الجمعة, نوفمبر 22
Banner

أفواج الإطفاء البريطانية “لن تتمكن من الاستجابة لجميع النداءات”

نبّهت أفواج الإطفاء في المملكة المتّحدة إلى أنها لن تكون قادرةً على الاستجابة لجميع النداءات التي تتلقّاها، لأن موجة الحرّ القاتلة الثانية التي تضرب بريطانيا بعد مرور أسابيع قليلة من الأولى، ستزيد الضغط على عمليّاتها التي وصلت أساساً إلى “وضع حرج”.

وأكّد كبار الموظّفين من فرق الإطفاء في مختلف أنحاء البلاد لصحيفة “اندبندنت”، أن فرق العمل غير مجهّزةٍ على النحو المناسب للاستجابة لكمية الحوادث المرتبطة بارتفاع الحرارة الناجم عن أزمة تغيّر المناخ، من جرّاء الطلب غير المسبوق من جهة، والشحّ المتزايد في مواردها من جهةٍ أخرى”.

وأعربوا في المقابل عن قلقهم من أن يعوق الجفاف قدرات الفرق على التعامل مع حرائق الغابات والتصدّي لها، إذا لن يكون في مقدورها استخدام مياه البحيرات والبرك.

وكان “مكتب الأرصاد الجوّية” البريطاني قد حذر من ارتفاع شديدٍ لدرجات الحرارة لمدة 4 أيام، إضافةً إلى تحذيرٍ “استثنائي” من مدى خطورة الحرائق في حال نشوبها.

وتأتي الموجة الحارّة الجديدة بعد مرور أسابيع فقط على اندلاع موجة حرّ شديدة حطّمت الأرقام القياسية في 19 يوليو (تموز) الفائت، وتسبّبت بتدمير عشرات المنازل بفعل حرائق الغابات، ما اضطر عمدة لندن صادق خان إلى وصف ذلك اليوم بأنه الأكثر ازدحاماً في تاريخ خدمات الإطفاء منذ الحرب العالمية الثانية.

ريكاردو لا توري من “اتّحاد فرق الإطفاء”، (يمثل غالبية رجال الإطفاء في إنجلترا واسكتلندا وويلز وإيرلندا الشمالية)، أكّد أن طواقم العمل لم تتمكّن من الاستجابة لجميع الطلبات التي تلقّتها في شهر يوليو (تموز)، مؤكّداً “اقتناعه” بأن الصورة ستكون هي نفسها بالنسبة إلى موجة الحرّ الراهنة. وقال: “سنواجه حتماً الظروف نفسها، بالموارد المتهالكة نفسها التي لدينا”.

وأضاف لا توري: “لا أعتقد أنه يمكن لمجتمعنا بعد الآن أن يتوقّع من أفواج الإطفاء جاهزيةً تامّة للتصدّي للحوادث المعتادة، والتعامل مع الظروف الطارئة كتلك التي نواجهها في الوقت الراهن”.

ولفت إلى أن عدد القوى العاملة في أفواج الإطفاء تراجع بنحو 11 ألف عنصر، مقارنةً بالعام 2010. وقال: “لا يمكن أن تتناقص القوّى العاملة بنحو الخمس، وأن يستمرّ التوقّع بأنها ستتعامل مع هذا الكمّ الهائل من الأعباء التي تفرضها الظروف الراهنة، ناهيك بالضغوط المتزايدة الناجمة عن أزمة المناخ”.

وأشار لا توري من ناحيةٍ ثانية، إلى أن ظروف الجفاف تشكّل هي الأخرى “عقبةً إضافية” أمام طواقم الإطفاء، إذا لم تعد الفرق قادرةً على استخدام مياه البحيرات والبرك التي باتت مستنفدة. وأوضح أنه “في حال غياب مثل هذه الموارد، أو أن مياهها لم تكن عميقةً بما يكفي للتمكّن من سحبها، فسيؤثّر ذلك بالطبع في مخزوننا من المياه لإطفاء الحرائق”.

وأكد أن “جميع هذه العوائق بلغت ذروتها. وقد شاهدنا جميعاً انهيار تلك الموارد في الأسابيع القليلة الماضية. إنها نقطة أزمة، ومصطلح أزمة لا يُستخدم باستخفاف”.

يُشار إلى أن ظاهرة الاحتباس الحراري تزيد من وتيرة موجات الحرّ ونوبات الجفاف في المملكة المتّحدة، الأمر الذي يسهم في تهيئة الظروف الملائمة لاندلاع حرائق الغابات.

وقد تجاوز عدد حرائق الغابات في كلٍّ من إنجلترا وويلز حتى الآن المعدّل الإجمالي الذي شهده العام السابق، وذلك حتى شهر مايو (أيار) من هذه السنة فقط. وترى فرق الإطفاء، مع استفحال أزمة المناخ، أنها في حاجةٍ لمزيدٍ من الموارد والتمويل كي تتمكّن من التصدّي للحرائق.

