وسط مخاوف من الدخول في فراغ رئاسي، يواجه لبنان أزمات اقتصادية وسياسية كثيرة، دفعت شريحة كبيرة من العاملين للدخول في إضرابات، آخرها إعلان 350 قاضيا التوقف عن العمل بشكل تام، وذلك بعد شهرين من إضراب القطاع العام بشكل شبه كامل.
نفذ الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان (ENASOL)، واللقاء التشاوري النقابي الشعبي ولجنة الدفاع عن المستأجرين القدامى اعتصاما، أمس الخميس في شارع الحمراء، وذلك تحت عنوان “رفضا للإفقار والتجويع لشعب بأكمله ورفضا لرفع الدعم وللسياسات التي تمارسها حكومة صندوق النقد الدولي وإملاءاته وشروطه على وطننا وشعبنا”.
وطرح البعض تساؤلات حول أزمات لبنان المتفاقمة، ومدى مساهمتها في تعطيل الاستحقاقات التشريعية المنتظرة، من تشكيل الحكومة الجديدة ومن بعدها انتخاب رئيس الجمهورية.
عصيان مدني
اعتبر المحلل السياسي اللبناني ميخائيل عوض، أن إضراب القضاة واستمرار شلل القطاع العام، هو دليل وتعبير عن عمق وعنف الأزمة الاجتماعية والاقتصادية التي طالت كل شيء في لبنان، وما يحدث أقرب إلى العصيان المدني الاضطراري، بعد أن باتت الرواتب لم تعد تعطي تكاليف ذهاب الموظفين لأعمالهم.
وبحسب حديثه لـ “سبوتنيك”، من المنطقي أن تصبح هذه الإضرابات والاحتجاجات دافعًا وحافزًا قويًا للسلطة السياسية الحاكمة في لبنان، لاستعجال الاستحقاقات الدستورية المطلوبة، وتأمينها وضمان إتمامها في موعدها لتلطيف الأزمة، والحد من تداعياتها الخطيرة.
وتابع: “في لبنان يبدو أن المنظومة السياسية لا تلتفت لهذه المعطيات، ولا تشغل بالها بالشؤون والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، وكل ما يهمها الآن هو تحصيل المزيد من الفرص، وزيادة معدلات النهب، وإرضاء الممولين الأمريكيين”.
ويعتقد عوض أن في لبنان تحديدا ليس مضمونا أن عنف وعمق الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية واضطرار الموظفين للانكفاء على أعمالهم، أن يستعجل الطبقة الحاكمة ويدفعهم لإنجاز الاستحقاقات المطلوبة.
وضع كارثي
بدوره قال أسامة وهبي، الناشط المدني والسياسي اللبناني، إن إضراب القضاة جاء متأخرا، في حين كل مؤسسات الدولة وموظفيها البالغ عددهم أكثر من 300 ألف موظف دخلوا في إضراب مفتوح منذ شهرين، والدولة في حالة انحلال كامل، لا سيما في ظل وجود العديد من الاستحقاقات المهمة.
وبحسب حديثه لـ”سبوتنيك”، في حالة بقى الوضع على ما هو عليه، وظل الفراغ والتصادم والصراع السياسي، لن يتمكن لبنان من إجراء أي من تلك الاستحقاقات، وبعدها قد يدخل في الانهيار الشامل، دون وجود أي أفق حقيقي للحل.
وأوضح أن كل ما هو مطلوب من الطبقة السياسية في لبنان عجزت عن تنفيذه، سواء الإصلاحات التي يطلبها الشارع اللبناني، أو تلك المفروضة من صندوق النقد الدولي، أو تشكيل الحكومة الجديدة، أو انتخاب رئيس جمهورية، كل ذلك في حكم المعطل، وهذا التعطيل متعمد ومتبادل من قبل الأطراف المتصارعة في السلطة.
وتابع: “نحن ذاهبون باتجاه أيام وأشهر خطيرة جدا، قد ندخل في نفق مظلم، العديد من الاستحقاقات التي تتطلب وجود سلطة حقيقية وقادرة ومتمكنة من إدارة هذه الملفات، نحن اليوم ذاهبون في الاتجاه المعاكس، السلطة الفاشلة كلها لا تزال متمسكة بالحكم، الانتخابات النيابية أفرزت تقريبًا نفس القوى السياسية الفاشلة التي أوصلت البلاد لهذا الدرك، باستثناء 13 نائبًا استطاعوا اختراق المنظومة من قوى 17 تشرين وبعض المعارضة التي لم تستطع حتى اليوم تشكيل برنامجا موحدا أو ترشيح اسما لرئاسة الجمهورية”.
ويرى وهبي أن لبنان في حالة انهيار شاملة، وسط اسنداد الأفق، ما يشي بسيناريوهات خطيرة في الخريف القادم، لا سيما في ظل إعلان الرئيس ميشال عون عدم تسليم السلطة لحكومة تصريف أعمال، وأنه باق في قصر بعبدا، وهذا يزيد الأمور تعقيدًا، ويعد اغتصابًا للسلطة والخروج من هذا النفق يصبح أكثر تعقيدًا وضررًا على الوضع العام في لبنان.
وتوقف القضاة في لبنان عن العمل جاء على خلفية رفضهم توقف مصرف لبنان عن سداد رواتبهم على سعر صرف ثمانية الآف ليرة كما حصل في شهر يوليو/تموز الماضي، مع تجميد مصرف لبنان العمل بالتعميم الصادر في هذا الخصوص نتيجة اعتراض عدد كبير من القطاعات العاملة في القضاء.
ويأتي إعلان القضاة في وقت ينفذ فيه موظفو القطاع العام إضرابًا طويلًا، قال عنه وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية هيكتور الحجار، أنه يحدث شللا عاما في الدولة اللبنانية.
يذكر أن لبنان سجل المرتبة الأولى عالمياً على مؤشر البنك الدولي لتضخم أسعار الغذاء التي جعلت 19% من سكانه يواجهون نقصاً في الغذاء.
ويرتبط تضخم الأسعار الكبير بتدهور سعر صرف الليرة المحلية مقابل الدولار الأمريكي، بفعل الأزمة الاقتصادية التي صنفت بأشد الأزمات التي مرت على لبنان خلال القرن الماضي وذلك بالإضافة إلى الأزمات العالمية.
Follow Us:
سبوتنيك