د. نعمة جعجع – اللواء
مع حلول الألفية الثالثة، دخلت الكهرباء في لبنان حالة الغيبوبة واضطر اللبنانيون إلى اللجوء للإشتراك بالمولدات الخاصة لتأمين التيّار الكهربائي، وكلما ازداد عدد المشتركين انتشرت ظاهرة المولّدات وتضاعفت أعدادها حتى ناهز عددها النصف مليون وجنى أصحابها مليارات الدولارات المُفترض أن تكون من واردات كهرباء لبنان.
تفشّت ظاهرة المولّدات واستباح أصحابُها الطرقات العامة والأملاك الخاصة والأعمدة العائدة لكهرباء لبنان ووزارة الاتصالات، لتحقيق أرباح على حساب مؤسسات الدولة خلافًا للقانون المستضعَف الذي يمنع استثمار الطاقة خارج مؤسسة كهرباء لبنان أو الامتيازات الكهربائية الممنوحة للقطاع الخاص بموجب قوانين، وخلافًا للدستور الذي يحظّر فرض أي ضريبة أو رسم أو احتكار إلا بموجب قانون ولمدة محددة زمنيًا.
اشتدّت سواعد أصحاب المولدات حتى باتوا أقوى من الدولة – التي اضطرت إلى الرضوخ بسبب عجزها عن تأمين الكهرباء أو حتى تبرير هذا العجز- وبدل الإنصراف إلى معالجة أزمات الكهرباء التائهة في البحث عن شحنات الفيول، تطرّقت الدولة إلى المولدات الخاصة في نصّ قانون الموازنة العامة للعام 2019 حيث اكتفت في المادة 70 منه بفرض رسمٍ سنويّ مقطوع على أصحاب المولّدات الذين يستثمرون الطاقة، وعهدت إلى البلديات إفادة دوائر وزارة المالية بالمعلومات الضرورية لتمكينها من تحصيل هذا الرسم، لكن البلديات لم تحرّك ساكنًا بهذا الشأن.
وفيما لم ينفع قرار وزير الاقتصاد والتجارة بفرض إلزامية تركيب العدّادات لمشتركي المولدات ومراقبة التسعيرة التوجيهية للمولدات الخاصة، ضرب أصحاب المولدات بعرض الحائط تلك التدابير وتعاظمت قوتهم واستفحل استغلالهم، لا بل جعلوا الناس كالرهائن. وما إن تفاقمت أزمة المازوت حتى كشفوا عن وجوههم الكالحة وعمدوا إلى رفع تعرفة الإشتراكات بلا رحمة والتحكّم بساعات التغذية بحجة ارتفاع أسعار المازوت، بعيدًا عن أي رقابة أو رادع، لا بل صوروا أنفسهم بمظهر المنقذ البديل عن عجز الدولة.
هكذا تسبّبت محاولة الدولة المستضعَفة تنظيم المولدات الخاصة باستبداد أصحابها، ولم يبق للمواطن سوى فنجان القهوة التي عيّن رئيس حكومة غينيا أول وزير خاص لها (وزير للقهوة) قبل اسابيع.
عسى أن لا يعيّنوا وزيرًا للقهوة في الحكومة المنتظرة ولادتها في لبنان، لئلا يُحرم منها المواطنون، ولأن فنجان القهوة بات الوسيلة الوحيدة المتوفّرة لتعديل مزاجهم.