السبت, نوفمبر 23
Banner

الحكومة الى زيادة الرواتب بوسائل نقدية

كتبت صحيفة الديار تقول: تتحدّث الأوساط السياسية عن إتفاق بين الكواليس وذلك لإستيعاب أزمة القطاع العام والإضراب المفتوح الذي يجتاحه. والظاهر مما يرشح من معلومات أن القوى السياسية تُريد تكرار تجربة سلسلة الرتب والرواتب وذلك من خلال إحتساب الدولار بـ 8000 ليرة للموظفين.

على هذا الصعيد، يعقد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إجتماعًا في السراي الحكومي يضم وزير المال يوسف خليل وبعض المسؤولين وذلك بهدف وضع كل الحلول المُمكنة لأزمة إضراب القطاع العام على الطاولة، وإستخراج الحل الأكثر ملاءمة للواقع الإقتصادي والمالي والنقدي.

عمليًا تُشير المعلومات الخاصة بجريدة «الديار» إلى قرار زيادة الأجور أُتخذ من قبل رئيسي المجلس النيابي ورئيس حكومة تصريف الأعمال بموافقة ودعم من حزب الله والتيار الوطني الحرّ والحزب الإشتراكي. إلا أن المُشكلة هي في كيفية تمويل هذه الزيادة التي – نظريًا – يُمكن تمويلها من ثلاثة مصادر: مالية الدولة، مساعدات خارجية، ومصرف لبنان. بالطبع كل الحلول هي خارج الإطار المنطقي الذي ينصّ على تمويل هذه الزيادة من النشاط الإقتصادي.

التمويل من خزينة الدولة

تُشير التقارير المتوافرة – سواء خارجية أو داخلية – إلى أن مداخيل الدولة في تراجع دراماتيكي وذلك منذ العام 2020. وبحسب البنك الدولي، تراجعت مداخيل الخزينة إلى النصف في العام 2021 مقارنة بالعام الذي سبقه، ومن المتوقّع أن يتواصل التراجع هذا العام إلى مستوياته الدنيا. وبالتالي أي طرح لتمويل هذه الزيادة من الخزينة العامة يجب أن يواكبه مداخيل سواء بالإقتراض (فقط من مصرف لبنان بسبب التخلف عن دفع الديون) أو بزيادة الضرائب. على هذا الصعيد يعود طرح رفع الدولار الجمركي إلى الواجهة لتمويل ولو جزء من هذه الزيادة إلا أن هذا الأمر سيعود إرتفاعًا بالأسعار على المواطن كأن الدولة تُعطي من جهة وتأخذ من جهة أخرى! الجدير ذكره أن رفع الدولار الجمركي سيواكبه حكمًا رفعًا في الضريبة على القيمة المضافة (كقيمة وليس كنسبة مئوية) بحكم أن إعتماد سعر دولار جمركي مُختلف عن دولار الضريبة على القيمة المضافة يعني الإستمرار في عملية تعدد سعر الصرف وهو ما لا يُريده صندوق النقد الدولي.

أيضًا يتوجب لحظ أن البوابة الإلكترونية لوزارة المال لم تنشر أرقام المالية العامة وذلك منذ تشرين الماضي وهو ما يدلّ على عدم رغبة بإعطاء الرأي العام حقيقة الواقع المالي العام الأليم والذي يُظهر بشاعة ما إرتكبته السياسات الحكومية المُتعاقبة!

التمويل من مساعدات خارجية

في الواقع عند التفكير بمساعدات خارجية، يتوجب النظر إلى دولتين هما فرنسا والمملكة العربية السعودية. الأولى – أي فرنسا – تربط أي مساعدة مهما كان نوعها بإخضاع السلطة اللبنانية لشروط صندوق النقد الدولي وهو ما تُحاول تنسيقه مع المملكة العربية السعودية من خلال الإتصالات شبه الدائمة بين السفيرة الفرنسية في بيروت آن غريو والسفير السعودي وليد البخاري.

