كتبت صحيفة “النهار” تقول: واقعيا، دخلت البلاد دائرة المناسبة الأشد اثارة للشجون والمواجع والمآسي، مناسبة احياء الذكرى الثانية لـ”انفجار العصر” في مرفأ بيروت في الرابع من آب 2020 التي تصادف غدا، وسط تفاقم مختلف الظروف التي تجعل هذه الذكرى محطة وطنية وإنسانية بالغة التأثير في انفعالات اللبنانيين، كما في تجسيد الواقع اللبناني العام الابعد من استذكار كارثة التفجير والخسائر البشرية والمادية الفادحة التي تسبب بها والتداعيات الهائلة التي تركها ولا تزال تتفاعل بقوة في كل الاتجاهات الداخلية والخارجية. وتراجعت كل الملفات السياسية وسواها عشية الاستعدادات الجارية لاحياء ذكرى انفجار 4 آب، اذ سيشهد لبنان غداً يوم حداد وطنيا شاملا، وسط اقفال تام في كل القطاعات الرسمية والخاصة والحركة العامة، فيما تتوج فعاليات احياء الذكرى ابتداء من ساعات بعد الظهر بثلاث مسيرات ضخمة تنطلق من ثلاث نقاط في وسط بيروت الى تمثال المغترب حيث سيقام الاحتفال المركزي بالذكرى. وعلى أهمية المتابعات الرسمية والسياسية للملفات الداخلية المفتوحة بدءا بملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، وصولا الى ملف الاستحقاق الرئاسي الذي بدأت الساحة الداخلية تشهد تصاعدا متدرجا في بعض التحركات والمواقف السياسية حياله، ستدخل التداعيات الثقيلة لملف التحقيق العالق والمجمد والمعطل في انفجار 4 اب بقوة على مجمل الواقع السياسي والوطني في هذه الذكرى، خصوصا ان ثمة كتلا نيابية اندفعت نحو تطوير تحركها للضغط في سبيل تحريك التحقيق العدلي العالق عند شلل تسببت به مداخلات سياسية سافرة ارتدت لبوس الأصول القانونية والقضائية، ونجحت في تأخير كشف الحقائق المتصلة بالانفجار وحاصرت المحقق العدلي في هذه الجريمة طارق بيطار الذي لو مضى في مهمته لكان اصدر على الأقل القرار الاتهامي في مجمل التحقيقات . وتبعا لذلك فان التعرية الحقيقية التي ستتكشف مرة أخرى غدا ستطاول أولا وأخيرا شرائح من الطبقة السياسية لا تزال تمعن حتى اللحظة في تعطيل العدالة ومنعها من ان تأخذ مجراها في احقاق الحق لاكثر من 220 ضحية سقطوا في الانفجار ونحو سبعة الاف جريح ونحو ثلاثين الف متضرر في منازل وممتلكات ومؤسسات بما يعني ان تعطيل التحقيق هو التوأم الملاصق للجريمة نفسها والمكمل لاثارها الجرمية .
ولعل اللافت في هذا السياق انه بعد سقوط عدد محدود من الصوامع في اهراءات المرفأ قبل يومين لا تزال النيران مشتعلة في الأهراءات وهناك بعض التشققات في الجزء المهدّد بالسّقوط، وسط تخوف من انهيار اخر. ولفت وزير البيئة في حكومة تصريف الاعمال ناصر ياسين الى تسجيل حركة متسارعة لانحناء صوامع القمح. وفي إطار توجهه بعريضة رسمية الى مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة بهدف تشكيل لجنة تقصي حقائق دولية تعمل على مساعدة التحقيق اللبناني في جريمة انفجار المرفأ، قام وفد من “تكتل الجمهورية القوية” بزيارة السفيرة الفرنسية آن غريو وسلمها نسخة عن مذكرة التكتل التي تحمل تواقيع نوابه في المجلس وطلب دعم الدولة الفرنسية لمضمون العريضة. وسيتابع الوفد جولته على عدد من السفارات الاخرى في الايام المقبلة. ومن جانبه، علق أمين سر كتلة “اللقاء الديموقراطي” النائب هادي أبو الحسن على المناسبة قائلا “صخبٌ على مدى سنتين فيما ضحايا الإنفجار يقتلون مرتين، والجرحى يعانون ووطننا المنكوب ينزف والموقوفون بعضهم مظلوم،ٌ والحقيقة ضحية تعثر التحقيق، والكل غافل عن القاتل وعن مسببات الكارثة، نجحوا بإلهائنا عمن أدخل النيترات ولأي غرض ومن فجر المرفأ ولماذا! فإلى متى سيبقى التحقيق معلقاً”؟.
