عزة الحاج حسن – المدن
كفّ مصرف لبنان يده كليّاً عن ملف قطاع المحروقات، تاركاً مسألة تسعير البنزين رهن دولار السوق السوداء وتوفره. وعلى الرغم من انعدام جدوى استمرار الدعم عبر منصة صيرفة، غير أن رفع الدعم كلّياً سيفتح الباب على أزمة جديدة، هي أزمة التسعير للمستهلك. أزمة قد تعيد مشهد إغلاق المحطات أبوابها مراراً وتكراراً.
أزمة مقبلة
مع رفع الدعم كلّياً عن البنزين باتت عملية التسعير مرتبطة تلقائياً بسعر صرف الدولار في السوق السوداء. وهنا لا نتحدث عن تسعير البنزين والمحروقات في الجدول الصادر عن وزارة الطاقة، إنما عن تسعير البنزين المستورد والواصل إلى المحطات. بمعنى، أن الشركات المستوردة للمحروقات بات عليها تأمين كامل تكلفة البضائع بالدولار من السوق السوداء وليس عبر منصة صيرفة أو مصرف لبنان، وبذلك بات سعر طن البنزين كما المازوت مربوطاً بسعر صرف الدولار في السوق السوداء.
هذا الواقع يفتح الباب على أكثر من أزمة، الأولى ترتبط بغياب مرجعية تسعير الدولار في السوق السوداء، والثانية ترتبط بآلية تسعير المحروقات على المحطات أي الواصلة للمستهلك.
دولار السوق السوداء
بالنسبة إلى ربط أسعار المحروقات بسعر صرف الدولار في السوق السوداء، فتسعير البنزين من قبل الشركات المستوردة للنفط سيتم على غرار المازوت، الذي رُفع الدعم عنه في وقت سابق. لكن السؤال من هو صاحب القرار في تحديد سعر الدولار؟ من هي المرجعية في تحديد سعر دولار السوق السوداء المعتمد في تسعير المحروقات؟ الجواب لا مرجعية. فدولار السوق السوداء يتفاوت بين صراف وآخر وبين تاجر وآخر، كما يتفاوت على مدار الساعات في كثير من الأحيان. يتأثر سعره بالأحداث والمضاربات وحتى بعمليات الطلب عليه.
بالنتيجة، يصعب تحديد سعر صرف الدولار استناداً إلى تطبيقات إلكترونية يديرها سماسرة وتجار عملة ومضاربون. كما أن تسعيره صباحاً قد يختلف عما يمكن أن يسجّله ليلاً. فكيف سيتم التعامل مع تسعير المحروقات بهذه الحالة. لاسيما أن الدولار والمحروقات دخلا اليوم في حلقة مفرغة تقوم على ارتفاع سعر الدولار مع تزايد الطلب عليه لاستيراد المحروقات في مقابل ارتفاع أسعار المحروقات مع ارتفاع سعر صرف الدولار. باتت العلاقة ثنائية الأطراف لا يمكن فكّها من دون وجود سعر صرف واضح للدولار، لا سيما أن تكلفة استيراد المشتقات النفطية الإجمالية تبلغ نحو 4 مليارات سنوياً.
التسعير للمستهلك
أما لجهة تسعير المحروقات للمستهلك، ففي حالة المازوت الذي رفع الدعم عنه سابقاً، فلا بد من التذكير أن محطات المحروقات توقفت منذ أشهر عن بيع المازوت للأفراد في المحطة، أي بـ”المفرق”، وحصرت بيعه بالدولار الأميركي وبكميات لا تقل عن نصف طن (500 ليتر). والسبب، أن تسعير المازوت في جدول تركيب الاسعار يتم بالليرة، في حين أن المحطة تسدد ثمنه للشركات المستوردة بالدولار.
هذا الواقع ينطبق اليوم على البنزين. فعملية سداد ثمنه للشركات سيتم بالدولار حصراً، أما تسعيره للمستهلك في جدول تركيب الأسعار الصادر عن وزارة الطاقة فيتم بالليرة اللبنانية. من هنا تعترض المحطات على آلية تسعيره بالليرة لا سيما في ظل اللااستقرار بالليرة اللبنانية وتقلّبات سعر الصرف.
فمحطات المحروقات تتقاضى ثمن سعر البنزين من المستهلكين بالليرة، في حين أنها تسدد ثمن البضائع بالدولار، وبالتالي فإن تقلبات سعر صرف الدولار تُلحق بالمحطات في كثير من الأحيان بعض الخسائر، أو تقلّص بأحسن الأحوال من حجم جعالتها البالغة 25 ألف ليرة. وهو ما دفع بالعديد من المحطات إلى الإغلاق نهائياً.
هذا الواقع يدفع بأصحاب محطات المحروقات إلى المطالبة بتسعير المحروقات -خصوصاً البنزين- بالدولارز ونظراً لعدم إمكان التسعير بالدولار من قبل وزارة الطاقة لمخالفته القانون، تتجه الوزارة في المدى المنظور إلى التسعير بشكل يومي، وربما مرتين في اليوم، حسب ما تقتضي الحاجة بالنظر إلى تقلبات سعر صرف الدولار.