الإثنين, نوفمبر 25
Banner

رجعنا ورجعوا عوايدنا _ ملاك ابو حمدان

تحدّثنا البارحة أنا وعمتي عن أحوالنا الّتي لا تسرّ العدوّ ولا الحبيب، كما يقول المثل، والكلام جرّ الكلام فاستذكرنا أيام زمان، عندما كانت تغسل الأواني والثياب على عين الضيعة “حزرتا”، في زمن خلت فيه الحياة اللّبنانيّة من الوسائل التكنولوجية.
تقول عمّتي: “تعبنا كثيراً فلا كهرباء ولا معدّات تقنيّة تخفف عن كواهلنا عناء العمل اليدويّ، حتى الغسالة العادية (كما كانت تسمى في قريتي، تلك التي تحتاج إلى مجهود أكبر من الغسالات الاوتوماتيكية) كانت تأخذ من صحتنا وترهقنا.”
أما والدتي فتقول بأن وضعها كان أفضل بقليل من وضع عمتي. صحيح أنها عملت بكدّ، ولكنها، لم تجرب معاناة الذهاب إلى العين، واستطاعت أن تحصل على غسالة قديمة بعد عدة سنوات..
هذه الذكريات مرّ عليها الزمن بحلوها ومرّها، واليوم نستذكرها، ليس من باب الحديث فقط، أو لمجرد اعتبارها ذكريات مضى عليها الوقت، بل لأننا نعيشها..
صحيح أننا لم نعد نذهب إلى العين، ولكننا أضحينا في ظل انقطاع الكهرباء المستمر وغلاء تسعيرة الاشتراك نلجأ للغسيل يدوياً.
أبت وزارة الطاقة إلا أن تعيدنا إلى عصر التعب، مع تطور الزمن ومحاولة دول العالم تأمين أفضل رفاهية ممكنة لشعوبها.

“العتمة الشاملة أرهقت أجساد النساء”
في أروقة قريتي، أسمع أصوات نساء تئنّ من الوجع، ويشكين هموهن بعد ما وصل بهن الحال إلى الإعياء الشديد.
فمع غياب التيار الكهربائي لمدة قد تصل إلى ١٠ أيام وأكثر، ترى النساء أن لا أمل من انتظار عودته لتكملن اعمالهن. لذا لجأن إلى غسل الثياب كما كنّ قديماً. ومن  يعرف مشقة هذا العمل، يدرك صعوبة المهمّة، وأنا فعلت!
أما أقسى المشاهد خلال زيارتي، كانت عندما رأيت من هن في الجيل الخامس والسادس من العمر يشكين ألماً بعد مشقة “الغسيل”، حيث من المفروض أن تؤمن لهن الراحة نظراً لأعمارهن . وكانت همساتهن تردّدت على مسامعي: “كتافنا راحوا وايدينا ما عاد فينا نحركن”.
وفي محاولة مني لذكر موضوع وزارة الطاقة تنهال الشتائم من كل حدب وصوب لأنها المسؤولة الأولى والمباشرة لما آلى اليه الوضع. ثمّ أردف انا قائلة: “أعتقد أن الذي تعانونه اليوم ليس بجديد عما كنتن تعانينه قديماً”!
تجيبني إحداهن، وهي في العقد السادس من العمر وقد أنهكتها الحياة: “صحيح، ولكن لم يعد لدينا حيلة، ولم نعد بالقوة التي كانت لدينا سابقاً في عمر الصبا، الحياة تتقدم ولا تعود إلى لوراء. ومن واجب الدولة أن تؤمن أدنى مقومات الحياة..”
وتأتيني شكوى أخرى : “أخدوا عمرنا وهلأ اخدوا صحتنا..”
تساءلت في نفسي وأنا في طريق عودتي: “ما الذّنب الّذي اقترفتاه لكي نتقلّب من معاناة إلى معاناة؟ لأجيب نفسي بصوت عقلي: الذّنب ذنب الكبار، رجال السّلطة الّذين تسلّطوا علينا، وما زلنا نسلّطهم على رقابنا وأرزاقنا وأحلامنا!”

Leave A Reply