عزة الحاج حسن – المدن
بعد اقتحام المودعة سالي الحافظ يوم الأربعاء الفائت بنك لبنان والمهجر فرع السوديكو، وتمكّنها من سحب جزء من وديعتها بالدولار النقدي، كرّت سبحة اقتحامات المصارف من قبل مودعين، فسجّل اليوم الجمعة 16 أيلول قرابة 7 عمليات اقتحام لفروع مصرفية في بيروت وبعبدا والشوف والجنوب.
بدت الساحة المصرفية في الساعات الماضية أشبه بساحة حرب فعلية، مع عدم تسجيل أي أضرار بشرية، لحسن الحظ، بين المودعين وموظفي المصارف. هي حرب استعادة الودائع كما وصفتها جمعية المودعين، التي بدأت تحشد المودعين بشكل علني لاقتحام المصارف واسترداد الحقوق بالقوة تحت راية “حق الدفاع المشروع”.
وبعيداً عن مدى أحقية المودعين باقتحام المصارف واسترداد ودائعهم بالقوة، وما يمكن أن يشيعه هذا المشهد من قلق وخوف من انفلات الوضع الأمني، لا بد من الاعتراف بأن تجاهل السلطة والمصارف لحق المودعين بالحصول على تطمينات وضمانات بحماية ودائعهم والتفاوض معهم على كيفية استردادها، وفي ظل عدم اتخاذ أي خطوة منذ 3 سنوات باتجاه حل الأزمة المصرفية، وتواطؤ القضاء وانحيازه في الغالبية الساحقة من القضايا إلى جانب المصارف.. كل ذلك دفع بشكل أو بآخر إلى ما تشهده المصارف اليوم من عنف واسترداد للحقوق بالقوة.
إجراءات أمنية
منذ بداية الأزمة ومع تصاعد حدّتها بين المودعين والمصارف، لم تلعب السلطة السياسية في لبنان سوى دور المتفرّج، وكأن لا يد لها بكل تلك الفوضى. ورغم انحلال الرادع الأمني بين المودعين والمصارف، لم تحرّك السلطة ساكناً. لا بل استمر مجلس النواب بمناقشة الموازنة العامة 2022، وهي الموازنة فاقدة الصلاحية والجدوى، بالتزامن مع اقتحامات المصارف في عدة مناطق.
غياب السلطة اخترقته مبادرة لوزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بسام المولوي دعا فيها إلى عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن الداخلي المركزي، للبحث في الإجراءات الأمنية التي يمكن اتخاذها في ضوء الأحداث المستجدة على المصارف.
وفي حين أكد المولوي اتخاذ إجراءات مشدّدة تهدف إلى حماية البلد والمودعين وليس المصارف، توجّه إلى المودعين بالقول “إنّ حقوقكم لا يمكن أن تستردوها بهذه الطريقة لأنّها تهدم النظام المصرفي وتؤدي إلى خسارة بقية المودعين لحقوقهم”. كاشفاً عن أن هناك جهات تدفع الناس إلى تحركات ضدّ المصارف، رافضاً الإفصاح عن التفاصيل لسرية التحقيق وللتعامل بحكمة مع الموضوع.
وإذ تحفّظ المولوي عن الكشف عن تفاصيل الإجراءات التي سيتم اتخاذها، استبقت بعض المصارف ذلك باتخاذ إجراءات فورية منفردة ومنها بنك سوسييتيه جنرال SGBL. وتمثلت الإجراءات الفورية بإرسال رسائل نصية للعملاء المصرفيين تبلغهم فيها بأنه من الآن فصاعداً لا يمكنهم الحضور إلى المصرف من دون أخذ موعد مسبق من مستشار خدمة الزبائن.
ما يعني أن المصارف تتجه إلى إغلاق أبوابها في وجه المودعين بشكل شبه تام والعمل على تسيير معاملاتهم بشكل إفرادي بعد تحديد مواعيد حضور لكل عميل مصرفي.
موقف المصارف
الإجراء الفوري الذي اتخذته بعض المصارف وحصرها حضور العملاء بالمواعيد المسبقة، لم يمنع جمعية المصارف من اتخاذ قرار جماعي يقضي بإغلاق كل القطاع على مدى ثلاثة أيام خلال الاسبوع المقبل، من 19 أيلول ولغاية 21 منه. ذلك استنكاراً وشجباً لما حصل وبغية اتخاذ التدابير التنظيمية اللازمة، على أن يعود مجلس إدارة الجمعية إلى الاجتماع في مطلع الأسبوع المقبل للنظر بشأن الخطوات التالية، حسب ما جاء في بيان الجمعية.
وقد شدّدت جمعية المصارف في بيانها على نبذ العنف بكافة أشكاله، لأن العنف لم ولن يكون هو الحل. لافتة إلى أن الحل يكون بإقرار القوانين الكفيلة بمعالجة الأزمة بأسرع ما يمكن، لأن معالجة أزمة انهيار نظامية Systemic Failure كالتي تمر بها البلاد لا يمكن أن تُحل إلا عبر خططٍ شاملة تأخذ بالاعتبار كافة المسببات وتقوم بمعالجتها بشكل متكامل.
ويرجّح مصدر مصرفي في حديث لـ”المدن” اتجاه باقي المصارف إلى الإغلاق شبه الكلي بوجه الزبائن في المرحلة المقبلة، أي بعد استئنافها العمل، وحصر كافة التعاملات عبر الهاتف أو من خلال الاستحصال على مواعيد مسبقة ومنفردة. ويلمح إلى إصرار المصارف خلال الاسبوع المقبل على التصعيد والإغلاق على مدى 3 أيام بشكل تام حتى أن الصرافات الآلية لن يتم مدّها بالسيولة الكاش.
بمعنى أن ما توفر بالصرافات الآلية من أموال نقدية ربما يكفي لساعات أو يوم واحد كأبعد تقدير. ولن تتم تعبئتها خلال أيام الإغلاق حسب ما يؤكد المصدر، كما أن العمل على منصة صيرفة سيتوقف بطبيعة الحال. وتالياً، لن يتم التداول بالدولار عبرها. وهو ما يمكن أن يرفع سعر الصرف في السوق السوداء إلى مستويات قياسية جديدة.