لينا الحصري زيلع – اللواء
في الوقت الذي يرتفع فيه منسوب السجالات وتقاذف مسؤولية انهيار البلد من خلال التصعيد السياسي والمماطلة في تشكيل حكومة، برز على الساحة ملف اجتماعي متفجر وهو رفع سعر الدولار الجمركي ليزيد الأزمات تفاقمًا في ظل فلتان جديد لسعر الدولار وقفزات غير مسبوقة للأسعار لا سيما للمواد التي تعتبر أساسية في حياة الناس، مما قد يؤدي الى تفاقم الأزمة الاقتصادية ويرتب آثاراً اجتماعية خطيرة جداً، في ظل الصمت المريب والمخيف للحكومة المستقيلة والعاجزة عن ابتداع الحلول ومعالجة الخلل رغم انها مدعوة لتفعيل عملها من خلال كافة الوزارات المعنية والأجهزة الرقابية للجم هذا التدهور الذي قد يؤدي الى فلتان أمني واجتماعي كبير.
وفي هذا الإطار كان اللافت تقاذف المسؤولين لكرة نار الدولار الجمركي والذي يبدو ان مصيره لن يكون أفضل من مصير التعقيدات التي أصابت الملفات المالية الاقتصادية والمشاريع الإصلاحية، وحول هذا الموضوع تكشف مصادر الرئيس نجيب ميقاتي لـ«اللواء» بأن الملف كان مدار تشاور منذ أشهر بين كافة المعنيين، وتم الاتفاق على أن يقول المجلس النيابي بأن هذا الأمر ليس من صلاحيته بل هو مناط بالحكومة، وتؤكد انه وقبل اتخاذ القرار تم التشاور مع كافة المرجعيات ولكن عند تسليم القرار أي الكتاب الذي أرسل الى وزير المالية برزت محاولة لإثارة الغبار في هذه المسألة، في الوقت ان كل المعنيين يعلمون انه لا يمكن أن تستمر الدولة من دون رفع الدولار الجمركي لأن هناك مواد يجب أن يرفع عليها السعر لأنه ليس من المنطق أن تبقى على ما هي عليه.
وتلفت المصادر الى ان هناك متطلبات كثيرة تُطلب من الخزينة العامة، التي لا تملك موارد لتأمينها، لذلك فان هذه المسألة مناطة بوزير المالية كما تقول المصادر، مشيرة الى ان هناك حديثا بأنه في حال رفض وزير المالية اتخاذ القرار يتم تقديم اقتراح في المجلس النيابي، معتبرة ان المسؤولية هي مشتركة بين كل المعنيين في الدولة من حكومة ومجلس نيابي باعتبار ان الملف يخص البلد، وبالتالي يجب الوصول الى حل لأنه في حال عدم الوصول الى مخرج لا يمكن تحميل رئيس الحكومة وحده هذا الأمر وفي النهاية هو ينظر الى الواردات والمصاريف ومن واجباته مراجعة هذا الأمر.
وتصرّ مصادر رئيس الحكومة التأكيد بأن الجميع كان في أجواء قرار رفع سعر الدولار الجمركي وتستغرب التنصل منه، وتنقل عن ميقاتي بأن لا مانع لديه بإتخاذ أي قرار يتم التوافق عليه، ولكنه يؤكد انه لا يمكن أن يتم السير على هذا النمط وإعطاء زيادات على الرواتب للقطاع العام دون إيجاد إيرادات لتغطيتها.
وتؤكد المصادر ان الرئيس ميقاتي غير متمسك بأي رقم محدد لرفع سعر الدولار الجمركي وهو منفتح على كل القرارات، لكنه يعتبر ان الأولوية هي تأمين إيرادات للخزينة.
من ناحيته يقول رئيس غرفة التجارة والصناعة في طرابلس والشمال توفيق دبوسي لـ«اللواء» بانه لا يمكننا النظر الى الأقلية الميسورة في البلد والتي قد لا تتأثر برفع سعر الدولار الجمركي، ولكن هناك أكثرية أصبحت تعاني من ظروف أقل من عادية بسبب التدهور الاقتصادي الحاصل، لذلك ليس من المعقول رفع الدولار الجمركي من 1500 ليرة الى 20 ألف دفعة واحدة، خصوصا بالنسبة الى الفئة التي لا تزال تقبض رواتبها على سعر 1500 ليرة للدولار ان كان في القطاع الخاص أو في القطاع العام ، لأنه من غير المقبول ان تكون الزيادة عليهم بحدود 14 مرة للسلعة التي يريدون شرائها مما قد يؤدي الى خلل كبير بين المدخول والمصروف.
ويؤكد دبوسي الى انه في حال اتخاذ إجراءات اعتباطية وغير مدروسة سيكون لها انعكاسات سيئة على كافة الأصعدة دون استثناء والتي قد تنسحب على الأوضاع الأمنية بحيث ستكون الاضرار كبيرة جدا، ويشدد على وجوب دراسة أي ملف بتأن يمكن أن يحمل أعباء على المواطنين، داعيا الى ضرورة العمل لوضع خطة استراتيجية متوازنة بين المدخول والمصروف بالتوازي مع إقامة مشاريع استثمارية جديدة يمكنها تحقيق انتاج للناس والمجتمع وللخزينة اللبنانية معا، ولا يجب أن يكون التركيز فقط بتحميل أعباء على المواطن أكثر من طاقته لأننا نكون نعمل على تدميره وتدمير الخزينة والبلد في آن معا.
ويشير دبوسي الى انه علينا عدم وضع رقم محدد لما نحتاجه من واردات ولا يمكن ان تكون المقاربة على المبلغ الذي نحتاج الى صرفه ونقرر ان المدخول يجب أن يبلغ كمية الصرف لأنه سينتج عنه انعكاسات سلبية على جميع الناس.
ويؤكد رئيس غرفة التجارة والصناعة في طرابلس ان ملف زيادة الدولار الجمركي لا يمكن السير به إلا في حال كانت هناك خطة استراتيجية شاملة لان مقاربة المشاكل «بالقطعة» غير مفيدة ومن غير المنطقي تحميل المواطن أعباء على أساس الحاجة، ويلفت الى وجوب الأخذ بعين الاعتبار القدرة والإمكانية على تحمل الأعباء.
وينقل دبوسي عن ميقاتي انه يحبذ أن تكون هناك خطة كاملة وبأنه ليس بعيداً عن الأفكار التي طرحت من قبل الهيئات الاقتصادية.
ويختم بالقول: «في النهاية هناك تركيبة بالبلد مؤلفة من رئيس جمهورية ومجلس نيابي ورئيس مجلس ورئيس حكومة ووزراء ومرجعيات سياسية هم الذين يقررون، ولكن الأكيد انه حتى الان لم يتفقوا لإطلاق خطة استراتيجية لإصلاح الإدارة والاقتصاد والدور الذي يمكن أن يلعبه لبنان بعد الأزمة، وكل هذا لا يمكن حصوله إذا لم يكن مبنياً على اتفاق وثقة بين كل الأطراف ومن الشعب والمجتمع الدولي بالدولة اللبنانية».