غسان ريفي – سفير الشمال
بات واضحا أن البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي لم يستجب للدعوات التي وجهت إليه لدعوة الأقطاب الموارنة الى إجتماع في بكركي للبحث في الملف الرئاسي، ربما إنطلاقا من الحديث الشريف: “أن المؤمن لا يُلدغ من جحر مرتين”، وهو أي البطريرك لُدغ من هذا الجحر في المرة الأولى عندما دعا في العام 2016 وقبيل إنتخاب رئيس الجمهورية هؤلاء الأقطاب وكانت النتيجة المزيد من التشرذم.
لم تعد بكركي بعد المآسي والأزمات التي شهدها لبنان في عهد الرئيس ميشال عون تؤمن بأن وصول الرجل القوي في طائفته يجدي نفعا أو يساهم في عملية الانقاذ، في حين أن المواصفات التي يتمسك بها البطريرك الراعي لا تنطبق على أي من المرشحين لا سيما أولئك الذين يعتبرون أنفسهم “طبيعيين”.
ربما كان الأجرأ بين المرشحين، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية الذي تعامل مع موقع الرئاسة بكثير من الاحترام، فأعلن صراحة أنه مرشح لرئاسة الجمهورية وبدأ بجولاته السياسية لطرح رؤيته وبرنامجه من ضمن الحملة الانتخابية المشروعة، خصوصا أن فرنجية ينطلق من “أرضية أكثرية” تمتلكها قوى 8 آذار وحلفائها وربما لا تحتاج سوى الى سد بعض الثغرات فيها للوصول الى قصر بعبدا، وإن كانت الأمور ما تزال في طور النقاش بينه وبين الحلفاء، ومن المبكر الحسم في إمكانية نجاح مساعيه، خصوصا في ظل معارضة من يمكن أن يشكلوا بيضة القبان في إنتخابه.
في المقابل، يتنافس رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع على شاشات التلفزة في طرح مواصفات الرئيس المقبل، حيث يجهد كل منهما في التسويق للمواصفات التي تنطبق عليه ويعمل كل منهما على “شدّ اللحاف لصوّبو”، في عملية تذاكي مفضوحة على اللبنانيين، في حين يدرك الاثنان معا بأن حظوظهما تكاد تكون معدومة في سلوك طريق بعبدا، خصوصا أن باسيل الذي يحصد ما زرعه خلال سنوات ست عجاف لم يعد لديه حليف في مجلس النواب، حتى حليفه الوحيد حزب الله لم يُفصح بعد عن موقفه، في حين تشير الأجواء الى أنه يرغب بدعم سليمان فرنجية، في حين أن كلا من حركة أمل، والحزب التقدمي الاشتراكي القوات اللبنانية وقدامى المستقبل والنواب السياديين والتغييرين والمستقلين يرفضون رفضا قاطعا مجرد الحديث في إمكانية التصويت لباسيل الذي يحاول الالتفاف على هذا الرفض بأساليب وطرق أخرى لكن حتى الآن كان مصيرها الفشل.
أما سمير جعجع فليس أفضل حالا من باسيل، وهو الذي يدأب على طرح مقولة المرشح الطبيعي، مع تقديم المواصفات التي تنطبق عليه، لكن رئيس القوات أخفق أكثر من مرة في إستقطاب ما تبقى من قوى 14 آذار والنواب السياديين حيث أصيب بسلسلة خيبات جراء الفشل في الوصول الى قواسم مشتركة بينهم وبين طروحات القوات، أما النواب التغييريين الـ13 فيعتبرونه واحدا من أركان المنظومة التي أوصلت البلاد الى الانهيار الكامل، ما يعني أن جعجع لا يمتلك سوى أصوات نواب القوات التي لا تسمن ولا تغني من رئاسة، فيما كل الكتل النيابية الأخرى تقف ضده وبشراسة.
أمام هذا الواقع يبدو أن حصول الانتخابات الرئاسية في المهلة الدستورية أمرا صعبا، إلا إذا نجحت قوى 8 آذار في تأمين الأكثرية لفرنجية وفقا لمعادلة الرقم الذهبي (65) الذي حصل عليه الرئيس نبيه بري، وهذا ليس مستبعدا لكنه سيصطدم حتما بعقبة النصاب الذي يتطلب الثلثين، أو ربما تفرض ظروف المنطقة التوافق على رئيس يكون على مسافة واحدة من الجميع وقادرا على حماية البلاد والحفاظ على إستقرارها والمضي في مسيرة الانقاذ، أو ربما تصل البلاد الى الفراغ وما قد يحمله ذلك من أزمات، وعندها سيكون لبنان أمام رئيس للجمهورية تفرضه التسوية.