دوللي بشعلاني – الديار
يُنتظر أن يتخذ لبنان الرسمي موقفه من العرض «الإسرائيلي» الأخير الذي أبلغه الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين الى المسؤولين اللبنانيين خلال زيارته الأخيرة له في التاسع من أيلول الجاري. وقد يتمّ نقل هذا الموقف الى الوسيط الأميركي قبل عودته في جولة مكوكية جديدة لحسم أمر نصّ الإتفاقية التي سيتمّ التوقيع عليها بين لبنان والعدو وهوكشتاين بصفته الوسيط بينهما. غير أنّ البعض لا يزال يُحذّر من أن تكون الإتفاقية المرتقبة على غرار إتفاقية 17 أيّار 1983 التي قبلها لبنان ثمّ رفضها، وقيل يومها بأنّها «وُلدت ميتة».
وتقول أوساط ديبلوماسية عليمة بأنّ المقترح «الإسرائيلي» الأخير مفخّخ، يهدف الى أحد أمرين أساسيين: إمّا لحصول العدو الإسرائيلي على كلّ شيء في المياه الإقليمية، سيما وأنّ لبنان، من وجهة نظره، مستعجل مثله على الترسيم لبدء عمليات الاستخراج والتنقيب في بلوكاته والاستفادة من ثروته النفطية لتحسين وضعه الإقتصادي، وإمَّا لعرقلة الإتفاقية وتأجيلها الى ما بعد الإنتخابات التشريعية «الإسرائيلية» التي تجري في الأول من تشرين الثاني المقبل، وإن كان الأميركي و«الإسرائيلي» ينفيان ذلك، واتهام لبنان بالتالي بهذه العرقلة لأنّ الكرة اليوم باتت في ملعبه.
فالعرض «الإسرائيلي» الأخير، على ما أضافت الاوساط، والذي يتضمّن مطالبة العدو الاسرائيلي بالنقطة البرّية B1، واعتماد الخط 23 من الكيلومترات الخمسة الأولى أو ما يُعرف ب «خط العوّامات» أو «خط الطفّافات» الذي هو امتداد للخط الأزرق البرّي الذي يريد اعتماده، فيما يتمسّك لبنان بالخط 23 كاملاً، إنَّما يهدف الى حصوله على النقطة B1 التي لم يتمكّن من أخذها بعد الإنسحاب في العام 2000. علماً بأنّ لبنان قد تمكّن من منعه آنذاك ومن تثبيت هذه النقطة، الى أن عاد «الإسرائيلي» واختلق فيما بعد ما يُسمّى بـ «خط العوّامات»، وبدأ بإطلاق النار على الصيادين بِحُجَّة أنّهم يتعدّون على حقوقه البحرية.
ولهذا تتوقّع الأوساط نفسها، رفض لبنان لهذا المقترح الذي أدخل الحدود البريّة على خط المفاوضات غير المباشرة، في الوقت الذي جرى الفصل بينهما قبل الجلوس الى طاولة الناقورة للمرة الأولى في 14 تشرين الأول من العام 2020، سيما أنّ إحداثيات الخط الأزرق مرسّمة منذ العام 2000، فلماذا طرح مسألة الحدود البريّة، بدلاً من إيجاد حلّ عادل ومقبول من الجانبين للمنطقة البحرية المتنازع عليها؟ وإذا كان العدو الإسرائيلي يصرّ على إقحام الحدود البريّة قبل ترسيم الخط البحري، فلماذا لا يلجأ الى الدراسات والتقارير والخرائط التي تؤكّد أنّ الحدود البحرية اللبنانية تمتدّ الى جنوب الخط 29، ما يجعل بالتالي كلّ الحقول النفطية جنوبه تابعة للحقوق اللبنانية؟!