وهنا تُشير مصادر إلى أن فرنسا تضغط بقوة على الرئيس المُكلّف نجيب ميقاتي من خلال السفيرة الفرنسية أيضًا لإقرار مشاريع القوانين التي حوّلتها الحكومة إلى المجلس النيابي. وبالتوازي تُحاول فرنسا الضغط على المصارف اللبنانية لقبول خطة التعافي للحكومة من خلال السفيرة الأميركية دوروثي شيا. وتُشير المصادر إلى أن السفيرة الفرنسية تعمل مع نفس الفريق الذي عمل مع الرئيس حسان دياب والذي كان خلف قرار وقف دفع سندات اليوروبوندز!

وبالتالي ومما تقدّم نرى أن التمويل الخارجي هو شبه مُستحيل في الوقت الحالي خصوصًا لتمويل أجور القطاع العام. وهو ما يعني صعوبة السير في هذا الحل أقلّه حتى إنتهاء الإستحقاق الرئاسي في تشرين الأول القادم.

التمويل من خلال مصرف لبنان

الحل الوحيد الباقي أمام المعنيين والذي من المرجّح إعتماده نهار الإثنين القادم خلال الإجتماع الذي سيضم كلًا من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير المال وعدد من المسؤولين في وزارة المال والمصرف المركزي، هو حل نقدي بإمتياز شبيه بالإجراء الذي إعتمده مصرف لبنان مع القضاة – أي إحتساب الأجور على سعر 8000 ليرة للدولار الواحد. إلا أن الدراسات التي قام بها المركزي تُرجّح إرتفاع سعر صرف الدولار إلى مستويات تتخطى بكثير المستويات الحالية (ما بين 60 ألف إلى 150 ألف ليرة للدولار الواحد) نظرًا إلى وجود أكثر من 300 ألف عامل في القطاع العام! وهو ما دفع البعض إلى إقتراح القيام بهذه الخطوة على مراحل أي يتمّ زيادة تدريجية في إحتساب الدولار حتى وصوله إلى 8000 ليرة لبنانية في تموز 2023.

بالطبع نظرًا إلى أن الدولة اللبنانية تخلّفت عن دفع ديونها، من المستحيل على المصرف المركزي تمويل أي قرش إلا من خلال طبع العملة. وهو ما يُرجّح زيادة إلى ثلاثة مرّات الأجر الحالي (مع المساعدات الإجتماعية)، على أن يتمّ زيادة إضافية في مطلع العام القادم وصولًا إلى خمس مرّات قيمة الرواتب الحالية.

للتذكير أن رئيس المجلس النيابي نبيه برّي كان قد طلب تجميد قرار حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي منح القضاة بموجبه زيادة على الأجور 5.3 أضعاف مموّلة من خلال السياسة النقدية، مُشيرًا إلى أن هذا «التفاوت سيؤدي الى انهيارات أكبر من الانهيار المالي والاقتصادي الحاصل وسيكون له تداعيات اجتماعية واقتصادية لا تحمد عقباها».

أزمة القطاع العام وصندوق النقد

أشار مصدر مُطلع على ملف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي لجريدة «الديار» أن الأزمة التي تطال أجور القطاع العام زادت من القوة التفاوضية لصندوق النقد الدولي وهو الذي يدعي إلى تخفيض حجم القطاع العام. وبحسب الأرقام المتداولة يبلغ عدد موظفي القطاع العام ما بين 300 ألف إلى 350 ألف موظف قسم كبير منهم مُتعاقد مع الدولة بواسطة عقود مؤقتة (مياوم، أشغال بالأمانة…) وهو ما يستند عليه صندوق النقد الدولي للطلب من الحكومة اللبنانية تخفيف حجم القطاع العام إلى مستوياته الدنيا. وبحسب المصدر، ترفض القوى السياسية هذا المطلب نظرًا إلى تداعياته على شعبيتها مُتحجّجة بالواقع الإجتماعي الكارثي في حال تمّ صرف هؤلاء. إلا أن الصندوق يُصر بالقول أن الإحتفاظ بهؤلاء الموظفين المؤقتين لا يُحسّن من وضعهم نظرًا إلى عدم قدرة الدولة على دفع أجورهم، وبالتالي من الأفضل التخلّص منهم ومُحاولة تحفيز القطاع الخاص بهدف إستيعاب القسم الأكبر من هؤلاء.

