يتحدث العلماء بمنتهى الصراحة: ينبغي لنا أن ندرس إمكانية انقراض البشرية بالكامل جراء أزمة المناخ.
في أعقاب تحذير متشائم بنحو صاعق مفاده بأن البشر لا بد وأن يستعدوا “لآخر فصول النهاية المناخية”، بعد فشلهم في اكتشاف ما تجلبه أزمة المناخ كما ينبغي، يتكاتف علماء من مؤسسات رائدة سعياً إلى الحصول على الدعم لما قد يشكل تغييراً جوهرياً في المسار الذي يتعين علينا أن نتبناه لناحية نظرتنا إلى الانهيار البيئي العالمي الناجم عن النشاط البشري.
وبالدعوة إلى إصدار تقرير جديد من الهيئة الحكومية الدولية التابعة للأمم المتحدة والمعنية بتغير المناخ بشأن “التغير المناخي الكارثي”، يأمل العلماء في أن يؤدي توضيح هول ما هو قادم إلى تحفيز الاستجابة العالمية للأزمة، وهي استجابة تكاد تكون معدومة في الوقت الحالي.
ففي حديثه لـ”اندبندنت”، قال الدكتور لوك كيمب من مركز دراسة المخاطر الوجودية بجامعة كامبريدج، وهو المؤلف الرئيس للبحث، إن أزمة المناخ لم تكن عاملاً فاعلاً في جميع أحداث الانقراض الجماعي المعروفة التي شهدها العالم فحسب، بل لعبت أيضاً دوراً حاسماً في انهيار عديد من المجتمعات البشرية.
وأضاف “نحن نعلم أن تغير المناخ على المدى الطويل قادر على التسبب في الانقراض الجماعي. كما أننا نعلم بأنه من الممكن أن يصل تركيز الغازات الدفيئة مع نهاية القرن إلى مستويات تتسق مع حالات بدء اﻻنقراض الجماعي في الماضي”، مؤكداً أن تغير المناخ لديه الإمكانية لمحو معظم الغلاف الحيوي للأرض وتغيير مسار الحياة.
وقال كيمب إن الانقراض الجماعي في الماضي كان نتيجة حدوث تغيرات مناخية أفضت إلى ما يسمى بعملية نقص الأكسجة في المحيطات، على اعتبار أن المياه الدافئة تحوي على أكسجين أقل، وبالتالي نمو ما يسمى بـ”المناطق الميتة” التي يمكن أن تتوسع، وتؤدي إلى موت أعداد هائلة من الأنواع الحية.
غير أن أزمة المناخ اليوم تحدث بشكل أقسى وبوتيرة أسرع من أي تغير مناخي عالمي سابق.
وبحسب الدكتور كيمب، فإن “ما يقلق أكثر هو الذي لا نعرف عنه بعد”، مضيفاً “تغير المناخ الحالي غير مسبوق جيولوجياً، فهو أسرع من التغيرات التي انطوت عليها حالات الانقراض الجماعي السابقة”.
وأشار “وقائع الانقراض الجماعي هي بالفعل أحداث تقع عند مستويات متقدمة جداً من التغير المناخي، ومن المرجح أن يكون تغير المناخ خطراً كارثياً عالمياً على البشر قبل أن يصل إلى مستويات الانقراض الجماعي”.
ويوافقه في هذا الرأي البروفيسور تيم لينتون من جامعة إكستر، وهو مؤلف مشارك في الدراسة.
وعند سؤاله عما إذا كان فشل الحكومات في اتخاذ الإجراء المطلوب بشأن أزمة المناخ يضعنا على الطريق نحو عدم الاستقرار الكبير في المستقبل القريب، قال “نعم وأعتقد أن المخاطر ستكون من النوع الذي يتوالى بعضه وراء بعض”.
وأضاف “نحن نعاني بالفعل من موجات حر وحرائق لم يسبق لها مثيل. لقد تسببت الحرائق في أوروبا الأسبوع الماضي بالفعل في دفع الناس إلى الانتقال للابتعاد عنها”.
وأكمل “السياسات الحالية على مستوى العالم تقودنا إلى عالم بحرارة أعلى بثلاث درجات مئوية تقريباً، الذي قد يعني تحرك وانتقال المليارات من البشر. وللأسف، فنحن نعلم بحقيقة أن انتقال البشر على نطاق واسع لا يلقى الترحيب في أنحاء كثيرة من العالم، لا بل إنه كثيراً ما يتسبب بنشوب النزاعات”.
وقال الدكتور كيمب إن من بين الأمثلة على الانهيار المجتمعي والأزمات في الماضي التي تحمل بصمات الأزمة المناخية، اندثار حضارة المايا في الأراضي المنخفضة وسقوط الإمبراطورية الرومانية الغربية وانهيارات العصري البرونزي المتأخر التي شملت سقوط الإمبراطورية اليونانية الميسينية والإمبراطورية الحثية.
وأضاف “يبدو أن تأثيرات من قبيل الجفاف والهجرة أفضت إلى سلسلة من الآثار الكارثية في النظام العالمي للعصر البرونزي المتأخر”، مشيراً “لقد أدى ذلك إلى زعزعة استقرار النظام التجاري ومن الوارد أنه حفز على الحرب والتمرد وتراجع إيرادات الدول”.
وأكمل “كما هو الحال في العالم الحديث، كان العصر البرونزي في منطقة البحر المتوسط منظومة من الدول التي ارتبطت ببعضها ارتباطاً شديداً من خلال التجارة والسياسة. كما أنه كان أيضاً عالماً غير متكافئ، وقد أتاح هذا الترابط للآثار المناخية أن تتحول إلى انهيار منهجي”.
في الوقت الذي أكد فيه الدكتور كيمب أن كل حالة من الحالات الفردية لها تعقيداتها وأن الجفاف المتزايد والتغيرات في درجات الحرارة “لا تؤدي تلقائياً إلى انهيار مجتمعي”، إلا أنه حذر من أن “العبرة هي أن المجتمعات الهشة أصلاً يمكن أن تتضرر بشدة بل وتنقلب رأساً على عقب بسبب التقلبات المناخية”.
وأضاف قائلاً “إن الجانب الأكثر رعباً هو أن التقلبات المناخية السابقة كانت طبيعية ومتواضعة إلى حد كبير. أما الآن فنحن نواجه تغيرات مناخية سريعة ومنتشرة وحادة يتسبب بها الإنسان، والخطر أدهى بكثير مما كان على المجتمعات البشرية التعامل معه في السابق”.
وتحدث الدكتور كيمب عن الدعوة إلى استكشاف أكبر للتهديدات التي نواجهها، فقال إن الحملات السابقة التي سلطت الضوء على المخاطر الفتاكة للحرب النووية قد ساعدت في حشد الدعم لنزع السلاح النووي، وفي حالة أزمة المناخ يمكن أن تساعد مجتمعاتنا في الاستعداد والتخطيط بشكل أفضل لكيفية الاستجابة.
ولفت “إن فهم أسوأ الحالات الممكن حدوثها يمكن أن يحث على العمل في النطاق العام”، مضيفاً “فالبحث في نهايات التغير المناخي ليس عملاً من أعمال الإقناع وإثبات الرأي، إنما هي إدارة مخاطر عقلانية”.
وختم بالقول “فهم المخاطر المناخية الشديدة يمكن أن يساعد على إتقائها وبناء القدرة على الصمود في مواجهتها. وإن فهم كارثة المناخ يُعد ضرورياً لإجراء مناقشات ديمقراطية مستنيرة تماماً، بما في ذلك الاستجابة لحالات الطوارئ”.
Follow Us:
اندبندنت