة هي مغلوطة في أساسها، «إذ ان اي تعيينات في حال طرحها انما ترمي الى ملء جزء من الشغور الإداري واعادة تشغيل محركات الدولة، وبالتالي نحن لا نتعامل معها كما يفعل الآخرون كمكافآت او مغانم تتقاسمها القوى السياسية، ثم فليكن معلوما انه لا يمكن أصلاً تجاوز الطرف المسيحي، لا الآن ولا في العهد الجديد ولا بعده، الا اذا كان هناك من يريد الانقلاب على نتائج الانتخابات».
وتشير المصادر الواسعة الاطلاع في التيار الى انّ ميقاتي يجب ان يعلم انه لن يستطيع العودة إلى ماض انتهى ولن يكون بمقدوره تجاوز الشراكة الالزامية مع رئيس الجمهورية في تأليف الحكومة، «وما صرّح به الرئيس المكلف من الديمان حول انه يسمح لعون بتعديل اسمين في التشكيلة المقترحة مرفوض ومردود، ذلك أن رئيس الجمهورية شريك بموجب الدستور في كل اسم وحقيبة وهو يرمز الى تيار خرج من الانتخابات النيابية بكتلة كبيرة، فيما ميقاتي الذي يسعى الى كسر عون في نهاية العهد وفرض الشروط عليه لم تعد له صفة تمثيلية ولم يترشّح الى الانتخابات واللائحة التي دعمها خسرت».