أكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تأييده “الجهود والحلول المنطقية لمعالجة الأزمة الاقتصادية الراهنة”، معرباً عن أمله في “ان ينقل انجاز ترسيم الحدود البحرية الجنوبية واستخراج الغاز من المياه الإقليمية البلاد الى مرحلة من الامل الواعد بالمستقبل”.
وشدد على “ضرورة بذل كل جهد لتشكيل حكومة جديدة او تدعيم الحكومة القائمة بستة وزراء دولة جدد من السياسيين، الامر الذي طرحه رئيس مجلس الوزراء المكلف في البداية، ثم تبدل الموقف”، مؤكدا “ضرورة ان يكون النظام منتجا ولا يسمح بالاهمال وعدم الكفاية لمعالجة الخلل القائم على المستويات كافة”.
كلام الرئيس عون جاء خلال استقباله قبل ظهر اليوم في قصر بعبدا، وفد الهيئات الاقتصادية اللبنانية برئاسة الوزير السابق محمد شقير الذي سلمه خطة التعافي المالي والاقتصادي التي وضعتها الهيئات والتي تتضمن “سبل إعادة أموال المودعين على مراحل، وذلك لاعادة البلاد الى طريق النهوض من جديد”.
بداية، تحدث شقير، فشكر للرئيس عون استقباله الوفد، لافتا الى أن “الهيئات الاقتصادية ارتأت اعداد خطة للتعافي المالي والاقتصادي تتضمن سبل إعادة ودائع المودعين، وقد ابتعدت فيها عن الشعبوية والشعارات”، مبديا “الاستعداد لمناقشتها مع فريق اقتصادي يختاره رئيس الجمهورية”، وقال: “لسنا اول بلد يتعثر لكننا البلد الأول والوحيد الذي لم يشهد محاولة معالجة التعثر، في ظل الخلافات السياسية القائمة التي اثرت بشكل كبير على مختلف النواحي الاقتصادية بالإضافة الى المؤسسات الوطنية والاستثمارات فيه”، كاشفا ان “الخطة اعدها فريق عمل من 13 شخصا ضم رؤساء قطاعات أساسية وخبراء اقتصاديين وقانونيين”.
ثم شرح عضو الوفد رئيس المجلس الوطني للاقتصاديين اللبنانيين صلاح عسيران جوانب الخطة، لافتا الى “محاولة الفريق الذي اعدها التزام الواقعية في نظرته الى الوضع المصرفي في لبنان وإعطاء الامل للمودعين باستعادة أموالهم على مراحل وذلك بعد الاتفاق مع صندوق النقد الدولي”، مؤكدا “ضرورة وجود حد ادنى من التوافق السياسي للسير فيها”.
وأشار الى ان الخطة “تأخذ في الاعتبار المسؤوليات المختلفة ومحاولات الحصول على مساهمة عادلة من مختلف الجهات المعنية، مع الإشارة الى انه بموجب الخطة ستخرج الدولة من عملية الهيكلة بنسبة الدين الى الناتج الإجمالي بحوالي 50 بالمئة، مما سيسمح لها بالعودة في المستقبل الى أسواق التمويل الدولية المتعددة الأطراف لتحفيز اقتصادها، وتعتمد المساهمة المتوقعة من الدولة في اطارها بشكل كبير على نجاح شركات إدارة الأصول وعلى سندات ليس لها تاريخ استحقاق فلا تثقل كاهلها”.
وردا على سؤال للرئيس عون، كشف عسيران انه “بموجب الخطة لا يحق للمواطنين حيازة اسهم في شركات الدولة لوجوب عدم حيازتهم حق بملكيتها”، كما كشف ان “هذه النقطة لا تزال موضع نقاش بين المعنيين، لا سيما في ظل رفض صندوق النقد الدولي استعمال أملاك الدولة لاعادة الأموال للمودعين. اما بالنسبة للمصارف فانه بعد إعادة رسملتها فيمكن تحويل جزء من الودائع لاسهم او حيازة المودع الكبير سندات فيها”.
كذلك، شرح الأمين العام للهيئات الاقتصادية رئيس جمعية تجار بيروت نقولا الشماس بعض النقاط المتعلقة بالخطة.
ورد الرئيس عون مرحبا بالوفد، مؤكدا انه يؤيد “كل اجراء علمي ومنطقي يعالج الازمة الراهنة”، معربا عن امله في ان “ينقل انجاز ترسيم الحدود البحرية الجنوبية واستخراج الغاز من المياه الإقليمية لبنان الى مرحلة من الامل الواعد بالمستقبل”، مشددا على “ضرورة بذل كل جهد لتشكيل حكومة جديدة، او تدعيم الحكومة القائمة بستة وزراء دولة جدد من السياسيين، الامر الذي طرحه رئيس مجلس الوزراء المكلف في البداية، وذلك نظرا لعدم وجود سياسيين في الحكومة القائمة، ثم تبدل الموقف”.
