كتبت صحيفة “الجمهورية تقول:
مرّ الرابع من آب، ذكرى التفجير المشؤوم لمرفأ بيروت، وسحابة كثيفة من حزن تغطي الأرجاء على ضحايا أبرياء وعلامات استفهام تغطي الأرجاء تبحث عن جواب فلا تجده عن المجرمين ومن يغطي إفلاتهم من العقاب. حتى إهراءات المرفأ أرادت بالأمس أن تسقط أجزاء منها إلى الحضيض الذي يسكن فيه هؤلاء!
مرّ الرابع من آب، والشهداء في عليائهم يلعنون شياطين الأرض، الذين دفنوا الحقيقة والعدالة، بركام حقدهم، وانعدام مسؤوليتهم الإنسانية والأخلاقية امام هذه الفاجعة، وإمعانهم في قتل الشهداء مرتين في وضع السدود أمام كشف الجناة والاقتصاص منهم.
مرّ الرابع من آب، والجرحى ماضون في جلجلة الوجع والمعاناة ولا من يسأل. اما العائلات المفجوعة بأحبائها، فأخضعتها إرادة ماكرة وحاقدة، بل مجرمة، لحسرة ووجع فراق الأحباء، فيما المنكوبون في أرزاقهم ليس لهم إلّا الله، يعوض عليهم ما مُنيوا به من خسارات لجنى العمر.
بالأمس، ذرف لبنان دمعة على شهداء التفجير المشؤوم، العائلات استذكرت الآباء والأمهات والأبناء والإخوة والأخوات وكلّ الاحباء الذين ذهب الإنفجار بحياتهم، والذين نكبهم بإصابات وإعاقات تلازمهم مدى العمر. واكّدت في المسيرات إلى موقع جريمة العصر في المرفأ، أنّ هذه القضية لن تموت، وانّه لا بدّ من رفع اليد عن القضاء، ورافعةً في الإرجاء سيلاً من الاسئلة: متى سيُكشف الجناة؟ بل هل سيُكشف الجناة؟ أين وصل التحقيق؟ من يمنع استكماله؟ من يضغط على القضاء؟ هل العلّة في القضاء أم في غير القضاء؟ من استقدم النيترات؟ لمن الباخرة التي استقدمت نيترات الموت؟ من هو المجرم؟ من يتستر عليه؟ لماذا لا يُعلن عنه؟ ولماذا لا يُجاهر بالحقيقة الحقيقية، وليس الحقيقة السياسية المعطّلة للتحقيق والكامنة خلف الانفجار المروّع؟
وإلى أن تظهر الحقيقة، التي لا بدّ أن تنجلي يوماً، يبقى المتستر على الجريمة شريكاً في هذه الجريمة حتى يثبت العكس، والمعطّل للقضاء والتحقيق النزيه شريكاً في هذه الجريمة حتى يثبت العكس، والمسترخص لدماء الشهداء وكل الضحايا ولفلفة هذه القضية وتمييعها وتضييعها وإخضاعها للأهواء السياسية والحسابات الحزبية شريكاً في الجريمة حتى يثبت العكس. ومن هنا يبقى التعويل على استمرار التحقيق، ولقد صدرت سلسلة دعوات لمواصلته حتى ولو تطلّب الأمر لجنة تقصي حقائق دولية.
جناز لراحة أنفس الضحايا
وفيما أُنيرت اهراءات المرفأ بأضواء تعكس العلم اللبناني، ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عوده جنازاً لراحة أنفس ضحايا انفجار المرفأ، وألقى عظة تساءل فيها: «كيف سيقف المسؤولون أمام منبر الله وبماذا سيُجيبون؟ وكيف يواجهون أولادهم وأحفادهم عندما يسألونهم مَن فجّر بيروت ولماذا؟ بل كيف يوجّهون ضمائرهم؟ سنتان قضتا على جريمة لم يكن أحد ليقبلها لبيروت».
وقال: «المسؤولون مشغولون بأنفسهم، ومعظم أبنائنا غادروا البلد طلباً لسقف يأويهم أو سعياً وراء عمل يؤمّن لهم حياةً كريمة في بلاد تحتضنهم، والمسؤولون في الزمن البشري لا يأبهون لخير المواطنين. لذلك ندعو الجميع إلى عدم الإتكال على الرؤساء حيث لا خلاص عندهم».
وتابع: «مقترفو الجريمة ما زالوا يتمتّعون بحريتهم فيما أهل بيروت يُعانون، وسنتان ولم يتوصّل القضاء إلى كشف الحقيقة لأنّ السطوة السياسية تُعيق عمله وتمنع العدالة».
