عزة الحاج حسن – المدن
ما إن أعلنت جمعية المصارف تنفيذها إضراباً، حتى بادر الموظفون والمودعون وسواهم إلى سحب رواتبهم وما يُسمح لهم بسحبه من حساباتهم المصرفية لتأمين معيشتهم، تحسّباً لتمديد إضراب المصارف، خصوصاً أن الجمعية عندما أعلنت بدء الإضراب يوم الإثنين لم تحدد له أفقاً، بل ألمحت إلى تحويله لإضراب مفتوح. قبل أن تُعلن ليل أمس الأحد الإضراب ليوم واحد فقط.
وبصرف النظر عن عدد أيام الإضراب الذي ستنفذه جمعية المصارف، فإن فعل الإضراب نفسه بدا كممارسات ميليشياوية لا تختلف كثيراً عن اعتراض أحد الأحزاب أو الزمر على قرار قضائي وإغلاقهم البلد بالسلاح. فإضراب المصارف جاء، من حيث الشكل، رداً على قرار قضائي قضى بتوقيف رئيس مجلس إدارة بنك الاعتماد المصرفي طارق خليفة، في إطار دعوى جزائية مقامة ضده. أما حقيقة الأمر، فإن قرار الإضراب اتُخذ في كواليس جمعية المصارف في سياق سلسلة محاولات تستهدف تطويع القضاء اللبناني، وثني قضاته عن التعرّض لأي من المصارف بناء على دعاوى المودعين.
لم يكن توقيف خليفة سوى الذريعة الجاهزة لتصعيد المصارف موقفها في وجه السلطتين القضائية والسياسية. فالمصارف تواجه ضغوطاً من أحكام قضائية تصدر بين الحين والآخر، عن قضاة لم تتمكن سلطة المصارف من إسكاتهم. ولم تجد المصارف سلاحاً تحارب به القضاء سوى الإضراب وإحكام الخناق على الدولة وعموم اللبنانيين. فلا اقتصاد ولا إنتاج ولا استيراد ولا تصدير ولا رواتب ولا إنفاق من دون مصارف. أما سلاح المصارف أي الإضراب، فلا يدل سوى على عجزها عن مواجهة الأحكام القضائية بالقانون.
تعمّد إشاعة القلق
مسيرة المصارف وسلوكياتها في السنتين الأخيرتين عززت القلق لدى كافة المتعاملين معها وعموم المواطنين، من إجراء مفاجئ قد تقوم به المصارف، وهي التي اعتادت اتخاذ قرارات وضوابط وفرض قيود على عملائها بشكل مفاجئ، ومن دون أي مسوغ قانوني. ناهيك عن أن الثقة بالمصارف باتت شبه معدومة. من هنا شكّل إعلان المصارف تنفيذ إضراب اليوم الإثنين 8 آب، دافعاً للمواطنين للتهافت على سحب الأموال وشراء الحاجيات خوفاً من ارتفاع سعر صرف الدولار في الأيام المقبلة. وهو ما حصل فعلياً في نهاية الأسبوع المنتهي، حين قفز سعر صرف الدولار إلى 31250 ليرة.
وعلى الرغم من أن إضراب المصارف اقتصر على يوم واحد، غير أنه سيفاقم مسألة فقدان الثقة بالقطاع المصرفي، خصوصاً أن المصارف تتعمّد ممارسة الضغط على المواطنين عن طريق تجفيف الصرافات الآلية من السيولة. وحسب معلومات “المدن”، كانت تخطط جمعية المصارف لتجفيف السوق من السيولة خلال إضرابها لثلاثة أيام، قبل أن تعود وتحصر الإضراب بيوم واحد. أما الهدف من ذلك، فيعزوه المصدر إلى محاولة جمعية المصارف استخدام المواطنين، لاسيما منهم موظفي القطاع العام بوجه الحكومة، للضغط عليها ودفعها إلى لجم القضاء، ومنعه من التعرض لأي مصرف، أقله في المرحلة الراهنة.
إضراب المصارف اليوم مهّد لها الطريق لإجراء لقاء في الأيام المقبلة مع مرجعيات قضائية، على ما تؤكد المصادر، والعمل على وضع خطوط وبنود مشتركة تجنّب المصارف ورؤساء مجالس إدارتها ومساهميها من المرور بموقف مماثل لذلك الذي طال رئيس مجلس إدارة بنك الإعتماد المصرفي.
مواجهة المصارف
الضغط المتعمّد الذي تمارسه المصارف على الجميع، لتطويع القضاء ومعه السلطة السياسية، حوّلها إلى ما يشبه المحميات الطائفية والسياسية وغيرها، وهو ما لحظه “نادي قضاة لبنان” في بيانه الموجه لجمعية المصارف وقال فيه: “كلما صدر قرار قضائي تظهر محمية جديدة، فبعد المحميات السياسية والطائفية والطبية، ها قد بانت المحمية المصرفية، محمية ترد بالإضراب على قرار قضائي، مهددة بوقف كل العمليات المالية والمصرفية لشعب بكامله، ناسفة القوانين والأصول والإجراءات الواجب اتباعها، طعناً بأي قرار”.
من جهتها نقابات المهن الحرة وصفت إضراب المصارف بالإجراء التعسفي، وأوضحت أن الإضراب الذي نفذته المصارف مخالف للقانون، وأن الأسباب المذكورة في متن القرار لا تعطي المصارف أي حق قانوني للإقفال، بل هو تعسف في استعمال الحق بالإضراب، وسوء استغلال المركز المهيمن، وعملية ابتزاز ومساومة موجهة إلى المودعين.
نعم، هي عملية ابتزاز واضحة تقوم بها المصارف بحق اللبنانيين، بهدف تطويع القضاء ولجمه عن إحقاق الحق، متجاهلة مبدأ فصل السلطات المكرس دستورياً، ومتناسية أن كرامة وسمعة كل المواطنين المودعين تداس وتضرب كل يوم على أبواب المصارف، وتهضم حقوقهم ويتبخر ما تبقى من جنى عمرهم، من دون أي إحساس بالذنب أو المسؤولية من قبلها، أو تحمل وزر الخسائر من قبل أربابها، نتيجة لسياسات متهورة وإدارة غير رشيدة. وأكثر من ذلك يصف اتحاد المهن الحرة المصارف بـ”صندوق بريد وصراف آلي تنفيذي لتعاميم حاكم مصرف لبنان، تقطيعاً للوقت، بهدف التهرب من المحاسبة، وتحميل المودع كافة الخسائر الناتجة من المخالفات والهندسات المالية والفوائد الفاحشة، التي جنتها وارتكبتها بالتكافل والتضامن مع حاكم مصرف لبنان والسياسيين الفاسدين والمفسدين”.
وحسب المعلومات فإن تراجع جمعية المصارف عن الدخول بإضراب مفتوح واقتصاره على يوم واحد فقط، إنما يعود إلى عدة عوامل، منها ما تردد على مسامع الجمعية من تهديدات برفع دعاوى قضائية بوجهها بتهمة تعطيل البلد عمداً من خلال تنفيذ إضراب من دون وجه حق وأخذ المواطنين رهينة، والتدخل بالسلطة القضائية.