ثم دار حوار بين الرئيس عون والحضور، حيث سئل عن رد قانون تعديلات السرية المصرفية، فاوضح انه رد القانون ووضع عليه الملاحظات التي وجد انه من المناسب اضافتها.
وعن عدم اخذ موازنة 2022 بعين الاعتبار لأي خطة تنموية اقتصادية وضرورة إعطاء القطاعات المختلفة التحفيزات الضرورية لحماية الاقتصاد، أعاد الرئيس عون التذكير بـ”محاولات التضليل التي مارسها البعض لعدم الكشف عن واقع الليرة الحقيقي، والتهرب من التدقيق المالي الجنائي”، مؤكدا اننا “في مطالبتنا بهذا التدقيق لم نكن نريد الا البحث عن الحقيقة”.
وردا على سؤال، أشار الرئيس عون الى “التداعيات السلبية للاقتصاد الريعي على الواقع الاقتصادي للبلاد”، لافتا الى انه سعى منذ بداية عهده “للانتقال الى الاقتصاد المنتج”، وقد قوبل بما قوبل به “من عقم حكومي، وهو ما قوبلت به أيضا الإصلاحات ومقررات مؤتمر “سيدر”، بالإضافة الى معالجة عجز الموازنات وغيرها من القضايا والأمور”، مشددا على “ضرورة ان يكون النظام منتجا ولا يسمح بالاهمال وعدم الكفاية في أي حال من الأحوال”.
وضم الوفد الى الوزير السابق شقير والسيدين عسيران والشماس، كلا من رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة في طرابلس والشمال توفيق دبوسي، نائب رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان نبيل فهد، نائب رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان غابي تامر، نائب رئيس غرفة التجارة والصناعة في زحلة والبقاع منير التيني، رئيس اتحاد النقابات السياحية بيار الاشقر، رئيس غرفة التجارة الدولية-لبنان وجيه البزري، رئيس اتحاد المستثمرين اللبنانيين جاك الصراف، رئيس تجمع رجال وسيدات الاعمال اللبنانيين نقولا بو خاطر، رئيس جمعية شركات الضمان في لبنان ايلي نسناس، امين سر الهيئات الاقتصادية الفونس ديب والمستشار الضرائبي للهيئات الاقتصادية اللبنانية هشام المكمل.
شقير
بعد اللقاء ادلى شقير بالتصريح التالي الى الإعلاميين: “تشرفت الهيئات الاقتصادية بلقاء فخامة الرئيس، وقدّمت له خطة التعافي المالي التي تظهر كيفية إعادة الأموال الى المودعين. ونحن وجدنا أنه من واجباتنا ان نبادر، لأن المواطنين يسألون يوميا متى يسترجعون أموالهم، وكم من هذه الأموال سيتم استرجاعها، وعلى مدى كم سنة؟”.
اضاف: “لقد وضعنا خطة واقعية، قابلة للتنفيذ، وبعيدة عن الشعارات والشعبويات، لأن البلد لم يعد قادرا على الاستماع الى المزيد منها. ان هذه الخطة تمت دراستها بحضور اكثر من 13 شخصية من خبراء واقتصاديين، إضافة الى رجال قانون، لنرى ما اذا كان كل من الأرقام المطروحة قابل للتنفيذ وللتحقيق. ونحن نتمنى دعم فخامة الرئيس لهذه الخطة، ونأمل ان يضع الجميع الشعبوية جانبا، خلال أسبوعين، لنتمكن من انقاذ ما يمكن إنقاذه في هذا البلد”.
شماس
بعد ذلك، تحدث شماس فقال: “ان الهيئات الاقتصادية راغبة في المشاركة في التعافي الاقتصادي الوطني، فتراكم إنجازاتها واقتراحاتها مع خطة الحكومة السابقة. وقد وضعنا لهذه الغاية نصب اعيننا هدفين: حماية أموال المودعين، واطلاق النمو الاقتصادي في البلد. وقد ارتكزنا على عدد من المبادئ، من بينها: احترام الملكية الخاصة وتراتب المسؤوليات، لأن هناك اكثر من فريق مسؤول في البلد. وقد انطلقنا من رقم الودائع الدولارية الموجودة حاليا في المصارف، واذا ما حسمنا منها مبلغ التسليفات الى القطاع الخاص، يبقى حجمها مجتمعّة بحدود 84 مليار دولار، هو ما يجب إيجاد حل له”.
