عبد الكافي الصمد – سفير الشمال
تحلّ اليوم الذكرى السّنوية الثانية لانفجار مرفأ بيروت. وبالرغم من مرور سنتين على ″كارثة″ لم تعرفها بيروت ولا لبنان بهذه الضخامة من قبل، ولا بهذا الحجم من التدمير الذي أصاب البشر والحجر في العاصمة، وشكّل ضربة قاصمة لمرفئها الذي كان يُعدّ من أبرز مرافىء شرق البحر الأبيض المتوسط، فإنّ مفارقات لافتة تستحق من المرء أن يتوقف عندها.
أولى هذه المفارقات أنّ التحقيقات التي أجريت لمعرفة أسباب الإنفجار والمتورطين به ما تزال غامضة، وهناك روايات متناقضة حوله يستخدمها كلّ طرف بهدف إستخدامها في الصّراعات السّياسية الداخلية وتصفية الحسابات وتعزيز مواقع النفوذ، فضلاً عن أنّ القضاء لم يسلك طريقه نحو النهاية تمهيداً لكشف الحقيقة وفضح المتورطين ومعاقبتهم، بفعل عرقلات وتدخلات سياسية داخلية وخارجية.
ثاني هذه المفارقات أنّ الأضرار الضخمة التي لحقت بالمناطق المجاورة للمرفأ، سواء لجهة سقوط ضحايا وجرحى أولاً، أو أضرار مادية كبيرة قد وقعت بالممتلكات العامّة والخاصّة على حدّ سواء، وشلّ هذه المناطق تقريباً على جميع الصّعد بعدما بدت وكأنّ زلزالاً أصابها، كلّ ذلك لم يدفع الحكومة وأجهزة الدولة على اختلافها إلى المبادرة لإصلاح الأضرار ورفع الأنقاض وتعويض المتضررين، وكأنّ ما حصل لا يعنيها لا من قريب أو بعيد، إلى حد بدت وكأنّها إستقالت من مهامها ومسؤولياتها.
ثالث هذه المفارقات أنّه برغم خيبات الأمل لدى اللبنانيين من الحكومة وأجهزة الدولة والقضاء، فإنّ الكارثة حصلت في ظلّ أزمة إقتصادية ومالية غير مسبوقة، تعدّ الأسوأ على مستوى المنطقة والعالم، وانحدار في مستوى معيشة المواطنين الذين تكاثرت في وجههم تداعيات الأزمات، ومؤشّرات تدلّ أنّها إلى تفاقم وأنّ الأيّام المقبلة ستكون من الصعوبة بمكان مقارنة بسنوات وأزمات سابقة، فإنّ أحداً من المسؤولين، سواء كانوا أحزاباً وتيّارات وأشخاصا لم يبادروا إلى إجراء مراجعة ونقد ذاتي على الأقل، بعدما اتضح أنّ إقدام أحد منهم على الإستقالة والإنسحاب من الحياة السياسية وتقديم إعتذار ما للبنانيين بعد الإنفجار، كما يحصل في بقية دول العالم التي يحترم فيها المسؤولون أنفسهم وشعوبهم وبلادهم، غير وارد نهائياً في حسابات المسؤولين في لبنان.
وزاد فجور أهل السّلطة فجوراً أنّهم ألهوا اللبنانيين بأوضاعهم المعيشية من تأمين لقمة الخبز وحبّة الدواء والمحروقات وأقساط المدارس والجامعات لأولادهم، بدل أن يلتفتوا إلى اغتنام الفرصة لدفع سلطة فاسدة وفاشلة ومسؤولة عن أغلب كوارث البلد إلى التنحي على أقل تقدير، إذا لم يكن ممكناً سوقهم إلى العدالة والى السجون.
لكنّ السّلطة ليست وحدها من تتحمل مسؤولية ما حصل، بل إنّ اللبنانيين الذين مارسوا وما يزالون حيواتهم السّياسية على شكل قطعان طائفية، أعادوا الثّقة كاملة لأهل السّلطة السّياسية نفسها في انتخابات 15 أيّار الماضي، كما أنّهم إنقسموا في الشّارع مجموعات متفرقة خضعت لتأثير هذا الطرف السّياسي أو ذاك، أو لهذه السّفارة أو تلك، ما أضاع على اللبنانيين فرصة لا تفوّت، وستجعلهم يكتفون اليوم اليوم بالوقوف والبكاء فوق أنقاض وأطلال مرفأ وأشلاء وطن.