فادي عيد – الديار
يلاحظ أن هناك غياب تام لأي مسعى عربي أو غربي، أو هناك أي حركة تشي بأن جهوداً دولية وعربية تبذل لمساعدة لبنان في ما يعانيه من أزمات وظروف صعبة، هي الأخطر في تاريخه المعاصر. لذا، تُطرح التساؤلات حول هذه الأسباب التي أدّت إلى ترك لبنان وحيداً، بخلاف ما كان يحصل في كل المراحل والمحطات التي مرّ بها، وتحديداً في الحروب التي شهدها والمفاصل التي مرّت في أكثر من حقبة، ما استدعى حينذاك مساندة ومساعدة من كان لها الدور الأساس في إرساء تسويات ومصالحات وإجراء الإستحقاقات الدستورية في مواعيدها، وبالمحصلة دفع اللبنانيين إلى التوافق على مرشّح إجماع وطني.
في هذا الإطار، تكشف المصادر المواكبة لهذا المسار، أن فرنسا تبقى الدولة الأبرز التي تتولى إدارة الملف اللبناني بتفويض عربي وغربي، لا سيما من الولايات المتحدة الأميركية، ولكن ما استُجِدّ في الآونة الأخيرة أدى إلى تقليص هذا الدور، وأحيانا إختفائه عن الساحة الداخلية، إلى أن بدأت تُطلق المواقف في الأيام الماضية، بداية من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي حذّر من زوال لبنان، وأكد على استمرار بلاده في دعمه، ليُرفَق ذلك بموقف من قبل وزيرة الخارجية الفرنسية الجديدة كاترين كولونا، التي بدورها أعربت عن قلقها لما يحصل في لبنان، مؤكدة على أن الدور الفرنسي سيبقى مستمراً. وبناء عليه، هل هناك من صيغة ما تعدّها باريس بالتكافل والتضامن مع الدول المعنية بالملف اللبناني، لا سيما واشنطن وبعض دول الخليج؟
هنا، وفي هذا الإطار، ثمة معطيات عن تشاور يجري بين الفاتيكان وباريس لهذه الغاية، في ظل ما ينقل عن قلق وهواجس تعتري كبار المسؤولين الفاتيكانيين حيال الملف اللبناني، ووسط استياء من دوائر عاصمة الكثلكة في العالم، من الأطراف اللبنانية التي لم تَعِ حتى اليوم ما يحيط ببلدها من انهيار وجوع وأزمات، وصولاً إلى عودة السجال والخلافات بين القوى المسيحية، وهذا ما ترك أثراً سلبياً لدى الكرسي الرسولي.
ويشدّد الفاتيكان، وفق المقرّبين، على ضرورة إجراء الإنتخابات الرئاسية في موعدها الدستوري المحدّد، وهذا ما يتماهى مع الموقف الفرنسي، وحيث ستنقله إلى كبار المسؤولين اللبنانيين السفيرة الفرنسية آن غريو، التي عادت من إجازتها الصيفية، حاملة معها رسائل شفوية لكبار المسؤولين اللبنانيين، تحدّد الموقف الفرنسي من التطورات اللبنانية، وأبرز هذه العناوين التي ستشدّد عليها، تتمثل بحرص فرنسا على ضرورة إجراء الإنتخابات الرئاسية في الموعد الدستوري المحدّد، بعيداً عن أي تأجيل أو فراغ رئاسي، لأن ذلك سيرتّب على لبنان محاذير وعقوبات، وسيفاقم في الوقت عينه من حجم أزماته ومشاكله الإقتصادية والمالية.
وفي الإطار عينه، فإن ما تقوله السفيرة غريو، كذلك سينسحب على معظم سفراء الدول المعنية بالوضع اللبناني، في ظل حرص مشترك من هذه الدول على إجراء الإنتخابات الفرنسية، ومن ثم الشروع في الإصلاحات المالية والإدارية ليحظى لبنان بالدعم المطلوب، ولكن، وفي موازاة التحرّك المرتقب للعواصم التي تواكب وتتابع الشأن اللبناني الداخلي، فإن المخاوف تبقى قائمة ربطاً بما يجري من قرع لطبول الحرب في المنطقة وتفاقم الأزمات، وتحديداً ما يحصل في العراق، إضافة إلى التهديدات «الإسرائيلية» والمناورات التي تجري في الجولان وعلى الحدود اللبنانية ـ «الإسرائيلية»، وتفاقم الأوضاع على الساحة المحلية بفعل حالة الإنقسام الداخلي، فكل ذلك له محاذيره على أي تحرّك عربي وغربي في حال لم يكن هناك من تسوية مدعومة دولياً وإقليمياً، وإلا ستبقى الأمور على ما هي عليه من تصعيد في السياسة، وقلق على عدم إجراء الإنتخابات في موعدها، والأمر الأخطر يكمن في هذا الإنحدار الإقتصادي المتمادي، بحيث قد يتبلور كل ذلك في الأيام القادمة على ضوء ما يجري لبنانياً وعربياً ودولياً، وحينها قد تتّضح هذه الأجواء حول مصير لبنان في هذا الصراع الدولي.