اضاف: “إن الحل الذي طرحته الهيئات الإدارية ينقسم الى 5 أجزاء: الجزء الأول حوالي 12 مليار دولار هي الفوائض على الفوائد التي تم دفعها بين سنة 2015 و2020 نتيجة الهندسات المالية والتي يجب ان يتم اقفالها على سعر 1500 للدولار. والجزء الثاني هو حوالي 16 مليار دولار، هي أموال تم تحويلها بعد 17 تشرين الأول 2019 من الليرة اللبنانية الى الدولار على سعر 1500 ولا يجوز ان تعود فريش، لأننا نكون بذلك نأكل من ودائع المودعين الأصليين. هذه الأموال ستعود في نهاية السنة السابعة على سعر صرف 8000 ليرة لبنانية للدولار”.
وتابع: “اما التدبير الثالث، فهو على غرار التعميم 158 وحجمه 19 مليار دولار، فسيتم بموجبه الرد الى أصحاب الودائع من قيمة 100 الف وما دون، ثلاثة ارباع أموالهم بالدولار والربع بالليرة اللبنانية على أساس سعر السوق. وستتحمل المصارف هذا التدبير، بنحو الثلث، ومصرف لبنان بالثلثين. ويبقى التدبير الرابع، فيقع حصرا على عاتق المصارف، وكلفته نحو 7 مليار دولار، هناك 4 مليار منها فريش ستتم اعادتها على امتداد 5 سنوات، و3 مليار دولار ستعاد الى المودعين على شكل سندات يصدرها المصرف او أسهم فيه. والجزء الخامس، وهو الأبرز في الخطة، فهو مساهمة الدولة في إعادة جزء من الأموال الى المودعين، وحجم هذا الجزء 30 مليار دولار، ستنشىء الدولة شركة قابضة: “هولدنغ”، وتحفظ فيها ملكية نحو 15 مؤسسة عامة في مختلف القطاعات من الكهرباء الى الماء والاتصالات وصولا الى شركات سيادية يتم انشاؤها في ما بعد. نحن نقول بشكل واضح ان أموال الدولة ستبقى لها، ولكن إدارة هذه الشركات ستكون لدى القطاع الخاص. وعندما تنتج هذه الشركات مردودا اعلى من المستويات العالمية، فإن هذه الأموال تذهب لتغذية صندوق دفع أموال المودعين. وكل مودع لديه سند، لا يكون سند دين إنّما يخوله على فترة 10 الى 12 سنة ان يستعيد أمواله بالكامل. والميزة الاساسية لهذا التدبير انه ليس دينا إضافيا على الدولة، ولا يشكل أعباء إضافية. ونقطة التفاوض الكبيرة مع صندوق النقد ستكون حول هذه الموضوع. وإذا ما سارت هذه الأمور على ما يرام، والظروف السياسية والاقتصادية كانت مؤاتية، يمكن للمودع اللبناني ان يستعيد 74% من أمواله”.
حوار
وسئل شقير عن غياب ممثل عن جمعية المصارف ضمن أعضاء الوفد، أجاب: “لدى الدكتور صفير التزام، ونحن علمنا بالأمس بموعدنا مع فخامة الرئيس. لكن جمعية المصارف مواكبة لهذه الخطة، وموافقة عليها. ونحن ما اردنا القيام به، هو عدم التفرد بأمر لوحدنا. فإذا استفردنا برأينا، وصندوق النقد لم يوافق عليه، او وضعنا تصورا والمصارف ليس باستطاعتها التحمّل، فكأننا لم نقم باي امر. نحن حمّلنا المصارف المسؤولية، ولكن علينا ان نحافظ على قطاعنا المصرفي. واكبر جريمة يرتكبها من يعتقد انه يجب افلاس القطاع المصرفي، فلا اقتصاد ولا لبنان ولا بلد ولا شركات ولا قطاع خاص من دون قطاع مصرفي قوي. ان خطتنا مبنية على ارقام ووقائع. والمواطنون شبعوا شعارات. كيف علينا ان نعيد اموال المودعين؟ نحن بقينا عشرات وعشرات الساعات، لنرى ما اذا كان اي رقم قابلا للتحقيق من دون ان يؤدي الامر الى أي تضخم. وأكثرية الذين استمعوا الى الخطة يدعمونها لأنها تحاكي الواقع”.
وسئل عن الصدى الذي يتلقونه بعد عرض الخطة، أجاب: “كما قلت، هناك دعم للخطة، لأنه ليس فيها شعارات ولا شعبويات. نحن نريد ان نجد حلا. وكهيئات اقتصادية نحن مسؤولون عن القطاع الخاص وعن اقتصاد البلد، ونرى انه لو توصلنا الى نوع من اتفاق سياسي يمكننا ان نخرج من الازمة. نحن لسنا اول بلد يعاني من انهيار اقتصادي، لكننا اول بلد انهار منذ 3 سنوات، ولم نقم بعد بأي امر. هذه هي الجريمة بحق المودع والشعب اللبناني”.