كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول: مع بدء مهلة الستين يوماً لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، اعتباراً من اليوم وحتى آخر تشرين الاول المقبل، يصبح الاستحقاق الرئاسي تلقائيّاً المادة الوحيدة على جدول الشهرين المقبلين. والأمر الطبيعي والبديهي ان تكون الاولوية ضمن هذه المهلة لانتخاب رئيس، يغادر بعدها الرئيس ميشال عون القصر الجمهوري في 31 تشرين الاول، مسلّماً الامانة الرئاسية لخلفه. ولكن في الوضع غير الطبيعي الذي يشهده لبنان، وفي ظل الغيوم السياسية والانقسامية الداكنة التي تغطي هذا الاستحقاق، فإن انتخاب رئيس جديد رهن بمعجزة.
تبعاً لذلك، فإنّ المسار الرئاسي يتجّه حتماً الى شغور في سدّة الرئاسة الاولى، والى أجل غير مسمّى. والبديهي امام الفراغ المنتظر، أن تُثار – في أجواء بلد تائه، أو بمعنى أدق، مضيّع عمداً في دوامة سلبيات لا نهاية لها – علامات استفهام قلقة حيال مرحلة ما بعد 31 تشرين الاول، ولا سيما في موازاة سيل المزايدات المطعّمة باجتهادات متضاربة حول كيفية إدارة مرحلة الفراغ، وصلاحية حكومة تصريف الإعمال في تولّي صلاحيات رئيس الجمهورية.
وكذلك في موازاة الإحتمالات التي تنهمر من غير اتجاه سياسي وتثير شكوكاً ومخاوف ممّا ينتظر لبنان اعتبارا من 1 تشرين الثاني المقبل، وكذلك ما قبله في شهر ايلول الجاري ربطاً بتطوّرات ملف ترسيم الحدود البحرية والتهديدات المتبادلة بين «حزب الله» واسرائيل.
عاصفة الفراغ
المناخ السائد في لبنان في ظل الاهتراء الشامل لكل قطاعاته ومؤسساته، والشلل الحكومي القائم، وتعثر الاستحقاق الرئاسي، تسري فيه مقولة تتحرّك بقوة في مختلف الاوساط، بأن شهري ايلول وتشرين الأول يسبقان عاصفة الفراغ الرئاسي، التي تتخوف مصادر سياسية مسؤولة، عبر «الجمهورية»، من جنوح بعض الاطراف الى ارتكاب خطايا سياسية ودستورية، ومحاولة إدخال لبنان في أتون معركة سياسية تفتح الباب على الكثير من التعقيدات على مستوى ادارة الدولة في تلك المرحلة، وربما على منزلقات خطيرة ماليا واقتصاديا، والاخطر من كل ذلك فتح الباب واسعا امام هواء عاصف يهدّد بنية النظام»، لافتة الانتباه الى «أنّ نُذر ذلك تبدّت في المعارك التي تفتح سلفاً حول الصلاحيات ومَن يرث الرئيس ميشال عون بعد انتهاء ولايته».
لقاء تذكيري
واذا كان بدء سريان مهلة الستين يوما قد تزامن مع الاستعصاء المستمر في ملف تأليف الحكومة، وعجز الرئيسين الشريكين في هذا الاستحقاق ميشال عون ونجيب ميقاتي عن التفاهم على قواسم مشتركة تنزل الحكومة عن شجرة الشروط المانعة لتأليفها، فإنّ اللافت امس، كان اللقاء الجديد بين عون وميقاتي في القصر الجمهوري، في ما بَدا أنّه لقاء تذكيري بأن لا تقدّم في مسار التأليف، وان الحكومة ما زالت متمَوضعة في مربّع الفشل، واختلاف النظرة بين الشريكين حول شكل الحكومة ومضمونها.
ونتيجة هذا اللقاء ظَهّرها الرئيس المكلف في «مزحة» مع الاعلاميين في القصر الجمهوري بقوله: «الرئيس نبيه بري في الجنوب، ما فينا نطَلّع مراسيم اليوم». ومن ثم غادر القصر من دون الادلاء بأي تصريح، فيما قالت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية» ان اللقاء القصير بين الرئيسين عون وميقاتي، تناول ملف التأليف بصورة عامة، وخلاصة النقاش انّ الهوة ما زالت قائمة، ما يعني ان الحكومة ما زالت مربوطة بعقد التباينات الجوهرية بين عون وميقاتي حول شكلها وحجمها، وكذلك حول الاقتراحات المطروحة بتغيير بعض الوزراء.
واشارت المصادر الى انّ جو اللقاء كان عاديا، وانتهى كما بدأ، أي كلا الرئيسين على مواقفهما. ولم تؤكد المصادر، رداً على سؤال، ما اذا الرئيسان قد اتفقا على لقاء جديد بينهما، الا انها لفتت الانتباه في الوقت ذاته الى هذا الأمر مع بدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية، لن يطول الوقت ليصبح بنداً ثانياً، او بالاحرى بنداً ثانوياً يفتقد الى اي جدية».
بدورها، قالت مصادر واسعة الاطلاع لـ«الجمهورية» ان عون وميقاتي أجريا قراءة شاملة لنتائج الاتصالات الجارية لتشكيل الحكومة الجديدة وما هو مطروح من صيَغ غير مقبولة ليس على مستوى الرفض المتبادل بينهما، وأن هناك اطرافا اخرى تعارض ما هو مطروح، خصوصاً الصيغة المتعلقة بالوزراء الستة المطلوب اضافتهم الى الحكومة. وذلك بعدما كانت موضوع تشاور بين بري وميقاتي وفي مواقع أخرى.
وقالت المصادر لـ«الجمهورية» انّ الدقائق العشرين اتّسعَت للتشاور في العديد من العناوين والقضايا العالقة، والتي تحتاج الى متابعة، خصوصاً تلك التي تحتاج الى مراسيم للبَت بها ومنها القوانين الاصلاحية، الموازنة العامة للعام 2022، ومواضيع كان من المفروض ان تعالج ولم تعالج بغية انهائها قبل نهاية العهد.
حكومة سياسية
وقالت مصادر موثوقة لـ«الجمهورية» إن الرئيس عون أعاد طرح تشكيل حكومة سياسية تواكب المرحلة، إلّا أن ميقاتي رفض الطرح متمسكاً بالتشكيلة التي قدّمها.
بري: موج البحر
في هذه الأجواء برزت امس المواقف التي أطلقها رئيس مجلس النواب نبيه في الخطاب الذي ألقاه في مهرجان حاشد أقامته حركة امل في «ساحة القسم» في صور، في الذكرى الرابعة والاربعين لتغييب الإمام موسى الصدر. حيث اعتبر، بالنسبة الى ما خصّ الاوضاع الداخلية سياسيا واقتصاديا ومعيشيا، أن «لبنان ليس بخير، ويمر بأسوأ وأخطر مرحلة عرفها في تاريخه وأن هذه المخاطر والتحديات يتم مقاربتها بأسوأ عقلية كيداً وحقداً ونبشاً للقبور وانفصالاً عن الواقع، بالله عليكم هل يوجد في العالم تغذية «صفر كهرباء» وتكون الحجة «ما خلّونا»؟ وهل يعقل أن يُحرم لبنان من الغاز المصري والأردني لعدم تشكيل هيئة ناظمة في وزارة الطاقة وهي التي استنزفت ثلث مالية الدولة وتكون الحجة «إنّو غَيّرو القانون بدل ما يطبّقوه؟».
وتناول بري ملف انتخابات رئاسة الجمهورية، وكان اللافت أنه لم يُشر الى الجلسة الانتخابية لرئيس الجمهورية، وموعد دعوته اليها، وقال: مهلة التسين يوماً لانتخاب رئيس تبدأ غداً (اليوم)، موضحاً أننا «دخلنا اليوم الأول من المهلة الدستورية لانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية، وليس مسموحاً العبث بالدستور او التمرد عليه تلبية لمطامح هذا او ذاك من المرشحين، وليس مشروعا الاستسلام لبعض الارادات الخبيثة التي تسعى لإسقاط البلد في دوامة الفراغ».
واكد أنّ على عاتق المجلس النيابي الحالي مهمة إنقاذ لبنان، ودعا النواب إلى أن يكونوا صوتاً لإنجاز الاستحقاقات الدستورية في مواقيتها. وقال: نحن سنتقترع للشخصية التي تجمع ولا تقسّم وللشخصية التي توحّد ولا تفرّق وللشخصية المؤمنة بالثوابت القومية والوطنية وتعتقد اعتقادا راسخا انّ اسرائيل تمثّل تهديداً لوجود لبنان، ولا يزايدنّ أحد علينا بالسيادة».
واكد على العلاقة بين حركة امل و«حزب الله»، وقال: «لا احد يراهن على خلاف بينهما»… أمّا بالنسبة الى قضية الامام الصدر، فقال: «بالرغم من جمود التحقيق في السنوات الـ3 الماضية لأسباب عدة، نؤكد أن آخر ما توصّلت اليه اللجنة المكلفة بمتابعة هذه الجريمة بالدليل القاطع أنّ الجريمة بكل فصولها التآمرية والإجرامية تمّت ونفّذت على أيدي النظام الليبي وأجهزة إستخباراته، وأن الإمام ورفيقيه لم يغادروا الى إيطاليا أو أية دولة أخرى، والتحقيقات لم تدل بأية معلومات بأنّ الإمام ورفيقيه ليسوا أحياء، وهم قبل سقوط النظام الليبي كان يتم نقلهم بين السجون الليبية، وبالقدر الذي كنّا نحمّل فيه الطاغية القذافي ومعاونيه المسؤولية الكاملة، نعدّ الجريمة استهدافاً للبنان بما مَثّله ولا يزال الإمام من قيمة روحية. وعليه، وبنفس القدر، إنّ عدم تعاون السلطات الليبية الحالية هو تواطؤ وإمعان بارتكاب هذه الجريمة، وبالتالي المجرم واحد حتى بعد ما يسمّى الثورة».
اما في ملف ترسيم الحدود البحرية، فقال بري: «بعيداً عن الاستعراضات علينا وتوزيع شهادات «ونحنا عم نوزّع شهادات»، نؤكد أننا في المبدأ والإستراتيجيا نعتبر أن كل متر مكعب من الغاز والنفط والأرض مغتصبة ومحتلة لأنها مع حدود مع فلسطين المحتلة وتحت سيطرة الإحتلال، وبانتظار جواب المفاوض الأميركي آموس هوكشتاين نؤكد أن حدودنا وسيادتنا كشرفنا لا نفاوض عليها وسندافع عنها بكل ما نملك من قدرات، والكرة الآن في الملعب الأميركي، نحن لسنا هواة حرب لكن إذا ما هدّدت سيادتنا سندافع عن هذه الحقوق والحدود».
وتابع بري: «قال هوكشتاين إنه سيغيب أسبوعين ومضى على هذا الوعد شهر، أين الجواب؟ ثم إذا كان هناك اعتبارات إسرائيلية، ماذا يمنع توتال وغيرها من الحفر بالمناطق غير المتنازع عليها لدينا؟ ماذا ينفع غير التسويف لكي تُؤكل حقوقنا؟».
الترسيم
وعلى صعيد مستجدات الترسيم، ففيما أطلّ شهر ايلول، الذي سبقته مخاوف من تصعيد محتمل ربطاً بإعلان اسرائيل البدء باستخراج الغاز من حقل «كاريش»، ومع الترويج المتتابع من قبل بعض القنوات للتهديدات الاسرائيلية، يسود الغموض ملف ترسيم الحدود البحرية في كل مفاصله، وكذلك لا موعد محدداً لزيارة جديدة للوسيط الاميركي آموس هوكشتاين.
على انّ اللافت للانتباه في هذا السياق، ما قاله أمس مسؤول في البيت الابيض الأميركي: إنّه وفي حين لم يَقم المنسق الرئاسي الخاص آموس هوكشتاين بزيارة لبنان و«إسرائيل» في الاسابيع الماضية، إلا أنه يستمر في جهوده الحثيثة للوصول الى اتفاق في النقاشات حول ترسيم الحدود البحرية.
وأضاف: إننا مستمرون في تضييق الثغرات بين كل الافرقاء، ونعتقد ان تسوية مُستدامة ممكنة ونرحّب بالروح الاستشارية لدى الطرفين للتوصّل الى حل.
وتابع: الديبلوماسية المكوكية هي ببساطة إحدى عناصر العمل الصارم التي ينتهجها الفريق الاميركي لمعالجة هذا النزاع، وهوكشتاين يتواصل بشكل يومي مع المسؤولين الاسرائليين واللبنانيين، بمَن فيهم نائب رئيس المجلس النيابي الياس بو صعب.
ولفت المسؤول إلى أنّ حل النزاع حول الحدود البحرية هو أولوية لإدارة الرئيس بايدن، مؤكداً أنهم يؤمنون إيماناً راسخاً بأنّ الاتفاق سيوفّر استقرارا مستداما وازدهارا اقتصاديا للبلدين.
ُّيشار في هذا السياق الى ان الاعلام الاسرائيلي ما زال مستمرا في بث اجواء تفاؤلية حول ملف ترسيم الحدود، وآخر ما نشر في هذا المجال «انّ ثمة مؤشراً على أن المفاوضات بلغت مراحلها النهائية، يتمثّل في أن إسرائيل نقلت ملف ترسيم الحدود مع لبنان من مكتب وزير الطاقة إلى رئيس الوزراء».
وبحسب الاعلام الاسرائيلي، فإنّ نقاط المفاوضات التي تقودها الولايات المتحدة تحوّلت للتركيز على التعويضات، وكمية الغاز، لدى كل طرف على الحدود البحرية. واذا كان لبنان واسرائيل لم يتوصّلا بعد إلى اتفاق نهائي، إلا أنه يعتقد أن هناك «تقارباً كافياً» بين المواقف من أجل بدء العمل على اتفاق، قد ينجم عنه إما تقسيم حقول الغاز التي قد تتقاطع على خط الحدود البحرية، أو الحصول على تعويضات مالية».
ووفق ما نُشر ايضاً، فإنه من المتوقع أن يتوجّه آموس هوكشتاين إلى فرنسا خلال الأسابيع المقبلة للقاء قادة شركة «توتال إينرجيز»، التي تملك حقوق التنقيب في مياه لبنان الإقليمية. ونقلت صحيفة «جيروزاليم بوست» عن قناة «12» العبرية، مؤخراً أن لبنان واسرائيل سيؤسّسان حقولهما الخاصة بمسافة فاصلة تبلغ 5 كلم. وأشارت القناة إلى أن الحواجز الفاصلة من شأنها ردع أي تهديد قد يشكّله «حزب الله» على الحقول الإسرائيلية.
عون يرد السرية
في سياق داخلي، وقّع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون المرسوم الرقم 10016، القاضي بإعادة القانون المتعلق بالسرية المصرفية الى مجلس النواب لإعادة النظر فيه. وأوضح الرئيس عون أنه «من أسباب طلب اعادة النظر، انّ ظروف الأزمة الاقتصادية والمالية التي يمرّ بها لبنان تقضي، لتأمين نجاح التعافي، بالرجوع بتاريخ بدء تطبيق احكام القانون موضوع طلب اعادة النظر لفترة تغطّي على الأقل المدى الزمني المسبب للأزمة».
واوضحت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية» ان الرئيس عون طلب اعادة النظر بقانون السرية المصرفية للتأكيد على دعمه لهذا القانون من جهة، الأمر الذي يفرض تحصينه وتطويره ليكون مطابقا اكثر مع المعايير الدولية والممارسات المالية الجديدة من جهة اخرى. واضافت المصادر ان الرئيس عون يرى أنه من ضمن التعافي المالي، يجب ان يُعطى الحق للجنة الرقابة على المصارف ومصرف لبنان والضمان الاجتماعي، بطلب رفع السرية المصرفية. كذلك فإنّ رفع السرية لا يجب ان يكون لأسباب جرمية او جزائية او للتهرب الضريبي فقط، بل ايضا لأسباب ادارية. كما شدّد الرئيس عون على اعتماد الرجعية في الخضوع للقانون للذين عملوا في القطاع العام.
واشارت المصادر الى انه، ومن ضمن التعافي المالي، حَثّ الرئيس عون مجلس النواب على تعديل القانون اضافة الى ضرورة إقرار الموازنة وقانون اعادة هيكلة المصارف وقانون الكابيتال كونترول.