يمنى المقداد – الديار
لم يشكّل متحوّر “أوميكرون” نهاية جائحة كورونا كما اعتقد أو تمنّى الكثيرون في أنحاء العالم أجمع، لا سيّما بعد تدنّي إصاباته في الفترة السابقة، فقد ساهمت خاصيّة انتشاره السريع ببقائه على قيد الإصابة التي ترتفع معدّلاتها كثيرا في لبنان وفي كثير من الدول، لا سيّما تلك التي لا تزال نسب التلقيح فيها ضئيلة أو تحت معدّل المناعة المجتمعية.
وعلى وقع أزماتنا اللبنانية المفتوحة، تستعيد كورونا فعاليتها، وهذه المرّة من باب “أوميكرون Ba.5″، المتحوّر الذي يزداد شراسة في سرعة انتشاره، وفي رفع الإصابات اليومية في لبنان، فيما تعتبر نسبة وفياته متدنّية جدا مقارنة بالمتحوّرات السالفة.
يشار إلى أنّه مؤخرا كشفت منظمة الصحة العالمية أنّ حالات الإصابة بفيروس كورونا والوفيات في ارتفاع في جميع أنحاء العالم، ويعود ذلك إلى تخفيف الإجراءات، فيما حثّت المنظمة الحكومات في جميع أنحاء العالم على مواصلة إجراء اختبارات PCR وتقديم المواد لتخضع للاختبار الجينومي حتّى يتسنّى تتبع تطورالمتغيرات الجديدة بشكل أفضل.
عراجي: “أوميكرون -BA.5”
سبب إرتفاع إصابات كورونا
تستمر موجة “كوفيد-19” بمتحوّرات جديدة للمتحوّر “أوميكرون”، وخاصة BA.2 وBA.5، وتحتوي كلّ سلالة فرعية منه على مزايا انتقال تتفوّق على الفيروسات السابقة، مثل متغيّر “BA.5” يتميّز بأنّه شديد القابلية للانتقال، وأكثر مقاومة بأربع مرّات للقاحات فيروس كورونا المعتمدة، وهذا ما أثار القلق مجددا بين الناس اليوم.
ووقوفا عند أسباب إرتفاع الإصابات بكورونا والفئات المصابة، كشف رئيس لجنة الصحة النيابية النائب الدكتور عاصم عراجي لـ “الديار” أنّها تعود إلى متحور من أوميكرون إسمه “BA.5″، وهو سريع الإنتشار والعدوى، وهو الطاغي تقريبا اليوم في معظم دول العالم، وأكثرية الإصابات به.
وعن مدى خطورته، اكد عراجي أنّ الغالبية العظمى من الذين يدخلون إلى أقسام العناية أو الأسرّة العادية هم من غير الملقّحين أو ملقّحين جرعة واحدة.
اللقاح يمنع تطوّر حالة المريض
ما يعرف عن متحوّر “BA.5” أنّه يتهرب من جهاز المناعة، ويصيب المصابين والملقّحين، ما يحمل الناس على التساؤل ما نفع اللقاح إذا؟ يجيب عراجي: رغم أنّ متحوّر “BA.5″، يتهرب إلى حدّ ما من الأجسام المضادة الموجودة نتيجة اللقاح أو نتيجة الإصابة السابقة أو القديمة بكورونا، لكن اللقاح يمنع أن تتطوّر حالة المريض ، إذا أصيب بهذا المتحوّر، فلن يضطر لدخول المستشفى أو العناية الفائقة، ودعا غير الملقّحين إلى أخذ اللقاح، والملقّحين مرّة واحدة أو اثنتين أو ثلاث إلى إستكمال الجرعات المطلوبة، خصوصا من تجاوز الستين عاما، ومقدّمي الرعاية الصحية من أطباء وممرّضين وعاملين في المستشفيات، ومن لديهم نقص في المناعة، على أن يتّم تناول الجرعة التنشيطية أو اللقاح الرابع بعد مرور ستة أشهر على أخذ اللقاح الثالث كي يحميهم أكثر من الكورونا. هل تتوقع ارتفاعا في عداد الإصابات بهذا المتحور أكثر في الأيام والأشهر المقبلة؟ إحتمال كبير ، بحسب ما أجاب عراجي، فالإصابات البارحة (18 تموز) بلغت 2400 إصابة وحالتي وفاة، والمرضى الموجودون في المستشفيات بلغ تقريبا 125 مريض بين أسرّة عادية وأسرّة عناية، عازيا السبب إلى المناسبات الكثيرة خاصة بعد وصول المغتربين، ونلاحظ من خلال وسائل التواصل حجم الإزدحام في بعض المناطق السياحية والمطاعم، محتملا إرتفاع الإصابات نتيجة الاختلاط الحاصل، لكنّه طمأن أنّ الملقّحين إذا أصيبوا فإنّهم لن يدخلوا المستشفيات، متمنيّا على المواطنين غير الملقّحين أخذ اللقاح كيلا يضطروا لدخول المستشفى، ونحن نعلم كم تبلغ تكلفة المستشفيات في هذه الايام خاصة أنّ كثيرا من اقسام كورونا أقفلت و”بينعدّوا على الأصابع المستشفيات التي تستقبل كورونا هذه الأيام”، وأوصى عموم الناس بالتعقيم ووضع الكمامة لا سيّما بأماكن التجمّعات، مشدّدا على المصاب بغسل يديه ووضع الكمامة والعزل في فترة الإصابة كيلا يتسبّب بنقل العدوى إلى الآخرين.
شمس الدين: ارتفاع الإصابات في الشرق
بنسبة 45% خلال الشهر الحالي
من جهتها، شرحت الاختصاصيّة في الأمراض الجرثوميّة والمعدية الدكتورة ندى شمس الدين لـ “الديار”، أنّ فيروس كورونا عموما مرّ بمراحل تطوّر كثيرة غيّرت الكثير من خصائصه بما يتعلّق بسرعة الإنتشار والأعراض المرضية، بعدّة متحورات هي: “ألفا”، “بيتا”، “غاما”، دلتا”، واليوم “أوميكرون” المستمر منذ أواخر العام 2021، ولا يزال يتطور ويمرّ بمتغيّرات فهناك: “أوميكرون BA.1، BA.2، BA.3، BA.4 وBA.5، والأخير هو السائد والمسيطر اليوم في معظم دول العالم ، فهو يتمتع بقدرة انتشار أعلى بكثير من المتحوّرات السابقة، لذلك شهدنا في أشهر: أيار وحزيران وتموز إرتفاعا تدريجيا في أعداد الإصابات في كثير من دول العالم، وفي دول الشرق الأوسط خاصة في العراق، إيران، تونس والمغرب، حيث ارتفعت أعداد الإصابات بنسبة 45% ، تحديدا خلال الأسبوع الأخير من الشهر الحالي، كما ازدادت نسبة الوفيات تدريجيا بسبب الإصابة بهذا المتحور بالذات.
واشارت الى ان نقاطاً اخرى تلعب دورا أساسيا بالنسبة للإنتشار وازدياد الأعداد في البلدان والأعراض السريرية والوفيات، مثل نسبة ونوع اللقاحات في كل بلد، التجمعات، عدم ارتداء الكمامات، مصابون لا يهتمون بإجراء الفحص ويخرجون للقاءات ويشاركون بتجمعات ومناسبات، عدم وضع الكمامة بالأماكن المكتظة، وإجراء مناسبات إجتماعية وعائلية من دون أخذ الإجراءات الوقائية.
اللقاح غيّر وجهة المرض
لقد شكّل اللقاح وفق شمس الدين نقطة مفصلية لتغيير وجهة المرض في البشرية كلّها، فقد حوّله من شديد الفتك إلى مرض بأعراض خفيفة ومتوسطة، وخفف كثيرا من خطر دخول المستشفيات والعناية الفائقة والإصابات الرئوية التي كانت من أهم أسباب الوفاة، ولكن رغم ذلك لم يمنع الإصابة، لذلك بقيت الأعداد تزيد أحيانا وتنخفض أحيانا أخرى بسبب القدرة على الإنتشار، بحيث هناك عدّة متحورات كل منها يحمل خصائص جديدة بالإنتشار، إلى أن وصلنا الى “أوميكرون” ولا نزال منذ أشهر بالمتحوّر ذاته الذي بقي يتسبب بارتفاع الأعداد من وقت الى آخر، وهذا يعتمد على التجمعات ونسبة اللقاحات بالمجتمعات، ففي لبنان لا تتعدى نسبة اللقاح 40-45% حتى الآن، ما يؤثر في قدرة الفيروس على الإنتشار لأنّه كلما كانت نسبة اللقاح أعلى خفّ انتشار الفيروس وخطورة الإصابات.
