الأحد, نوفمبر 24
Banner

غياب الثقة يقوّض المبادرات

كتب خالد ابوشقرا – نداء الوطن : تنفس الصناعيون الصعداء عندما أُعلن في أواخر تموز عن “صندوق أوكسجين”. بيد أن التأخر في إنطلاقته الفعلية بدأت تثير في بعض الأوساط الإقتصادية تساؤلات عن إمكانية نجاحه وقدرته على الوصول إلى الأهداف الكبيرة التي رسمها، وعما إذا كانت مساهمة مصرف لبنان بقيمة 175 مليون دولار ستضيع في اللوكسمبورغ ويخسرها الإقتصاد من دون أن تستفيد منها الصناعة.

لم يتردد مصرف لبنان، الذي يقنّن بما تبقى من إحتياطات عملات أجنبية، في دعم “صندوق أوكسجين” لتمويل واردات الصناعة الوطنية، فحوّل إلى حساب الصندوق في اللوكسمبورغ مبلغ 175 مليون دولار نقداً. البادرة التي قد تكون عن حُسن نية، لتشجيع بقية المستثمرين على المساهمة بالصندوق ورفع رأسماله إلى حوالى 750 مليون دولار أميركي، إصطدمت بحسب أحد الأوساط المتابعة بعائقين: الأول، هو عدم قدرة مطلقي الصندوق على جذب مساهمات جديدة من المستثمرين الأجانب. والثاني، عدم إبداء الصناعيين اللبنانيين إهتماماً جدياً بالتسجيل والانتساب إلى الصندوق. حيث بقي عدد الطلبات المقدمة محدوداً جداً بالمقارنة مع المطلوب. فكانت النتيجة تجميد مبلغ مالي ضخم في الخارج.

هل الأموال عرضة للحجز أو الذوبان؟

خلق الصناديق التمويلية يَفترض، بحسب الخبراء، “تجميع الإلتزام بالدفع من مختلف الأطراف إلى حين جهوز الصندوق، عندها تبدأ عملية ضخ الأموال”. وهذا ما لم يحدث مع “صندوق أوكسجين” حيث حول مصرف لبنان الأموال، قبل أن يلتزم أي طرف ثان أو ثالث بالتمويل، ووضعها في عهدة الشركة المحدودة المسؤولية “ش م م” التي تدير المنصة. وهو ما يمكن أن يعرض الاموال للحجز من قبل الدائنين الدوليين أو صناديق التحوط الاستثمارية التي تملك سندات “يوروبوندز”، مثل “أشمور” أو “فيديلتي” أو غيرها. وحتى انه يمكن للأشخاص غير المقيمين الذين جرى حجز أموالهم في لبنان، أن يطالبوا بتحصيل ودائعهم من الأموال التي أخرجها مصرف لبنان ووضعها في الخارج. وفي جميع الأحوال فان مبلغ 175 مليون دولار تقتطع منه نسبة معينة تتراوح بين 1.5 و2 في المئة لتمويل أكلاف المنصة من أجور وخدمات وتوظيفات وغيرها، بقيمة قد تصل سنوياً إلى حدود 3 ملايين دولار.

هذا التخوف من حجز الأموال تنفيه أوساط مصرفية مطلعة لان ملكية اليوروبوندز تعود للدولة اللبنانية وليس لمصرف لبنان. وان الأخير هو كيان مستقل. ولو كانت أملاكه عرضة لملاحقة الدائنين لكان تم الحجز على طيران الشرق الأوسط أو الذهب، أو حتى على الاحتياطيات بالعملات الأجنبية الموجودة في المصارف المراسلة والتي تقدر قيمتها بالمليارات.

