حسن الدر-
ثمّة عالمان، سياسيّ وإعلاميّ، متوازيان وربّما متناقضان في آن، فما يقوله صنّاع القرار السّياسيّ أو القريبون منهم يكاد يكون مناقضاً لما تضجّ به وسائل الإعلام من تحليلات وتسريبات، وحكايا يتفنّن البعض في حبكها، ليس للإثارة الإعلاميّة فقط، بل لتمرير الرّسائل المشفّرة بين السّطور المفبركة!
في جلسة مطوّلة مع أحد قياديي الظّلّ، كما يحبّ أن يبقى، وإن كان يتولّى منصباً رسميًّا، لكنّه يحرص على الظهور كزملائه، وبعضهم طارئ على العمل السّياسيّ ويحتلّ حيّزاً واسعاً من الظّهور الإعلاميّ، إلّا أنّه مخضرم، بكلّ ما تحمل العبارة من معنى، فهو أحد الأوائل الّذين ساهموا في صناعة مرحلة ما بعد الطّائف، وله باع طويل في العمل السّياسيّ والحزبيّ منذ ثمانينات القرن الماضي!
وهذه الخبرة المتراكمة، معطوفة على قدرة هائلة على تحليل الأحداث وربط خيوطها ببعضها، تمكّنه من نسج صورة واضحة عن آفاق المرحلة القادمة.
صاحب العقل البارد والأعصاب الهادئة يترفّع عن الخوض في بازارات الخطابات ذات السّقوف العالية، فيعلّق باقتضاب على كلام رئيس التّيّار الوطنيّ الحرّ «جبران باسيل» فيصفها باستغاثة العاجز الّذي يبحث عن قشّة خلاص تجنّبه وتيّاره الملاحقات والاستهدافات المباشرة في المرحلة القادمة، وهذا سقف ما يرجوه باسيل وفريقه من كلّ الجلبة الّتي يحدثها على أعتاب نهاية عهد الرّئيس ميشال عون.
ولأنّ الانتخابات الرّئاسيّة هي الشّغل الشّاغل للقوى السّياسيّة الوازنة، يبستم القياديّ عند سؤاله عن توقّعاته لمدّة الفراغ القادم، فيقول، معاكساً كلّ الأجواء الإعلاميّة السّائدة:
– لا أرى فراغاً في رئاسة الجمهوريّة، وإذا حصل شغور رئاسيّ فلن يتعدّى نهاية السّنة الحاليّة، وذلك لإنضاج انتخاب يؤمّن الحدّ الأدنى المطلوب للتّوافق على الرّئيس العتيد!
ورغم رفضه القاطع بالاسم المحتمل إلّا أنّه يصرّ على أن أسهم الوزير السّابق «سليمان فرنجيّة» هي الأعلى، ولا يرى منافساً حقيقيًّا له الآن ولا في المدى المنظور، ما دامت الأمور الدّوليّة والإقليميّة على حالها، ومن المرجّح أن تبقى كذلك.
أمّا عن قائد الجيش جوزيف عون، فيقول:
– للرّجل سيرة عسكريّة ومهنيّة جيّدة، لكن حسابات الرّئاسة مختلفة، وليس في الوارد أن يحظى بدعم حزب الله كما أشيع مؤخّراً.
ولكن، هناك حراك يقوده رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع لتشكيل قوّة نيابيّة تمنع فريق المقاومة من إيصال المرشّح الّذي يطمئنه، وقد ألمح أحد النوّاب الجدد إلى احتمال اللّجوء إلى تعطيل جلسات الانتخاب، يقول:
– جعجع ومن معه غير قادرين على الاجتماع حول رأي واحد، وقرار النواب الجدد ليس واحداً لأنّ بعضهم مرتبط بإحدى الدول الفاعلة في الملف اللبنانيّ، وهذه الدّولة تريد رئيساً بأسرع وقت ممكن.
وعن تأليف حكومة جديدة، والضّجّة المثارة حول حكومة تصريف الأعمال، ومشروعية استلامها مهام الرّئاسة الأولى يقول:
– ليس هناك أخطر من استسهال الحديث عن خرق الدّستور، بل تجاوزه، هذه مؤشّرات مميتة إذا أقدم عليها الّذين يلوّحون بها، ولكنّني أضعها ضمن نداءات الاستغاثة لضمان المستقبل السّياسيّ بعد نهاية العهد.
ولكن، كيف سينزل هؤلاء عن شجرة المواقف العالية؟
– عبر القبول بتشكيل الحكومة وفق شروط ميقاتي، أي حكومة من ٢٤ وزيراً على أن يسمّي الرّئيس عون وزيريّ الاقتصاد والمهجّرين كما اقترح ميقاتي سابقاً. الحكومة الجديدة تلغي مفاعيل كلّ المواقف الرّاهنة.
وهل هناك ربط بين انتخاب رئيس للجمهوريّة وترسيم الحدود البحريّة؟ وفي إزاء مماطلة هوكشتاين والعدوّ الإسرائيلي، هل نحن ذاهبون إلى الحرب؟
– ترسيم الحدود انتهى تقنيًّا، ثمّة تفاصيل جانبيّة يتمّ العمل عليها، نعم هناك ربط بانتخابات الكنيسيت الإسرائيليّ، أمّا عن إمكانيّة نشوب حرب بسبب التّرسيم فلا ننسى أنّ موقف لبنان الموحّد وتدخّل المقاومة فرض على العدوّ تأجيل الاستخراج من حقل كاريش وهوكشتاين يعمل مع شركة توتال على صيغة لبدء التّنقيب في لبنان قبل التّرسيم، وهذا إنجاز لا يجب الاستهانة به.
على قاعدة «المجالس بالأمانة»، هذا ما ودّ القياديّ نشره، وثمّة حقائق ووقائع نكشفها وتكشفها الأيّام والأشهر القادمة، وللحديث صلة!