جورج شاهين – الجمهورية
في انتظار جوجلة النتائج التي أفضَت اليها لقاءات الموفد الاميركي الى مفاوضات الترسيم عاموس هوكشتاين، تعتقد مصادر ديبلوماسية انه محكوم بالنجاح وان امامه مهلة محدودة عليه ان يقطعها توصّلاً الى اتفاق بين لبنان واسرائيل، وهو لن يُنهي مهمته قبل ان يحيي المفاوضات سوى في حال الاستغناء عنها بأن يتوجّه البلدان الى الامم المتحدة بالخط الجديد لتسجيله في دوائرها المعنية. وعليه، ما الذي يبرّر هذه المعادلة ويقود إليها؟
في ظل مجموعة السيناريوهات التي سبقت وصول هوكشتاين إلى بيروت سواء تلك التي تم ترويجها هنا او في اسرائيل وعبر أكثر من منصة اعلامية واقتصادية دولية، بقيت هناك مجموعة من المؤشرات الثوابت التي انتهت إليها جولاته في عواصم المنطقة، عدا عن تلك التي شملت مجموعة اخرى معنية بأزمة الطاقة العالمية والمشغولة بمواجهتها على المستوى الدولي. فقبل أن يصل هوكشتاين إلى بيروت أمس الأول، كان في جولة اوروبية شملت كلّاً من باريس وبروكسل وأثينا لمناقشة أمن الطاقة الأوروبي – وما زاد من اهميتها – ما كشفت عنه وزارة الخارجية الأميركية فور انتهائها بقولها «انّ زيارة المنسق الرئاسي الخاص للشراكة من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار آموس هوكشتاين إلى بيروت هدفها مناقشة الحلول المستدامة لأزمة الطاقة في لبنان، بما في ذلك التزام إدارة الرئيس جو بايدن بتسهيل المفاوضات بين لبنان وإسرائيل حول الحدود البحرية».
وعليه، توقفت مراجع ديبلوماسية عليمة عند مضمون بيان الخارجية الاميركية وتوقيته الى درجة انه أسبغ على الزيارة بعدها الاقليمي والدولي لتكون أبعد من مجرد وساطة لترسيم الخط البحري بين لبنان واسرائيل وربطها بالجولة التي كان يقوم بها وبما أجراه من محادثات في وقت سابق، منذ أن أحيا لبنان مهمته طالباً تجديد وساطته عندما دخلت سفينة الانتاج «اينيرجي باور» الى حقل كاريش الإسرائيلي. وعليه، فقد شكّلت الزيارة مناسبة للبحث في عمق المشكلة وما يمكن القيام به لإطلاق دينامية جديدة لا يمكن تجاهل اهمية الوقت فيها بعدما تقلّصت الخيارات امام جميع الأطراف وبات الاتفاق «ملزماً ووشيكاً» وعلى قاب قوسين أو أدنى من حاجات أوروبا لكميات هائلة من الغاز لتكون بديلاً من السيل الروسي المقفل بقرار موسكو من جهة أو بفِعل العقوبات الدولية عليها من جهة ثانية، وهو ما رفع نسبة تقلّصها الى الحد الاقصى بعد الغزو الروسي لأوكرانيا وتداعياته ليس على مستوى دول الجوار الروسي والأوكراني فحسب، وإنما على مستوى العالم في ملفّي الطاقة والغذاء.
وانطلاقاً من هذه المعطيات وما تقود إليه من مؤشرات، فإنّ البحث في بيروت يفرض إلقاء نظرة على نتائج جولات هوكشتاين قبل وبعد ان رافق الرئيس الاميركي جو بايدن الى اسرائيل والمملكة العربية السعودية وما شهدته القمم الثنائية لبايدن مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان ورئيس دولة الإمارات العربية المتحدة محمد بن زايد آل نهيان في مسعاه لرفع نسبة الإنتاج اليومية من النفط والغاز لمواجهة النقص العالمي وتعويم السوق للتخفيف من ارتفاع الأسعار العالمية بنحو لم يكن متوقعاً من قبل.