“كوفيد طويل الأمد”
الإصابة حتميّة بالفيروس إذا لم نتّخذ الإجراءات الوقائيّة، إنّما تكون ملطّفة وخالية من المضاعفات الخطرة، وإن ما زالت تحدث في فئات معيّنة ملقحة ربما، لكن السؤال الدائم: ألم يستطع العلماء إكتشاف دواء ناجع رغم نجاحهم في تصنيع اللقاح لهذا المرض؟ تجيب شمس الدين أنّ أدوية علاج كورونا موجودة في بعض البلدان، لكنها تستعمل لحالات محدّدة، لافتة إلى أنّه حتى لو تمّ علاج الإصابة بكورونا أو كانت خفيفة، فهناك ما يسمى” long covid” وهو المضاعفات ما بعد الشفاء من كورونا، وتصيب الكبار والصغار، وقد تكون قلبية وعصبية ورئوية ولا يجب أن نستخف بـ”كوفيد طويل الأمد”، إذ يمكن أن يسبب نتائج وخيمة على الصحة، وهذا يجب أن يحفزنا، كي نتقيّد بالإجراءات الوقائية، ونشجّع على اللقاح لأنّه يحمي من الأعراض الشديدة، ويخفّف من إنتشار الفيروس.
هل هذا المتحوّر هو الأخير؟ برأي شمس الدين لا نستطيع أن نعرف إلى أين ستصل المتحوّرات والمتغيّرات ضمن المتحوّر، لأن الفيروس لا يزال يتطّور ويحدث مفاجآت جديدة، موضحة أنّ ما يصل للناس اليوم هو متحور “BA.5” من أوميكرون، ولكن هناك الكثير من المتحورات موجودة تحت الدراسة، يمكن أن تفاجئنا وتتحوّل الى فيروس شديد الانتشار أو شرس أكثر، فلا شيء مضمون والأفق غير واضح إلى حدّ الآن.
“القنطور”
إلى ذلك، أعرب علماء الفيروسات عن مخاوفهم بشأن ظهور نوع آخر من أوميكرون سريع الانتشار، أطلق عليه اسم “القنطور”، ينتشر في الهند ووصل إلى المملكة المتحدة، وفقا لتقرير في الغارديان، وتم اكتشاف المتغير “بي إيه 2.75” (BA.2.75)، الملقب بمتحور القنطور (Centaurus)، أول مرة في الهند أوائل أيار الماضي، ويبدو أنه أسرع من “بي إيه 5” (BA.5) الشديد القابلية للانتقال، والذي يوجد أيضا في الهند ويحل سريعا محل “بي إيه 2” (BA.2) السائد سابقا في العديد من البلدان.
وفي 7 تموز الحالي، صنف المركز الأوروبي للوقاية من الأمراض ومكافحتها (ECDC) متحور القنطور على أنه “متغير خاضع للمراقبة”، مما يعني أن هناك بعض المؤشرات على أنه يمكن أن يكون أكثر قابلية للانتقال أو مرتبطا بمرض أكثر خطورة، لكن الدليل على ذلك ضعيف أو لم يتم تقييمه بعد.
خلاصة القول… معظم الناس اليوم أهملت إجراءات الوقاية كما اللقاحات ظنّا منهم أنّ كورونا انتهى، وربّما نحن منهم ، ولكن عندما نعلم أنّ هناك أشخاصا يتوفّون نتيجة إهمال الإجراءات الوقائية واللقاح، وأنّ ذلك قد يساهم ولو بشكل غير مباشر بنشر الفيروس ومزيد من الوفيات، حينها لا بدّ من قرارات إنسانيّة أبرزها الكمامة والتعقيم والتباعد، وأكثرها إلحاحا اللقاح الذي قد لا يمنع الإصابة إنّما يخفّف من فتكها الذي قد يصل بنا إلى نهاية الحياة.
Follow Us: