الجمعة, نوفمبر 1

من حق «حزب الله» أن يقلق

جوني منيّر – الجمهورية

تقاطعت الأجواء الصادرة عن العاصمتين الاميركية والايرانية حول نقطتين اساسيتين تتعلقان بالملف النووي الايراني. النقطة الاولى تتمحور حول انّ الاتفاق حيال هذا الملف اصبح اقرب من اي وقت مضى. وهو في الواقع تعبير ديبلوماسي للقول لأنّ التفاهم اكتمل حول كامل بنود الاتفاق الذي استهلك وقتاً طويلاً وصعباً من التفاوض، والذي سادته الكثير من الألاعيب والمناورات. اما النقطة الثانية فتتعلق حول ما صدر من تسريبات تؤشر الى ان التوقيع الرسمي على الاتفاق سيتأخر بضعة اسابيع وفق واشنطن او حوالى الشهرين وفق طهران. وهو ما يعني بأن التوقيت بحاجة لأن ينتظر استحقاقاً ما، وهو على الأرجح الانتخابات الاسرائيلية مطلع تشرين الثاني المقبل.

وكان واضحاً تلك الحملة التي تولّتها الحكومة الاسرائيلية ضد الاتفاق لكن الحملة الاسرائيلية بدت مدروسة وهي حرصت على ألا تتجاوز سقفاً معيناً، وعندما بالغ رئيس الموساد الاسرائيلي في انتقاده للاتفاق ما شكّل تجاوزاً للسقف المرسوم والمسموح به، سارعَ رئيس حكومة تصريف الاعمال يائير لابيد لاستدعائه وتوجيه تحذير له، وجرى تسريب الخبر للاعلام. ماذا يعني كل ذلك؟

الواضح ان ادارة بايدن، والتي لا تريد عودة بنيامين نتنياهو الى رئاسة الحكومة، اقتنعت بوجهة نظر لابيد بأن اقرار الاتفاق النووي قبل الانتخابات سيمنح نتنياهو هدية من السماء لحملته الانتخابية، خصوصا ان الاستطلاعات تعطي تقارباً في النتائج بين معسكر اليمين الذي يقوده حزب الليكود ومعسكر الائتلاف الذي تتكون منه الحكومة. وبالتالي، فإن ظهور لابيد بموقع الذي نجح في منع تمرير الاتفاق ولو مرحلياً، سيمنحه نقاطاً انتخابية هو بأمسّ الحاجة اليها. لكن في المقابل فإن الذهاب بعيداً في «شيطنة» الاتفاق سيؤذي الادارة الديموقراطية التي تواجه استحقاقاً انتخابياً بالتزامن مع الانتخابات الاسرائيلية، وهذا ما استوجب تأنيب رئيس الموساد. لكن حصر قراءة «تأجيل» اعلان الاتفاق حول النووي في هذا الجانب من الصورة فقط فيه شيء من التبسيط للواقع الذي يختزن تحولات وترتيبات هائلة.

فالآلة الضخمة للولايات المتحدة الاميركية استدارت باتجاه الصين حيث تعمل على تركيز برنامجها الاستراتيجي والقاضي باحتواء التنين الصيني. وهو ما يعني انها عملياً أنهت العناوين الكبرى والاساسية في الشرق الاوسط، لتبقى التفاصيل على عاتق الادارات الرديفة.

والتركيز الاميركي على الصين فتح نافذة موازية تتعلق بالقارة الافريقية حيث كانت بكين وموسكوقد نجحتا في اقتطاع مساحات نفوذ واسعة. لذلك كان وزير الخارجية الاميركية قد خصص زيارة لإفريقيا وتلاه نظيره الصيني. وكذلك فعل الرئيس الفرنسي وهو ما يؤشّر الى ان القارة السوداء قد تشكل ساحة صراع للحرب الباردة التي بدأت بين العالم الغربي من جهة والصين وروسيا من جهة اخرى.

وبالعودة الى الشرق الأوسط، فإن احداثاً مهمة تدور ولو من دون ضجيج او تركيز اعلامي، ما يعني ان هذه الاحداث تحظى بتفاهمات في الكواليس، وبموازاة الاتفاق النووي. او في افضل الاحوال فهي تحصل في الوقت الضائع الذي يسمح بتعديلات في المعادلات المطروحة بما يتوافق مع الواقع الجديد. واولى هذه التطورات مع ما حصل في الضفة الغربية مع الضربة السريعة ولكن المدروسة التي طالت كوادر الجهاد الاسلامي. والى جانب ذلك سلوك منضبط لحركة حماس التي قيل ان اسرائيل طلبت من تركيا العمل على تحجيم الجناح الايراني داخل حركة حماس ودفعها للسباحة في الوعاء الاقليمي الجديد اي في بركة هادئة وليس في بحر هائج.

وكان لافتاً خلال الايام الماضية زيارة امين عام حركة الجهاد الاسلامي الى الضاحية الجنوبية حيث التقى امين عام «حزب الله» السيد حسن نصر الله، وتلاه نائب رئيس حركة حماس. الواضح ان السيد نصر الله يريد استكشاف تفاصيل ما حصل والوقوف على الخلفيات الفعلية لإجراء تقييمه الدقيق حول ما حصل بالفعل واتجاه الاحداث مستقبلاً.

اما التطور الثاني، وهو الاوضح تعبيراً، فهو ما يتعلق بالتطورات العراقية. فالوضع المحتقن داخل العراق منذ الانتخابات النيابية الاخيرة، اظهرَ لا مبالاة اميركية خلال المدة الاخيرة، وهو ما فُسّر بأنه نوع من «قبة الباط» لإيران واخلاء الساحة لها لكي تستعيد نفوذها.

وفي واشنطن انتقادات عنيفة للتخلي الاميركي عن دورها في العراق، فلقد كان من الممكن ان تشكل الانتخابات النيابية محطة لإضعاف نفوذ ايران في العراق، لكن الغياب الاميركي المتعمّد أثناء عملية تشكيل الحكومة أعاد لطهران يدها الطولى في العراق. مع الاشارة دائماً الى اهمية الساحة العراقية بالنسبة للامن الحيوي لإيران حيث تشكل ما يشبه الحديقة الخلفية لها.

والتطور الثالث لا يحصل بعيداً عن العراق، وهو بدوره يجري من دون ضجيج، فمسلسل التصفيات بحق الكوادر الاساسية المناهضة للنظام السوري ما يزال مستمرا في جنوب سوريا وخصوصا في درعا.

وهو ما سيعني لاحقاً استعادة النظام السوري لنفوذه كاملاً في جنوب سوريا، وهي المنطقة التي شهدت الكثير من التجاذبات والجدل خلال السنوات الماضية، وهذه التصفيات تحصل بالتزامن مع قرارين مهمين. الاول تراجع الاردن عن سَعيه لجعل منطقة جنوب سوريا منطقة خاضعة لنفوذه الامني أسوة بما تسعى اليه تركيا في شمال سوريا. وهو ما يعني الاقرار باستعادة دمشق لنفوذها الكامل على هذه المنطقة.

والثاني ما كشفته صحيفة «نيويورك تايمز» الاميركية عن طلب الرئيس السوري خلال اجتماع افتراضي عقد للتحالف الداعم له، والذي ضم حلفاء ايران بينهم «حزب الله»، بعدم استهداف المناطق التي تسيطر عليها اسرائيل والمتاخمة لسوريا انطلاقاً من الاراضي السورية بذريعة عدم المغامرة باندلاع حرب شاملة في وقت تمر فيه البلاد بأضعف حالاتها. ولم يصدر أي نفي على هذا الخبر، رغم ان الصحيفة نسبت معلوماتها الى قيس قريشي المقرّب من ايران ومن الحرس الثوري تحديداً.

وعلى الساحة السورية ايضاً، لفت اصدار الرئيس السوري قراراً ادارياً بوقف الاستدعاء للخدمة العسكرية لبعض فئات الجيش السوري اعتباراً من مطلع شهر تشرين الاول المقبل. وهذا القرار هو الاول من نوعه منذ اندلاع الحرب في سوريا عام 2011، وهو يوحي بأن دمشق باتت مطمئنة بأن احتمالات استمرار المعارك المفتوحة بات ضعيفاً وهذا له علاقة بالسياسة اكثر منه بالميدان.

ووفق كل ما تقدم، فإنّ الاستنتاج الاولي هو ان ثمة ترتيبات يجري تمريرها بهدوء ومن دون ضجيج في مرحلة إقفال الملف النووي الايراني. ومن المنطقي الاعتقاد ايضا بأن اعادة الامارات سفيرها الى طهران في هذه المرحلة بالذات، لا بد انه خضع لقراءات معمّقة وظروف مؤاتية. من هنا لا بد من تفهّم التعاطي الحذر لـ»حزب الله» مع تطورات المنطقة والترسيم البحري المُلتبس، وعند اعتاب استحقاقات لبنانية اساسية. «حزب الله» بطبيعته شديد الحذر وتغلب على قراءته وتحليله الشكوك والقلق. هو يدرك جيدا ان السنوات الثلاث التي مرت على لبنان أتعَبت، لا بل أرهقت، بيئاته على اختلاف تنوعها، وان اسرائيل تضعه دائماً كهدف اول لها. ومع مشاريع التسويات التي قادتها واشنطن في الكواليس لإعادة ترتيب ساحة الشرق الاوسط قبل انتقال تركيزها على احتواء التمدد الصيني، كان لا بد لـ»حزب الله» من التعاطي بكثير من الحذر خصوصا مع الاحداث الصامتة والمُبهمة كمثل عملية استهدداف تنظيم الجهاد الاسلامي الفلسطيني الذي يحظى بعلاقة وثيقة معه. من هذه الزاوية يفهم قراره بنشر كتيبة «الرضوان» او النخبة في الجنوب وايضاً ما فُسّر على انه استدعاء للاحتياط او على الاقل وضعهم في حال الجهوزية، فالساحة من لبنان الى العراق مرورا بسوريا وفلسطين هي ساحة واحدة والتطورات مترابطة.

من حق «حزب الله» ان يحذر لكنّ ظروفه في الواقع مختلفة، وقيادته أبدت خلال المنعطفات الحادة والصعبة مرونة وقدرة على التأقلم مع التطورات والتقلبات المختلفة بحنكة وذكاء.

في الواقع امام لبنان اشهر داخلية صعبة خصوصاً انه محكوم عليه بالانتظار وقوفاً على الجمر، لكن هذه المرحلة الصعبة هي بلا شك مرحلة إسدال الستارة على لبنان القديم قبل الدخول في ورشة اعادة بناء دولة جديدة.

Leave A Reply