وأردف عودة: «لا نبتغي سوى أمر واحد وهو معرفة حقيقة ما جرى في مرفأ بيروت، ومعاقبة كلّ من خطط عن قصد أو ساهم عن غير قصد ومن غضّ النظر رغم علمه بخطورة المواد الموجودة». وقال: «معرفة الحقيقة لن تُرجع أيّ ضحية إلى الحياة ولن تشفي المصابين، إلّا أنّها بالتأكيد تطمئن قلوب أهالي الضحايا والمصابين، لأنّ المجرم كُشف والعدالة تحققت، وسيكون العقاب رادعاً لكلّ من تسوّل له نفسه القيام بعمل مدمّر في المستقبل».
كذلك صدرت مواقف روحية مماثلة عن البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الأنطاكي، ومفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، والمفتي الجعفري الممتاز الشيخ احمد قبلان والسيد علي فضل الله.
تضامن سياسي
بالتزامن مع المسيرات التي نُظّمت في الذكرى، بدا لبنان متضامناً مع نفسه، حيث صدرت سلسلة مواقف أجمعت كلّها على كشف الحقيقة، حيث قال رئيس الجمهورية العماد ميشال عون: «بعد عامين على فاجعة 4 آب، أشارك أهالي الضحايا والجرحى حزنهم، وعائلات الموقوفين معاناتهم. وأؤكّد لهم التزامي بإحقاق العدالة المستندة إلى حقيقة كاملة، يكشفها مسار قضائي نزيه يذهب حتى النهاية، بعيداً من أي تزوير أو استنسابية أو ظلم، لمحاسبة كل من يثبت تورّطه، لأنّ لا أحد فوق القانون».
وللمناسبة قال رئيس مجلس النواب نبيه بري: «شهداء الرابع من آب شهداء كل لبنان، هم ضحايا جريمة أصابت كل لبناني في الصميم …مجدداً ودائماً المسار الذي يوصل حتماً إلى العدالة وكشف الحقيقة تطبيق الدستور والقانون». وأضاف: «نحن اليوم جميعا بأمسّ الحاجة إلى تحمّل المسؤولية الوطنية». وختم: «الرحمة للشهداء والصبر والسلوان لذويهم ولكل لبناني، وحفظ الله لبنان».
بدوره قال رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي: «يوم حزين لن ينجلي سواده قبل معرفة الحقيقة الكاملة لترقد أرواح الضحايا بسلام وتتبلسم قلوب ذويهم». واضاف: «لن يستقيم ميزان العدالة من دون معاقبة المجرمين وتبرئة المظلومين، ولا قيامة للبنان من دون العدالة الناجزة، مهما طال الزمن».
المر: المطلب واحد
وغرّد النائب ميشال المر عبر «تويتر» قائلاً: «4 آب انفجار لن تمحو جراحه السنوات. واليوم، ما زال المطلب واحداً: تحقيق شفاف وعدالة منزهة عن أي ضغط للوصول إلى الحقيقة ومحاسبة المرتكبين، كي لا يُقتل الضحايا مراراً كل اليوم، وكي لا تكون بيروت مقبرة الحقيقة».
الجيش
وكانت لافتة تغريدة للجيش اللبناني، قال فيها: «في الذكرى الثانية لانفجار مرفأ بيروت الكارثي، عزاؤنا لأهالي الشهداء العسكريين والمدنيين، وتحية إكبار للذين بلسموا جراحهم وعادوا إلى الحياة. منهم نستلهم العزيمةَ للاستمرار، والأملَ في أن تستعيد عاصمتنا قريبًا بريقها ومكانتها»
«أمل» و«الحزب»
وفيما اكّدت حركة «امل» على تحقيق شفاف وجدّي وفق الاصول والدستور والقوانين، دعا «حزب الله» إلى تحقيق نزيه وعادل. وقال أمينه العام السيد حسن نصرالله: «التحقيق معطّل لأنّ قاضي التحقيق لا يقبل التنحّي. هناك ضباط ومسؤولون سياسيون لم يُحقق معهم، وهناك مظلومون بالسجون نتيجة المسار القضائي المتبع».