آندي إليوت مستشار التخطيط التكتيكي لمواجهة حرائق الغابات في “خدمة الإطفاء والإنقاذ في دورسيت وويلتشير” وهي منطقة معرّضة لاندلاع نحو 107 حرائق غابات سنوياً في معدّل وسطي وفقاً لمجلسها المحلّي – أكد لصحيفة “اندبندنت” أن الزيادة الراهنة في عدد الحرائق ستجعل طواقم الإطفاء في حال من العجز عن تلبية جميع النداءات التي تتلقّاها.

وقال “إن جميع عناصر الإطفاء يبذلون الآن أقصى جهودهم… ما يعني أنه قد يحدث ألا يكونون قادرين على الاستجابة لبعض النداءات، أو قد يعمدون إلى إرجائها والتعامل معها في وقتٍ لاحق”.

وأوضح أنه ” في الوقت الراهن ومع ارتفاع درجات الحرارة وفترات الجفاف، سيتزايد عدد الحرائق الميدانية واندلاع حرائق الأعشاب، التي يهبّ رجال الإطفاء للتصدّي لها طوال الوقت، حتى أنهم لا يحصلون على برهةٍ من الراحة لالتقاط أنفاسهم”.

وعاد ليكرّر أن هذا يعني أن بعض النداءات لن يتمّ الردّ عليها أو ستُجرى معالجتها في وقتٍ لاحق، لأن الأولوية ستُعطى للحوادث المهدّدة للأرواح والممتلكات. فعلى سبيل المثال، إذا انطلق جهاز إنذار الحرائق في أحد المنازل، قد تُضطر خدمة الإطفاء إلى مطالبة المتّصل بإجراء تدقيقٍ بصري ومعاودة الاتّصال بها إذا تأكّد له أن هناك حريقاً.

ولفت إليوت إلى “إنه يتعيّن القيام بعملية صعبة لتحديد الأولويات، لأن أطقم العمل باتت في حال إجهاد وهي منهكة للغاية”.

وأضاف أن خدمات الإطفاء تخشى أن يكون تأثير موجة الحرّ هذه أسوأ لجهة حرائق الغابات، مقارنةً بشهر يوليو (تموز)، لأنها تأتي بعد أشهر من هطول أمطارٍ خفيفة متفرّقة، تسببت بمستوياتٍ عالية من الجفاف الشديد. ومن المتوقّع أيضاً أن يستمرّ الطقس الحار هذا الأسبوع لفترةٍ أطول، مع هبوب رياح من مناطق الشرق الدافئة والجافّة.

ونبّه إلى أن “الجفاف سيضرب أطنابه ما لم تهطل أمطار. فكلّما قلّت الرطوبة في تربة النباتات، كان من الأسهل اشتعالها، بالتالي إن عدداً قليلاً من الجمرات والشرارات يكفي لإشعال حرائق”.

أما التحدّي الآخر الذي تشكّله أزمة المناخ، وفقاً لجاستين جونستون كبير مسؤولي الإطفاء في مقاطعة لانكاشير شمال غربي إنجلترا، فيتمثّل في عدد فرق الإطفاء التي تكون منشغلةً خلال فترة الطقس القاسي.

وأوضح جونستون الذي يتولّى أيضاً منصب نائب رئيس “المجلس الوطني لرؤساء الإطفاء”، أنه “عند نشوء حادث عادي في مقاطعتك، فإن المقاطعات المحاذية تهبّ لتقديم المساعدة إذا ما تطلّب الأمر”.

وأضاف: “لكن جميعنا باتت لدينا أحداثٌ متواترة متعلّقة بتغيّر المناخ في الوقت نفسه. بالتالي لا يتسنّى لنا دوماً الحصول على الدعم اللازم من الفرق الأخرى”.

مارك هاردينغهام، رئيس “المجلس الوطني لرؤساء الإطفاء” لفت من جهته إلى أن “خدمات الإطفاء، شأنها شأن سائر خدمات الطوارئ الأخرى، ستعمد إلى تحويل مواردها حيثما كان ذلك ضرورياً، لضمان وصول عناصر الإطفاء إلى الأمكنة التي تكون في أمسّ الحاجة للدعم، وإعطاء الأولوية للأحداث التي يكون فيها خطرٌ لجهة خسارة أرواح أو ممتلكات”.

ورأى أن “ذلك قد يؤدّي إلى تغيير موقّت للمدّة التي يستغرقها الطاقم في الاستجابة للنداءات الأقل خطورة وتهديداً لحياة الناس، لكن ما لا شكّ فيه هو أنه سيتم حتماً الردّ عليها والتعامل معها”.

وأشار في المقابل إلى أنه “في حين أن من المحتمل أن نشهد مزيداً من حرائق الغابات بسبب الظروف الراهنة، فمن المستحيل التأكيد أن ذلك سيكون أكثر ممّا شهدته البلاد في ظلّ درجات الحرارة التي وصلت إلى 40 مئوية”.

وختم بالقول إن “الخطر الأكبر الذي يداهمنا في الوقت الراهن، هو مزيجٌ من ارتفاع درجات الحرارة وسرعة الرياح، ما سيُسهم في انتشار الحرائق، ويجعل من الصعب إدارة الحوادث وإخماد النيران”.

Leave A Reply