وأشارت الاوساط الى أنّ «الإسرائيلي» يتذرّع بأنّه يريد الحصول على الـB1 بهدف عدم تمكّن لبنان من الإطلالة على المنتجعات السياحية التي يؤمّها رجال سياسيين ورجال أعمال يهود وعرب وأجانب حفاظاً على نوع من الخصوصية، في حين أنّه في الواقع يسعى الى تأمين «الضمانات الأمنية» التي غالباً ما يعتمدها في كلّ إتفاقية يوقّعها مع أي طرفٍ آخر. فهو بحصوله على هذه النقطة التي تحجب الخمسة كيلومترات، يُثبَّت مسألة منع لبنان من وضع برج مراقبة فيها، وهو يفعل ذلك منذ العام 2000، فيما يتمكّن هو من وضعه ومن مراقبة المنطقة ككلّ.علماً بأنّ الحدود البريّة مرسّمة منذ اتفاقية بوليه – نيوكومب في العام 1923، ولا تحتاج إِلَّا الى التثبيت وليس الى إعادة ترسيمها، على ما يطمح «الإسرائيلي».
أمّا موقف الجيش اللبناني فمعروف من مسألة الحدود البريّة، على ما أكّدت الأوساط عينها، وهو لن يقع في الفخّ «الإسرائيلي»، فهو يعتب، على ما أوضحت الأوساط عينها، أنّ «خط العوّامات» المستحدث من العدو الإسرائيلي هو اعتداء من قبله على السيادة الللبنانية. ولطالما دعا الأمم المتحدة الى إنهاء هذه المسألة منذ العام 2000. ولهذا فلا داعي اليوم الى إعادة أخذ موقف الجيش منه لأنّه لن يتغيّر. ولهذا فإنّ لبنان لن يُوافق على ما سبق وأن رفضه، وإن جاء من باب المقايضة، لأنّه لن يحصل على حقوقه البحرية بل سيخسر الكثير منها، إذ يكفي أنّه تخلَّى عن الخط 29 واعتمد الخط 23 بهدف رفع الحظر عن شركة «توتال»، لكي تعود الى عملها في التنقيب والاستخراج في البلوكات اللبنانية، بعد ان جرى منعها من استكمال عملها في البلوك 4 البعيد تماماً عن المنطقة الحدودية المتنازع عليها، وهو لن يتنازل أكثر.
وذكرت الاوساط بأنّه في حال وافق لبنان على العرض «الإسرائيلي» الجديد فإنّه سيخسر جزءاً من البلوك 10 الملاصق لرأس الناقورة، فضلاً عن الجزء الجنوبي من حقل «قانا»، أو حتى التعويض عنه، كما رأس الناقورة الذي يُشكِّل نقطة عسكرية أمنية مهمة جدّاً للجيش اللبناني، إذ تمكّنه من مراقبة الحدود البريّة والبحرية، وكذلك الإطلالة على خليج الناقورة الجنوبي. كما ستؤدّي هذه المقايضة لاحقاً الى خسارات أخرى يرسم لها «الإسرائيلي»، كونه لا يقبل في الأساس بإعطاء لبنان ما دون الخط 1 الذي يتمسّك به إثر ترسيم خاطىء مع قبرص.
بناء عليه، تخشى الأوساط الديبلوماسية أن نكون أمام اتفاقية 17 أيّار جديدة أمنياً وسياسياً، تعطي العدو الاسرائيلي الضمانات الأمنية، والسيطرة الكاملة على الحدود والأجواء اللبنانية، بعد آلاف الاعتداءات البريّة والبحرية والجوية التي يمارسها على السيادة اللبنانية منذ القرار 1701 ولا من يردعه، مقابل الإيحاء بإعطاء لبنان الخط 23 كاملاً وحقل «قانا» كاملاً، وببلوكاته الحدودية. فيما الحقيقة هي عكس ذلك، ســيما وأنّ «الاسرائيلي» محنّك في عقد الصفقات، وغالباً ما يُحاول الاستفادة من بعض الثغرات، كما من بعض الظروف لتحسين شروطه والإستــيلاء بالتالي على أكثر بكثير ممّا يعتبرها حقوقاً له. علماً بأنّه في اتفاقية 17 أيّار 1983، أقرّ العدو الإسرائيلي بأنّ المياه الإقليمية تقع الى جنوب الخط 23.