كتبت “النهار” تقول: تواصلت جولات المبارزات الكلامية والردود اللاذعة والحادة التي طبعت انطلاقة المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية منذ أسبوع من غير ان ترسم هذه الجولات أي افق واضح بعد لمعالم محددة للمعركة الرئاسية، وكان اخر فصول هذه المبارزات في “الرد الدائري” الحاد لرئيس “التيار الوطني الحر” النائب #جبران باسيل امس على كل من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي ورئيس حزب “القوات ال#لبنانية ” سمير جعجع في المواقف التي اعلنوها أخيرا من العهد والوضع الحكومي. واذا كان مجمل هذا المشهد لم يعد يشكل تطورا سياسيا جادا وجديدا، نظرا الى اقتصار كل هذه السجالات على تصفية حسابات متوقعة بين العهد وخصومه، قبيل جلاء الغبار عن الخط البياني الذي يفترض ان يسلكه الاستحقاق الرئاسي والسباق الى قصر بعبدا قبل نهاية تشرين الأول المقبل، فان الأخطر في تطورات الواقع الداخلي هو مشهد تساقط تتابعي ومتعاقب الحلقات للقطاعات الحيوية في البلاد على نحو ينذر بتسريع الخطى نحو اخر متاهات الانهيار في المهلة الفاصلة عن انتخاب رئيس الجمهورية. ولم يكن احتدام الصراع والسجالات حول الوضع الحكومي أخيرا، ومن ثم اعلان باسيل امس اعتبار حكومة تصريف الاعمال حكومة غير شرعية بعد انتهاء العهد الحالي وفي حال حصول الفراغ، سوى تمهيد بالغ الخطورة لاستعادة حقبات الانقسام الوطني حول اشكالات يراد لها ان تكتسب الطابع الدستوري، ولو ان واقع تولي الحكومة الحالية المسؤولية التنفيذية مكان رئيس الجمهورية هو واقع مبتوت دستوريا. ولكن الجديد الذي واكب تصاعد الصراع السياسي تمثل في اجراء مفاجئ غير مبرر تماما بعد، يتعلق بالتحقيق في انفجار مرفأ بيروت عبر الموافقة على تعيين محقق رديف للمحقق العدلي المعلقة مهماته. هذه الخطوة اضفت بغموضها المريب أجواء أخرى من الريبة والشكوك حيال ما يحصل في المرحلة الانتقالية الراهنة على مستويات مختلفة، وكان البلاد دخلت في متاهات تفلت مؤسساتي وتصفية حسابات تنذر بخطورة عالية وسط الهرولة الى متاهات سقوط القطاعات تباعا.
في هذا السياق بدا لبنان امس امام اخطر تهديد للدورة الإنتاجية في ظل التعطيل شبه الشامل لقطاع الاتصالات والانترنت والتخبط الحاصل في معالجة اضراب موظفي هيئة اوجيرو وانعكاس الاضراب على مجمل حركة الاتصالات والانترنت. ولم تظهر حتى ساعات الليل رغم كل الجهود والاجتماعات المتلاحقة بوادر احتواء لهذه الازمة التي لا تزال تنذر بمزيد من التفاقم والارتدادات السلبية على معظم القطاعات والمناطق اللبنانية.
أزمة الاتصالات
والحال ان اضراب موظفي اوجيرو تصدر المشهد متقدما السياسة، بعد ان تسبب اعتكافهم باعطال كبيرة في شبكة الاتصالات الخليوية والثابتة أثرت على يوميات المواطنين وقد فقدوا الارسال والانترنت عن هواتفهم، وهما ضروريان واكثر، في كل تفاصيل حياتهم. وفي اطار الجهود التي بذلت لمعالجة الازمة اجتمع رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي مع وزير الاتصالات جوني القرم، وبعده، استقبل وفد نقابة موظفي اوجيرو والاتحاد العمالي العام. وإذ أكد القرم أنه “كانت هناك إيجابية في التعامل مع ملف الاتصالات، وفي مقارنة بين اليوم والأمس يمكن القول إنّ اليوم أفضل بكثير”، اعلن رئيس الاتحاد العمالي بشارة الأسمر الاتفاق على معالجة حقوق المستخدمين والمياومين في #أوجيرو،”لأن هذه الحقوق حصل عليها مَن يتبع قانون العمل والقطاع العام، وهي عبارة عن اربعة مراسيم. واتفقنا على أصدار هذه المراسيم، ورصد الاعتمادات اللازمة لها، ضمن إطار من الإيجابية المطلقة أبدتها النقابة ودولة رئيس مجلس الوزراء ووزير الإتصالات، لذلك، نحن في هذا الوقت بالذات ندعو الى التطبيق السريع، واستصدار هذه المراسيم وتطبيق مفاعيلها المالية فورا”. وأوضح ان نقابة أوجيرو دعت الى اجتماع طارىء فوري مساء في المؤسسة “لنقل هذه الأجواء الإيجابية والتصرف وفق مضمونها”.
ولكن مصادر نقابية أبلغت “النهار” مساء ان اجتماع نقابة موظفي اوجيرو مع رئيس الحكومة والوزير القرم كان سلبيا ومتوترا ولم يصل الى نتائج تستجيب لمطالب الموظفين بما يرجح الاتجاه الى التصعيد .
ترافق ذلك مع تطور مقلق تمثل في تعطل ارسال شبكة “الفا” صباحا. وبعد الظهر، اعلنت الشركة أن خدمة الإنترنت عادت الى طبيعتها “بعد توقف قسري بسبب أعطال على شبكة أوجيرو”.
