كتبت صحيفة الأخبار تقول: لم تكُن انطلاقة الأسبوع عادية أمس مع عودة الوسيط الأميركي عاموس هوكشتين إلى تل أبيب، وفقَ ما أعلنت وسائل إعلام عبرية. إذ كشفت «القناة 12» أنّ «الوسيط الأميركي في ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة، عاموس هوكشتين، موجود في إسرائيل»، مشيرة الى «أن إسرائيل أمام سلسلة تحدّيات، أبرزها تجدّد المحادثات النووية الإيرانية والمفاوضات على خط الحدود البحرية في لبنان»، ولافتةً إلى أنّ «هذه الأمور سترفع مستوى التوتر، ولذلك نحن مقبلون على فترة حساسة».
وجدّدت عودة هوكشتين الاهتمام المحلي والإقليمي بملف ترسيم الحدود، فيما الجميع يستعدّون لخطوته التالية، وهل يعود إلى بيروت حاملاً اتفاقاً خطياً ينتظر التوقيع، أم أن «إسرائيل» تنصرف إلى اللعب في الوقت الضائع على حافة المواجهة المؤجّلة التي أكدت المقاومة على لسان أمينها العام السيد حسن نصر الله أنها حتمية فيما لو منِع لبنان من استخراج ثروته؟
في الأشهر الماضية، تحكّم بملف الترسيم ستاتيكو هشّ جعل الحركة الخاصة به محدودة الفعالية، إلى أن تدخلت المقاومة بشكل مباشر، قولاً وفعلاً، ونقلت لبنان إلى موقع آخر في التفاوض مهدّدة بمعركة استباقية لحماية كنزه النفطي، ما أعاد الزخم إلى الملف. فضلاً عن مسألتَين إضافيتَين تتصلان بالصراع: «الأولى تتعلق بتحديد لبنان، بقوة المقاومة، فترة زمنية تمتدّ حتى مطلع أيلول لتوقيع الاتفاق، والثانية اقتراب فصل الشتاء الذي يتأهب الاتحاد الأوروبي لاستقباله على وقع سيناريوات مخيفة بعدَ تقليص روسيا ضخ الغاز إلى أوروبا». ما جعل الملف من أولويات الإدارة الأميركية التي تضغط للتوقيع، إلى حدّ التدخل لدى جهات إسرائيلية ومنع استخدامه في البازار الانتخابي. كما أشارت مصادر مطلعة نقلاً عن دبلوماسيين غربيين قالوا إن الرئيس الأميركي جو بايدن أثار هذه النقطة مع القيادات الإسرائيلية، ومن بينها زعيم المعارضة بنيامين نتنياهو.
اللافت في هذا الإطار، أن المعنيين بالملف يبدون أكثر ميلاً للقول إن «الاتفاق صارَ أقرب من أيّ وقت مضى للأسباب المذكورة»، لكن «على لبنان أن يراه مكتوباً للتوقيع عليه». وأشار هؤلاء إلى تفاصيل الاتفاق التي وافقَ عليها العدو الإسرائيلي في المضمون، لكنه لا يزال يبحث عن مخرج شكلي لها. وفي هذا الإطار، أشار المعنيون إلى أن هذه التفاصيل تتضمّن اعترافاً إسرائيلياً بالخط 23 مع تعديل بسيط في إحداثيّاته، والإقرار بحقّ لبنان بالبلوك الرقم 8 كاملاً، وعدم وجود شركات تجارية مشتركة، فضلاً عن أن حقل قانا سيكون من حصة لبنان. لكن في هذه النقطة، تقول مصادر مطلعة إن «العدو الإسرائيلي لا يُمكِن أن يتنازل عن هذا الحقل من دون مقابل، فقانوناً يحتاج أيّ تنازل عن ملكية إسرائيلية (يعتبرون الحقل من حصة إسرائيل) إلى موافقة مؤسسات عدة في الكيان؛ منها رئيس الدولة ورئيس الحكومة مع ثلثي أعضائها، فضلاً عن غالبية الثلثين من أعضاء الكنيست، وهو أمر غير متوافر»، لذا «يبحثون عن مخرج يتحدث عن سيادة إسرائيل على الحقل، على أن يكون مخزونه ملكاً للبنان». ويتفرّع من هذه النقطة تفصيل آخر متعلّق بعمل الشركة التي ستُنقب في حقل قانا، فهل ستكون بحاجة إلى إخطار أم إلى إذن من العدو كلما أرادت الدخول إلى الحقل؟ وحسب المصادر، وافقَ هوكشتين نفسه خلال لقاء بعبدا على أن يكون إخطار بالعمل حتى لا تتحكم «إسرائيل» بالتنقيب داخل الحقل.
كل هذه المعطيات تعكس دفعاً لإحداث خرق في جدار ملف الترسيم، مع العدّ التنازلي للمدة الزمنية التي وضعها لبنان، فضلاً عن تطوّر جديد دخل على خط التفاوض يتمثّل في اعتراف اليونان بملكية شركة «إنيرجيان» أو جزء منها ووجود عاملين يونانيين على متنها، ما قد يضعها أمام ضغط شعبي كبير يمنعها من المخاطرة بأرواح مدنيين يونانيين من خلال العمل في بؤرة أمنية حساسة. وإذا كانَ البعض يميل إلى التفاؤل، فإنّ ذلك لا يبدّد خطر التصعيد في أي لحظة إذا لم يصِل العرض مكتوباً خلال الأسابيع القليلة المقبلة، كما لا يلغي الخلافات الداخلية المستترة حتى اللحظة، إذ لفتت المصادر إلى «وجود خلاف بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، فالأول يريد توقيع الاتفاق في قصر بعبدا بشكل منفصل، أما الثاني فيُصرّ على أن يكون التوقيع في الناقورة».