ويقول المصدر أن رفض القوى السياسية هو رفض قاطع خصوصًا أن كل هذه القوى وظفت بشكل عشوائي مناصريها في الدولة من دون أي إدراك للتداعيات المالية لمثل هذا التوظيف. وما نراه اليوم من تردّ لوضع الموظف في القطاع العام، هو نتاج ما زرعته هذه القوى.

وبالتالي من المتوقّع أن تعود مسألة حجم القطاع العام إلى الواجهة في المرحلة المُقبلة مع تشديد واضح من قبل الصندوق على خفض حجم هذا القطاع خصوصًا في القطاع التربوي والإدارة العامة وحتى في السلك العسكري! وبحسب معلومات «الديار» يطرح الرئيس ميقاتي فكرة تخفيض عديد الجيش اللبناني إلى 40 ألف عسكري وهو ما لا تُرحّب به قيادة الجيش.

إلى هذا تشهد المفاوضات مع صندوق النقد الدولي حالة من الجمود مع تحوّل الحكومة إلى حكومة تصريف أعمال وبالتالي ومع إستبعاد إحتمال تشكيل حكومة في الوقت القريب، وهناك قناعة لدى المسؤولين أن الأمور مُجمّدة أقلّه إلى حين الوصول إلى الإستحقاق الرئاسي والذي يرهن كل الإستحقاقات الأخرى.

بإنتظار نتائج زيارة بايدن

الزيارة التي قادت الرئيس الأميركي جو بايدن إلى الشرق الأوسط، حملت معها أهدافًا كثيرة ولعل أهمّها بالنسبة للولايات المُتحدة الأميركية الموضوع النفطي وإمكانية زيادة ضخ النفط الخليجي في السوق في محاولة لإستيعاب التضخم الذي يجتاح إقتصادات الدول الغربية. إنخفاض أسعار النفط في الآونة الأخيرة والناتج عن إنخفاض الطلب العالمي، قلّل من قيمة المطلب الأميركي لتتحوّل المحادثات حول الشراكات الإستراتيجية سواء بين الولايات المُتحدة الأميركية وبين دول الشرق الأوسط، أو بين هذه الدول فيما بينها.

ولعل الزيارة الأهم التي قام بها بايدن حتى الساعة هي للمملكة العربية السعودية حيث من الواضح أن الحاجة الأميركية للنفط السعودي أعاد إحياء مُعادلة النفط مقابل الأمن والتي تأسست منذ 80 عامًا بين الرئيس الأميركي أيزنهاور والعاهل السعودي الملك الفيصل. وهو ما يعني تصعيد ضد الجمهورية الإسلامية في إيران حيث إتفق بايدن مع الملك سلمان / وولي عهده محمد بن سلمان على «ضرورة منع إيران من الحصول على سلاح نووي ومنعها من التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى في المنطقة». وأكّد الرئيس الأميركي بايدن «التزام الولايات المتحدة القوي والدائم بدعم أمن المملكة العربية السعودية والدفاع عن أراضيها، وتسهيل قدرة المملكة على الحصول على جميع الإمكانات اللازمة للدفاع عن شعبها وأراضيها ضد التهديدات الخارجية».

وكإنعكاسات متوقعة على لبنان، عاد الغموض ليلف التطور السياسي في لبنان نتيجة هذه الزيارة وعاد التركيز على الإتفاق النووي وإمكانية حدوثه خصوصًا مع الظروف الحالية. الجدير ذكره أنه كلما إنخفضت أسعار النفط العالمية، تراجعت شهية الولايات المُتحدة الأميركية لإبرام إتفاق جديد مع إيران.

وبالتالي عاد لبنان إلى مرحلة الإنتظار «القاتل» في وقت يعيش فيه في أزمة كارثية على الصعيد الإقتصادي، وهو ما ينسحب حكمًا على الإستحقاق الرئاسي والذي أصبح خارج القرار اللبناني وبات رهينة كل التطورات الإقليمية والدولية.

Leave A Reply