وإذ اكّد نصرالله أن لا علاقة لـ«حزب الله» بباخرة النيترات، دعا إلى إعادة فتح المسار القضائي من جديد، وأن يُحاسب المسؤول عن هذه المصيبة، قائلاً: «أوّل الطريق ووسطه وآخره هو أن يتمّ اخراج هذا الملف من التوظيف السياسي إذا أردتم أن تصلوا إلى الحقيقة». مضيفاً: «إنّ أهم مشكلة واجهتها هذه المصيبة هي التوظيف السياسي البشع منذ اليوم الأوّل للحادثة»، لافتًا إلى أنّ «اللوم يقع على الجهات السياسية والإعلامية التي خطفت هذه المصيبة ووظفتها سياسيًا منذ الساعات الأولى». وقال: «إستغلوا هذه الجراح بشكل قبيح ووقح لخدمة هدفهم السياسي ومشروعهم في مواجهة حزب الله والمقاومة».
تضامن أوروبي
في موازاة ذلك، كان لافتاً الحضور الفرنسي في هذه الذكرى، حيث برز ما قاله الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لجهة أنّ «لبنان يعيش اليوم يوم حداد وطني بعد مضي عامين على انفجار مرفأ بيروت. وأنا أتذكر ببالغ الأسى حالة الذهول التي أصابتني في آب 2020 عندما علمت بوقوع هذه الفاجعة. دفعتني كرامة اللبنانيين والشجاعة التي تحلّوا بها، مع أنّ الألم كان يملأ قلوبهم، إلى السفر إليهم بعد ذلك بيومين لأجول معهم في شوارع حي الجميزة المدمّرة. يجب إحقاق العدالة. ولقد كشفت هذه الفاجعة عن الأزمة المأساوية المتعددة الأوجه التي يعيشها لبنان. ويجب الاستجابة لتطلعات الشعب اللبناني المشروعة بإحقاق العدالة وإجراء الإصلاحات».
وتبع ذلك بيان لوزارة الخارجية الفرنسية اعلنت فيه انّه «بعد عامين على الانفجار، يتعيّن محاسبة المسؤولين، ويجب أن تكون العدالة قادرة على العمل بشفافية». واضافت: «إنّ الأمر متروك للقادة السياسيين لاتخاذ القرارات من دون تأخير، لإخراج لبنان من أزماته». وكذلك كانت تغريدة للسفيرة الفرنسية آن غريو التي قالت: «يجب أن تتمّ متابعة التحقيق بشكل مستقل وغير منحاز، من دون عوائق ومع الدعم الكامل من جانب السلطات اللبنانية. لا يمكن أن تتمّ إعادة بناء بلد وشعب من دون عدالة. للبنانيين الحقّ بالحقيقة».
وفي السياق، أكّدت بعثة الاتحاد الأوروبي في بيروت والبعثات الديبلوماسية التابعة للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في بيان مشترك، انّه «بعد انقضاء عامين، يحق للمتضررين من الانفجار بالمحاسبة. لذلك نؤكّد ضرورة متابعة التحقيق في الانفجار دون عوائق وبعيداً من التدخّل السياسي. ويجب أن يكون التحقيق نزيهًا وموثوقًا وشفافًا ومستقلًا. وينبغي أن يتوصل إلى نتائج دون مزيد من التأخير، من أجل الكشف عن أسباب المأساة ومحاسبة المسؤولين عنها».
البخاري
وفي تغريدة له، قال السفير السعودي في لبنان وليد البخاري: «كثيرونَ يؤمِنونَ بِالحقيقةِ وقليلونَ ينطِقون بها».
إرباك سياسي
سياسيًا، أبى الطاقم السياسي أن تمرّ ذكرى انفجار مرفأ بيروت، دون أن يعبّر عن مستوى التفكّك الذي يعانيه. وقالت مصادر سياسية مسؤولة لـ«الجمهورية»: «الإرباك سمة عامة، والمرحلة هي مرحلة انسداد سياسي، وانسداد حكومي كامل، والبعض يحاول أن يخرج من هذا الإرباك بالبحث عن مشاكل، وافتعال صراعات سياسية مع مفعول رجعي، رغم ادراكه أنّ هذه الصراعات لن توصله إلى مكان».
واكّدت المصادر انّها لا تتفهم اندلاع السجال بلغة شديدة الحدّة بين «التيار الوطني الحر» ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في هذا التوقيت بالذات، وسألت: «هل من يقول لنا أيّ جدوى متوخاة من هذا السجال؟ دعوا الطابق مستورًا .. وبلا كشف اوراق وفضائح».