وفي المعلومات التي سبقت الزيارة انّ هوكشتاين عائد هذه المرة وفي ذهنه اكثر من فكرة جديدة بهدف إحياء المفاوضات واستعجال أعمال الترسيم ليس من اجل ان يطلق لبنان دورات التراخيص والتنقيب في بلوكاته التي جدّدتها وزارة الطاقة حتى نهاية العام الجاري بل لفتح الطريق الدولية أمام الغاز الاسرائيلي ايضاً ليصبّ في اتجاه أوروبا، ولتحيي ما كان مُتعثراً ومُستبعداً من قبل في لبنان عندما فرضت الضغوط القوية واستنكاف الشركات الدولية عن القيام بالتزاماتها واقعاً سلبياً في لبنان من دون ان يتوافر من يحاسبها ويدقق في أسباب توقفها عن العمل.
وفي المعلومات التي سبقت زيارة هوكشتاين انّ لقاءاته في بروكسل وباريس واثينا دفعته الى الاسراع لفِعل ما يمكن القيام به بما يؤدي الى سد النقص الأوروبي والدولي الطاقوي، الأمر الذي يهدد بتنامي الازمات الناجمة من ذلك والتخفيف من انعكاساتها المتوقعة على مستوى العالم وهو هَم اميركي، فمعظم من تأثروا بالإجراءات الأخيرة هم من حلفائها ولا يمكن التأخير في مد يد العون لهم، على حد ما نُقل عن ديبلوماسي اميركي يرافق هوكشتاين في زيارته لبيروت.
وعليه، فقد فرضت المعطيات الجديدة على هوكشتاين تأكيد مبدأين: أهمية الاقتناع بأنه «وسيط مساعد ومسهل» كما تعهدت بلاده في «اتفاق الاطار»، وانه يسعى الى التخفيف من الفجوة بين النظرتين اللبنانية والاسرائيلية. وإن اكتشف انّ موقف لبنان من بعض الثوابت مما جاءت به «التسوية المطروحة» ما زال صلباً ولم يتغير، فقد ظهر جلياً انه لم ينقل اي شروط اسرائيلية تعجيزية ستؤدي حتماً الى تفجير مهمته وتعليقها عند ما تحقّق حتى اليوم وإقفال الملف لينام في أدراج المعنيين به في اكثر من عاصمة.
ولذلك، وبعدما تبيّن زيف ما تردد من اشارات سلبية سبقته الى بيروت في شأن ما تسرّب عن شروط اسرائيلية قالت بحصّة من «حقل قانا»، او تعويض مالي مطلوب من لبنان لقاء تخلّيها عن الجزء الجنوبي منه، ولا إنشاء شركة وصندوق خاص لتتقاسم من خلاله الدولتان قيمة ما يستخرج من الأحواض المشتركة والمتنازَع عليها، بقيت هناك خلافات محدودة حول بعض الخطوات التي يمكن تجاوزها لئلّا تعوق اي تقدم في اتجاه الحل النهائي ولا تنسف ما تحقق حتى اليوم.
ولذلك، كان هوكشتاين واضحا عندما تحدث في اللقاء الموسّع عن بعض العقد من دون ان يتسرب منها شيء بعد. وهو كان واضحا في تصريحه لاحقاً من قصر بعبدا عندما أبدى تفاؤله الذي يسمح له بـ»مواصلة التقدم الذي حصل في هذا الملف خلال الأسابيع المنصرمة»، وهو «لن يبتعد كثيراً ويعود قريباً الى المنطقة للانتهاء منه والوصول الى نتيجة».
وبناء على كل ما تقدم، وبعيداً من الاسترسال في الكشف عما توصّل إليه هوكشتاين في لقاءات بيروت، حسمت مراجع ديبلوماسية وسياسية على صلة بالمفاوضات أمر مهمته واعتبرت انه من المنطقي القول انها من الزيارات الاخيرة قبل الإعلان عن الاتفاق النهائي وانه «مُجبر» أو «محكوم» بالتوصل الى حل نهائي في مهلة أقصاها أيلول المقبل. فكل ما جرى يوحي بأنّ الحل آت ولو بعد ايام لتسقط كل المشاريع الاخرى وخصوصا تلك التي تتحدث عن الاعمال العسكرية المحدودة وربما عن « الحرب السابعة»! فهل سيكون هناك خلاف حول طريقة ترجمة الاتفاق؟ وهل سيوقّع لبنان واسرائيل صفحة واحدة كما تقترح واشنطن؟ أم ان هناك مخارج أخرى مقترحة؟ وهل سيبقى مكان ما للشريك الروسي «المعاقب» مع الإيطالي والفرنسي في عمليات التنقيب؟