عاد الحديث عن زيارة المبعوث الأميركي لشؤون الطاقة عاموس هوكشتاين الى المنطقة، لاستئناف وساطته المتعلقة بملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية بين لبنان والعدو الإسرائيلي. وهذه الزيارة، وإن جاءت متأخرة، إلا أنها تحمل هذه المرة دعمًا أميركيًا معلنًا من الرئيس الأميركي جو بايدن في اعتبار أن حل النزاع البحري بين لبنان و»إسرائيل» يشكل أولوية رئيسية لإدارته.
وتأتي هذه الزيارة في الوقت الذي أعلنت شركة «نوفاتيك» الروسية انسحابها من ائتلافها مع شركة «توتال» الفرنسية و»إيني» الإيطالية في اتفاقية الإستكشاف والإنتاج على الرقعتين (4) و (9) في المياه اللبنانية. وأيّاً كانت أهداف شركة «نوفاتيك» من وراء هذا الإنسحاب، فهي لن تخرج عن تشكيل ضغط معنوي وإداري ومالي على الشركتين المتبقيتين في التحالف وتأخير وعرقلة عملية الإستكشاف والإستخراج في الرقعة رقم (9) التي هي محط اهتمام أميركي – فرنسي لكونها ملاصقة لمنطقة التنازع البحري، والتي تتوافر فيها احتمالات وجود الحقل المسمّى «قانا».
غير أن هذا الإنسحاب غير مقبول قانونًا طالما أن يؤدي إلى وجود أقل من ثلاثة أصحاب حقوق في إتفاقية الإستكشاف والإنتاج. مما يعني عدم استطاعة ما تبقى من الإئتلاف (أي تحالف توتال-إيني) من القيام بعمليات الإستكشاف والإنتاج في الرقعة (9) الى حين توافر شركة ثالثة مقبولة ومؤهلة وفق الشروط المتطلبة قانونًا. وهنا لن يخرج الأمر عن احتمالين: فإمّا أن تحل الدولة اللبنانية مكان شركة «نوفاتيك» والتي تمتلك حصة (20 في المئة) في تحالف أصحاب الحقوق، وهو أمر غير وارد لأننا نتحدث عن دولة مفلسة لا تستطيع تأمين تمويل حصة «نوفاتيك» في التحالف، إضافةً الى أن دخول الدولة ممثلة بطبيعة الحال بشركة نفط وطنية تنشأ لهذه الغاية سيغيّر من شكل الإتفاق مع تحالف (توتال-إيني). أو الإحتمال الثاني، وهو دخول شركة بترولية جديدة تكتتب بحصة «نوفاتيك» من بين الشركات المؤهلة سابقًا أو التي سيتم تأهيلها لهذه الغاية، وفي ظل الوضع الحالي قد تجد الشركات البترولية مجازفة في الدخول الى مثل هذا الإتفاق طالما، حتى تاريخه، لم يتم حسم النزاع الحدودي البحري بين لبنان والعدو الإسرائيلي.
ولكن ومع ما يجري تداوله في الصحف الأميركية عن محادثاتٍ جَرت بين هوكشتاين ورئيس مجلس إدارة شركة «توتال» الفرنسية وما دار فيها من الحديث عن التزامات الأخيرة في لبنان خصوصاً حول الإستكشاف والإستخراج في الرقعة الرقم (9) في المياه اللبنانية، فقد تترك البصمة «الهوكشتانية» أثرها على اختيار الشركة الثالثة، والتي نخشى أن تراعي مصالح المنصة العائمة في حقل «كاريش» إن لم تكن في أسوأ الحالات على صلة مباشرة بها، ونترك للأيام المقبلة الإجابة عن هذه المخاوف.
وفي ظل ترقّب ما تحمله زيارة هوكشتاين من جديد في ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية والمتوقعة بعد 7 أيلول الجاري، وإن كنا نتصوّر أنها لن تأتي بجديد سوى المماطلة وإعطاء مهلة إضافية للعدو الإسرائيلي حتى انتهاء الإنتخابات الإسرائيلية في تشرين الأول المقبل، يبقى السؤال الأهم هو: أين الدولة اللبنانية من كل ما يحدث؟ وهل سنرى اشتباكاتٍ حدودية أو داخلية تستهدف مراكز محددة بين العدو الإسرائيلي و»حزب الله» قبَيل و/أو أثناء وصول المبعوث الأميركي الى المنطقة، والتي قد يكون لدخانها المتصاعد أثراً في تسريع أو تعديل الطرح الذي يحمله هوكشتاين للطرفين؟!