وفي رأي المصادر، انّ البعض مستفز لأسباب عديدة، وتبعًا لذلك بات الجو السياسي محكومًا بانفعالات لا أكثر، وما يجري هو بلا أدنى شك تعبير عن عمق الخلاف بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلّف حول تأليف الحكومة. حيث يبدو انّ «التيار الوطني الحرّ» يقول بحق ميقاتي ما لا يقوله علنًا رئيس الجمهورية. وهو امر لن يوصل إلى أي نتيجة سوى إبقاء الجو السياسي متوترًا لا أكثر. وإذا كانت ثمة شعرة ما زالت تربط بين عون وميقاتي فهذا السجال قطعها نهائيًا.
السجال المتجدد
وكان يوم امس، قد شهد فصلاً عنيفًا من فصول المواجهة السياسية او بمعنى أدق، الحرب المفتوحة بين «التيار الوطني الحر» والرئيس المكلّف نجيب ميقاتي، جاء استكمالًا للسجال العنيف بينهما الاربعاء الماضي. حيث بادر التيار امس إلى اصدار بيان عبر لجنته السياسية عنيف جداً ضدّ ميقاتي، جاء فيه: «أما وقد قرّرت يا ميقاتي الإفتراء على التيّار الوطنيّ الحرّ واتهامه بالفساد فإنك قرعت الباب لتسمع الجواب. نسألك أولاً من أنت وما هو تاريخك المليء بالفساد، ومن تمثل شعبيًا وما هي إنجازاتك الوطنية لتتطاول على تيار تاريخه النضال؟ وكيف لك أنت الذي أمضيت سنينك بالصفقات والسمسرات والعمولات أن تتناول من قضى عمره في الساحات دفاعًا عن الوطن واستقلاله والدولة ومؤسساتها بمواجهة المحتلين والطامعين والفاسدين».
اضاف البيان «أنت بنيت مسيرتك السياسية على استرضاء الخارج.. أمرك عجيب يا نجيب، فأنت تتهم التيّار الوطنيّ الحرّ بالفساد فيما جعلت من الفساد نهجاً لحياتك منذ أن بدأت في لبنان خلال الحرب بالمتاجرة بالخطوط والاتصالات الدولية المشبوهة، وانتقلت بعدها إلى سوريا تستجدي نظامها لتجمع من قطاع الإتصالات فيها ثروة قبل أن تنقلب عليها، مالاً وسياسةً، فبات موقفها منك معروفاً».
وتابع البيان: «من ينسى كيف دخلت في مغارة الخليوي واستوفيت من اللبنانيين أموالاً واشتراكات وحققت أرباحاً غير مشروعة من خارج العقد، ولم تترك فرصة للاستفادة من المشاريع العامة وأنت في الوزارة أو في سدة رئاسة الحكومة، ومن موقع السلطة دخلت في القطاع المصرفي وأصبحت شريكاً في أحد أكبر المصارف، مستفيداً من هندسات ماليه وفّرت لك أموالاً من دون فائدة لتكبير حصّتك في المصرف، وأنت تعلم أنّ إسمك وارد في التحقيق المالي».
وقال البيان: «إننا أنقى من أن تطالنا. لقد طفح الكيل ولن نسمح لأمثالك أن يتطاول على تيّار سياسي وشعبي معمَّدٍ بدم الشهداء ومحصّن بشرعية الناس. أما أنت فمن أنت في السياسة، ولم تتجرأ على الترشح ولم تتمكن من إيصال أي نائب، ومن أعارك ثوب شرعّيته بتسميتك ينزعه عنك ساعة يشاء»، واستطردت اللجنة، أنّه «كيف تسمح لنفسك أن تتطاول على أكبر كتلة نيابية وتحقد عليها، فقط لأنّها رفضت أن تسمّيك لرئاسة الحكومة بعدما إختَبَرَت عجزك وعدم إقدامك لا بل جبنك لاتخاذ أي قرار لا يرضي معلّميك في الداخل، ولهثك وراء الخارج خوفاً على مصالحك».
ميقاتي يردّ
وردّ المكتب الاعلامي للرئيس ميقاتي قائلا: «تعقيبًا على البيان الّذي أصدره «التيار الوطني الحر»، نكتفي بالقول: الناس في وادٍ و»تيّار قلب الحقائق» في وادٍ، ولذلك سيكون ردّنا مقتضبًا ولمرّة أخيرة، منعًا للتّمادي في الابتزاز السّياسي وفي سجالات عقيمة، في ظلّ الأوضاع الّتي يمرّ فيها البلد عمومًا وقطاع الكهرباء خصوصًا».