وفي سياق اخر سجلت أسعار المحروقات مزيدا من الارتفاع اذ ارتفع سعر صفيحة البنزين بنوعيه 95 و98 اوكتان 6000 ليرة، والمازوت 8000 ليرة، فيما استقر سعر الغاز.
وسط هذه الأجواء عقد اجتماع في عين التينة بين رئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس ميقاتي استمر زهاء نصف ساعة جرى خلاله عرض للاوضاع العامة لا سيما موضوع الموازنة العامة وشؤون تشريعية .واكتفى ميقاتي بعد اللقاء بالقول “التقيت الرئيس بري وتناول البحث موضوع الموازنة العامة وامكانية أن تكون أمام مجلس النواب الاسبوع المقبل” .
رد باسيل
وفي غضون ذلك فتح النائب باسيل ملف النظام ضمن رده على المواقف الأخيرة لبري وميقاتي وجعجع، فاعتبر ان “نظامنا الحالي هو مصدر ضعف لوحدة لبنان ولقيام الدولة ويولد المشاكل لا الحلول، ونحن نملك مشروعا مكتوبا نطرحه للنقاش، وهو يولد الحلول، وللأسف نعيش اليوم في نظام “ما خلونا” ونريد ان ننتقل منه لنظام “يخلينا”. ورأس هذا النظام والمنظومة المتحكمة فيه، يمارسون سياسة الـ”ما خلونا”، وبدلا من أن يخجلوا، يرمون ما فيهم علينا بكل وقاحة”. واعتبر أن “المنظومة كلها متفقة على عدم اقرار الكابيتال كونترول لأنها مازالت لليوم تهرب الأموال للخارج وتعتبر الأمر شرعيا لأن لا قانون يمنع ذلك، وغدا يقولون بأن التيار لا يريد الكابيتال كونترول”. وبالنسبة لموضوع الحكومة رد على رئيس الحكومة المكلف “الذي أعلن سابقا أنه يتولى صلاحيات رئيس الجمهورية بظل الفراغ، ونكرر أنها حكومة ناقصة الصلاحيات وحكومة فاقدة لشرعية البرلمان الجديد، ولن نعترف بشرعية الحكومة المستقيلة بعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية، وسنعتبر الحكومة عندها مغتصبة سلطة وفاقدة للشرعية وساقطة مجلسيا ودستوريا وميثاقيا وشعبيا، ولو اجتمع معها من اجتمع، ولو اجتمع العالم كله على دعمها ضدنا وسنعتبرها غير شرعية “ما تجرونا الى ما لا نريده”، وليتفضل رئيس الحكومة لتأليف حكومة بحسب الأصول بالشراكة مع رئيس الجمهورية، وليس بالفرض او بالفتات، فتاريخ ميشال عون لا يمحى بشهرين”. وقال: “الفلتان المالي بإدارة المصرف المركزي، وتزوير البيانات المالية، وتحويل عمليات شراء وبيع أسهم بمصارف وتمويل رئيس حكومة وسياسيين لذلك كذلك تعطيل الهيئة العامة للتمييز ومنع قضاة من إصدار أحكام في المرفأ، هذه كلّها جرائم ضد الانسانية، ويحاكمون عليها”. وفي رده على بري قال: “من يطالب برئيس يجمع، عليه أن يكون هو يجمع أولاً، ولو كان فعلاً صادق بفكرة الجمع لما رضي بأن يُنتخب هو بـ 65 نائبا ومن دون حيثية مسيحية. فاقد الشيء لا يعطيه، ولا حتى يطلبه او ينصح به”. وأضاف:”نحن لسنا بنظام رئاسي صحيح، نحنا في نظام برلماني، ولكن لا نقبل ان نكون بنظام مجلسي، وبرفع الايدي، نريد نظاما برلمانيا برفع الرؤوس”.
وتابع :”يلّي بيتمتع فقط بشرعية سنية او شيعية، ما يتفلسف على العالم بالشرعية الوطنية، وهو كل هدفه الاتيان برئيس ضعيف ويرجع للـ 90 ليقدر يمسك ويحكم، ونرجع للترويكا الواقفة على ركيزتين مع اجر كرسي مسيحية”.
وردًا على جعجع، قال باسيل: “بدّو الواحد يكون فايت بالتاريخ ليقدر يطلّع العالم منه، وبدّو واحد يكون تاريخه غير قتل اطفال ورؤساء حكومات وزعماء ورجال دين واقارب ومقاتلين شرفاء وغير عمالة وقبض اموال عليها من الخارج ليقدر يحكي عن التاريخ . ميشال عون ما رح يطلع من التاريخ، ولا من الجغرافيا باستمراره فينا، ولا من قلوب الناس ولا من العقد النفسية المريضة”.
محقق رديف!
وسط هذه الأجواء وافق مجلس القضاء الأعلى امس على مبدأ تعيين قاضي تحقيق رديف في ملف انفجار المرفأ . وأفادت مصادر قضائية ان مجلس القضاء الأعلى وافق على هذا الاجراء على ان يقترح وزير العدل هنري خوري اسم القاضي تمهيدا لابداء مجلس القضاء رأيه وذلك الى حين ان يتمكن قاضي التحقيق العدلي طارق بيطار من وضع يده على الملف . وهي المرة الأولى التي يتخذ فيها مثل هذا القرار على ان تقتصر مهمة القاضي الرديف الذي سيتم اقتراحه من وزير العدل على بت طلبات التخلية فحسب . وجاءت موافقة مجلس القضاء الأعلى على هذا الاجراء بناء على اقتراح عاجل من وزير العدل بما اثار الاعتقاد بانه يمهد لاطلاق سراح بدري الضاهر . وأبدت أوساط قضائية خشية من ان يحمل قرار مجلس القضاء الأعلى القاضي بيطار على الاستقالة .