الإنطلاقة بطيئة

منذ أواخر تموز ولغاية اليوم لم تنجح جهود القيمين على “منصة أوكسجين”، في جمع أموال إضافية لتمويل عمل الصندوق. البعض يعزي السبب إلى إحجام مؤسسات التمويل الخارجية في الدخول بمشاريع استثمارية يكون فيها مصرف لبنان شريكاً. فالأخير عرضة لتدقيق جنائي. وهناك شبهات كثيرة حول العمليات المالية التي اضطلع بها على مدار السنوات الماضية. في حين تشير أوساط مطلعة على ان المؤسسات التمويلية مثل IFC وEBRD موجودة لكنها لن توظف اموالها قبل استعمال الصندوق المبلغ الموجود في حوزته أساساً. والصندوق لن يبدأ بالعمل فعلياً إلا بعد تقدّم الصناعيين بطلبات إستفادة من خدماته. وهذا ما شهد في الفترة الماضية بعض التأخير الناتج عن طريقة عمل الصندوق التي كانت معقدة بالنسبة لكثير من الصناعيين اللبنانيين، فاحجموا عن تقديم الطلبات في البداية. أما اليوم فان ما يجري، بحسب الصناعي بول أبي نصر، هو “تبسيط العلاقة مع الصندوق وحصر التعامل بالدولار، بحيث يأخذ الصناعي تسهيلاً مالياً تجارياً لمدة 3 أو 6 أشهر ويعيده بالدولار مع بعض الفوائد. وهو ما يشكل أمراً فائق الأهمية في ظل عدم قدرة المصارف على تمويل العمليات التجارية للصناعيين وحجز أموالهم”. وبحسب المعلومات فان الصندوق باشر باعطاء عدد من الصناعيين قروضاً أو تسهيلات تجارية كانوا قد تقدموا بها.

الصناعي د. خليل شري اعتبر ان “الصندوق بحاجة لان يعطى المزيد من الوقت لتبيان نتائجه. ذلك أن الآليات التنفيذية تتطلب ما لا يقل عن 6 أشهر لتبدأ تعطي ثمارها”. ما يعني ان خير الصندوق لن يظهر قبل مطلع العام القادم. شري الذي يوافق على ان مبلغ 175 مليون دولار لوحده لا يكفي لتمويل حاجات الصناعة الوطنية، يعتبر ان “استرداده يشكل خسارة مزدوجة. أولاً، بالنسبة إلى الصناعة والصناعيين الذين يعلقون آمالاً كبيرة على نجاح المبادرة، وتأمين ما يلزم من العملات الأجنبية لشراء المواد الأولية. وثانياً، لأن أي توظيف إضافي في الداخل كما يحدث اليوم يشكل هدراً للموارد المالية، ويسبب المزيد من ضياعها لحساب منظومة محددة ما زالت تستفيد من آليات الدعم. ويكفي، من وجهة شري، النظر إلى “الدعم وما يستنزفه شهرياً من العملات الأجنبية المتبقية في مصرف لبنان”. بحيث ان 175 مليون دولار لا تشكل أكثر من 25 في المئة من كلفة الدعم الشهرية. وعليه فان الاحتفاظ بها في الخارج إلى حين توفر الشروط المناسبة لإطلاق الصندوق أضمن للصناعة الوطنية.

عبء “المركزي”

دعم الصناعة الوطنية ومساعدتها على تأمين المواد الاولية والقروض الميسرة كانت تستحق مثل هذه المحاولة، بيد أن عدم توفر شروط نجاحها كان يفترض على مصرف لبنان استعادة المبلغ وتوظيفه بما يخدم الاقتصاد عامة والصناعة خاصة بطرق مختلفة. إلا إذا كان الهدف المخفي هو إخراج هذا المبلغ لاغراض لا تتعلق بدعم الصناعة أو حتى تمويل الصندوق”.

الاتفاق على أهمية دعم الصناعة بين مختلف الأطراف، تقابله قلة ثقة قل نظيرها بسياسات مصرف لبنان وكل مشروع يدخل فيه شريكاً. فالتخوف الأساسي عند البعض هو أن يكون مصرف لبنان قد عمد إلى إخراج هذا المبلغ بحجة دعم الصناعة. وفي حال عدم نجاح المبادرة فبامكانه التصرف بالمبلغ لتسديد دفعات خارجية من دون أي قيود، خصوصاً ان العقد الموقع مع “سيدر أوكسجين” ينص على امكانية استعادته للمبلغ. وبغض النظر عن إمكانية حدوث خرق من هذا النوع فان مصرف لبنان تحول من ركيزة وقاعدة ثقة تحتم على أي مبادرة الإنطلاق منها إلى عبء على الإنقاذ، وبخاصة على مبادرات مهمة واستراتيجية وأساسية وحيوية مثل مبادرة “أوكسجين فاند”.

المبادرات الخلاقة التي تدل على إبداع اللبنانيين وتعلقهم بوطنهم تصطدم مرة جديدة بحائط تراجع الثقة بسياسات المركزي. ومبادرة “أوكسجين فاند” كانت لتشكل مدخلاً كبيراً للانقاذ السريع لو لم تكن أزمتنا مثلثة الرؤوس وموزعة على مصرف لبنان والمالية العامة والقطاع مصرفي.

Leave A Reply