وأشار في بيان، إلى أنّ «بيان «التيّار» يعكس نظر صاحبه في مرآة منزله. ولأنّنا نتّبع القاعدة المعروفة الّتي تقول إنّ الضّرب بالميّت حرام، لن نضرب في «مّيت التيّار»، مكتفين بهذا القدر، ومستلهمين بتصرّف قول الأديب سعيد تقي الدين «ما أفصح حامل العقوبات الدّوليّة» على فساد موصوف، عندما يحاضر بالعفّة والنّزاهة والاستقامة».
وردّ التيار
وردّ «التيار الوطني الحر» على بيان مكتب ميقاتي، وقال: «كنّا متأكدين أنك لن تستطيع أن تردّ أو أن تدافع عن أي من الوقائع والارقام التي تدينك بفسادك في اعمالِك داخل الدولة وخارجها، ولا أن تسمّي لنا إسماً أو شركة أو أن تورد رقماً تدين به التيار أو رئيسه. ولكن بمّا أنك لم تستطع إلّا الاستعانة بالعقوبات الاميركية التي وصفتها من خوفك بالعقوبات الدولية التي لم تخف رئيس التيار وتدفعه لقطع علاقته مع «حزب الله»، فإنّها هي ما يخيفك في مسألة قبول هبة الفيول الايرانية أو المساس بالنظام والمنظومة المالية المفروضة على لبنان وبأي من اركانها وانت واحد منهم.. صاحب المال الفاسد لا يمكن أن يكون يوماً رجل دولة».
الترسيم..غموض
من جهة ثانية، لوحظ أنّ نوبة الايجابيات التي جرى ضخّها أثناء الزيارة الاخيرة للوسيط الاميركي آموس هوكشتاين إلى بيروت مطلع الاسبوع الجاري، قد بدأت تتلاشى. حيث انّ ايًا من المعنيين الداخليين بهذا الملف يملكون جرأة تأكيد هذه الايجابيات او وجود ترجمة عملية لها في القريب العاجل، على حدّ ما أوحى الوسيط الاميركي.
وابلغت مصادر موثوقة إلى «الجمهورية» قولها: «لو كانت الايجابيات الجدّية موجودة، لا يتطلب الامر اسبوعًا او اسبوعين لترجمتها، بل ترجمتها تكون فورية في غضون ساعات وربما ايام قليلة جدًا. والمؤسف أنّ البعض في لبنان يحترف التسرّع في اطلاق التوصيفات، وقد عام على شبر تفاؤل وهمي، وأوحى بأنّ الامور المرتبطة باتفاق الترسيم قد شارفت على خواتيمها، وذلك خلافًا لحقيقة الامر التي لم يخرج فيها هذا الملف من خانة التعقيدات الاسرائيلية له، حيث لم تبدر أي إشارة جدّية لا من الوسيط الاميركي ولا من غيره، عن تغيّر جوهري في الموقف الاسرائيلي. فإسرائيل كما اعتدنا عليها، لا تعطي بلا مقابل، بل تريد أن تأخذ ولا تعطي، ولبنان لا يمكن ان يقبل بأقل من حقوقه وحدوده كاملة. ولذلك ينبغي ان يكون الجانب اللبناني واقعيًا وينتظر. فهوكشتاين قال انّه سيعود إلى بيروت، ومن الآن وإلى أن يعود، ينبغي الّا نغرق في أوهام، او نتأثر بأبر مخدّرة تعمي عن التعقيدات الاسرائيلية».
واشارت المصادر إلى ما سمّتها «وقائع اسرائيلية غير مشجعة» تعكس تناقضًا في الموقف الاسرائيلي. فمن جهة يشيّع الاعلام الاسرائيلي عن قرب التوصل إلى اتفاق مع لبنان حول ترسيم الحدود البحرية، ومن جهة ثانية تروّج مستويات اسرائيلية سياسية وعسكرية لاحتمالات مواجهة عسكرية، ومن جهة ثالثة إعلان اجتماع مجلس الوزراء الاسرائيلي المصغّر «السياسي والأمني» بأنّ الامور يمكن ان تتطور لعدم إبرام اتفاق مع لبنان بشأن ترسيم الحدود البحرية، وانّه ليس من المؤكّد إنتاج الغاز المُخطّط له في شهر ايلول المقبل في الموعد المُحدّد له، بل ربما وحدوث توترات ومعارك فعلية».
أمام هذه الوقائع تسأل المصادر الموثوقة: «هل ثمة ايجابية يمكن البناء عليها؟ ثم انّ وجهة الامور يفترض ان تتحدّد وفقًا لما وعد هوكشتاين أنّه سيحمله من اسرائيل، هذا إذا عاد إلى بيروت في غضون اسبوعين كما قال؟!».