مهمة هوكشتاين
اما في الملفات السياسية، وغداة مغادرة الوسيط الاميركي في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل اموس هوكشتاين لبنان الى تل ابيب، حيث ذكر انه واصل البحث في ملف ترسيم الحدود البحرية بين الجانبين، أفيد ان الحكومة الاسرائيلية ستجتمع اليوم لمناقشة القضية. ويبدو ان عودة الوسيط الأميركي الى بيروت لن تكون بعيدة بل ربما بعد اقل من أسبوعين لنقل الجواب الإسرائيلي على الطرح اللبناني الذي نقله ردا على اقتراح إعطاء حقل قانا كاملا للبنان مقابل اعتماد خط متعرج شمال الخط 23 واقتطاع إسرائيل أجزاء من البلوك 9. اما في الداخل، فعرض رئيس الجمهورية ميشال عون مع وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بو حبيب للتطورات المحلية والإقليمية والدولية، كما تم تقييم المحادثات التي اجراها الوسيط الأميركي، والمعطيات التي توافرت حول الاتصالات التي يقوم بها لتحريك ملف المفاوضات غير المباشرة والتي يفترض ان تستكمل بترسيم الحدود.
وفي هذا السياق أعلن نائب رئيس مجلس النواب النائب الياس بو صعب، أن “غاز حقل قانا لنا ولن نتخلى عنه”، لافتا إلى أن “لبنان متمسّك ببلوكاته كما رسّمها هو وليس كما رسّمها الآخرون والخط المتعرّج غير مطروح، ولا نقبل بشراكة او تقاسم ثروات بحقل قانا والكلام الذي وصلنا أن اسرائيل ضغطت على شركة توتال الا انها اليوم متحمسة وجاهزة للتنقيب في بلوك رقم 9”. وأكد بو صعب الحرص “على التواصل ووضعت الجميع بنتائج اللقاءات والتنسيق والموقف الموحد الذي حصل بين الرؤساء لمسه الوسيط الاميركي آموس هوكشتاين”. وأوضح أن “رئيس الجمهورية ميشال عون كلفني بملف الترسيم ولكنني كنت دائما اطلع الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي على كل التفاصيل وبالتالي كان هناك تنسيق وهذا عامل قوة للمفاوضات”. وقال “يجب انجاز ملف الترسيم اليوم قبل الغد وكل يوم تأخير خسارة”. وأضاف بو صعب “حرصنا على وقف التسريبات لانجاح المفاوضات ولكن هناك من كان يعمد الى تسريب معلومات وتحليلات من نسج الخيال”، مشيرا إلى ان “الرؤساء الثلاثة لديهم اجماع حول ملف الترسيم وكل الشائعات وحملات التخوين غير صحيحة”. وشدد على أنه “مقتنع بأن هوكشتاين لديه اهتمام للوصول الى حلول منها الحاجة الى الغاز في اوروبا والاستقرار، وهناك حاجة اوروبية – اميركية للوصول الى حل بعد ازمة روسيا – اوكرانيا”. وكشف عن أن “خلال ايام سيعاد التواصل مع هوكشتاين وهو ذهب مباشرة من بيروت الى اسرائيل”.
على صعيد آخر رأس رئيس حكومة تصريف الاعمال الرئيس المكلف نجيب ميقاتي إجتماع “اللجنة الوزارية المكلفة معالجة تداعيات الأزمة المالية” ، وتقرر في خلال الاجتماع الطلب من المؤسسات العامة التي تسمح موازنتها بدفع زيادة الانتاج وفقا للآلية والشروط التي نص عليها المرسوم رقم 9754 تاريخ 28-7-2022 اتخاذ الأجراءات الآيلة الى ذلك بحسب الأصول. أما بالنسبة لباقي المؤسسات العامة، فيطلب اليها تقديم طلب الى وزارة المالية للبحث في إمكانية تأمين الاعتمادات المطلوبة لها استنادا الى دراسة مالية ترفع من خلال سلطة الوصاية. كما طلب من الأجهزة الأمنية كافة اعداد دراسة في شأن قيمة المبالغ المطلوبة لتأمين المساعدات أسوة بما حصل مع موظفي القطاع العام ورفعها الى وزارة المالية لدراستها ومناقشتها في الاجتماع المقبل للجنة .
وليس بعيدا، اقرت لجنة المال بعد اجتماعها برئاسة النائب ابراهيم كنعان 9 مواد إضافية من الموازنة بعد إعادة صياغتها من قبل وزارة المال وتسليمها اليوم بانتظار الأرقام النهائية مطلع الاسبوع المقبل لتؤمن توازناً أكبر بين الايرادات والنفقات .