كتبت صحيفة النهار تقول: فيما تتّجه الأنظار الى الأسبوع المقبل باعتباره أسبوعًا حاسمًا “مفترضًا” للتوصّل الى خاتمة تسوويّة تخرج “#الحكومة الجديدة – القديمة” من عنق الانسداد، وهو التطوّر الذي ينتظر عودة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي من نيويورك في الساعات المقبلة، تحوّل لقاء معظم النوّاب السنّة في #دار الفتوى أمس الى حدث مفصليّ، ليس لكونه أوّل لقاء من نوعه بعد الانتخابات النيابيّة الأخيرة، وعقب انسحاب زعيم الأكثرية السنّية الرئيس سعد الحريري من المشهد السياسيّ فحسب، بل أيضًا لجهة المواقف البارزة المتقدّمة وطنيًّا ودستوريًّا وميثاقيًّا لمفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف #دريان في هذا اللقاء. فعلى الدلالات المهمّة للقاء شكلًا ومضمونًا، والتي ترجمها البيان الذي صدر عن المجتمعين، اكتسب الموقف المهمّ والنوعيّ الذي أعلنه المفتي دريان، الأهمية الأساسيّة في هذا اللقاء لجهة حرص المفتي على إعادة الاعتبار الى العمق الوطنيّ الداخليّ والعربيّ والدوليّ لموقع رئيس الجمهورية اللبنانيّ المسيحيّ تحديدًا.
وأمام 24 نائبًا سنيًّا من أصل 27 اجتمعوا في دار الفتوى سعيًا الى توحيد الموقف من الاستحقاقات، ولاسيّما منها الاستحقاق الرئاسيّ، ألقى المفتي دريان كلمته منوّهًا بداية بأنّه أراد “جَمْعَ الشَّمْلِ على أهدافٍ وَطَنِيَّةٍ سامية. ونحن في الأصلِ أَهْلُ شُورَى وتعاوُن. فعلينا بِالوَحدَةِ مَهمَا اخْتَلَفَتْ آراؤنا، وَطنُنا في خطر. ودَولتُنا في خَطَر. ومُواطِنُونا في أَقْصَى دَرَجَاتِ البُؤس. وَالمَسؤُولِيَّاتُ مُشتَرَكَة. وَأَردْتُ أَنْ نَكونَ يدًا وَاحِدةً، وَصَوتًا واحِدًا فِي تَحقِيقِ مَا يَصبُو إليه النَّاسُ جميعًا”. ثمّ لفت “إلى الأَهَمِّيَّةِ الفَائقَةِ لِمَنْصِبِ رِئاسَةِ الجُمهُورِيَّةِ في لُبنانَ بِالذَّات، فَالرَّئيسُ المَسِيحِيّ، رَمزٌ وَوَاقِعٌ لِلعَيشِ المُشتَرَك، الذي يَقُومُ عليه النِّظَامُ الذي اصْطَلَحَ عَليهِ اللبنانيون. وَيَنظُرُ إليهِ العَرَبُ بِاعترافٍ وَتَقدِيرٍ لِلتَّجْرِبَةِ اللبنانية، لأنَّهُ الرَّئيسُ المَسِيحِيُّ الوَحِيد، في العَالَمِ العَرَبِيّ. إنّ رَئيِسِ الجُمهُورِيَّةِ في النِّظَامِ السِّيَاسِيِّ اللبنانِيّ، هو رَأْسُ المُؤَسَّسَاتِ الدُّسْتُورِيَّةِ القَائمَة. ولا يَنْتَظِمُ عَمَلُهَا وَلا يَتَوَازَنُ إلاّ بِحُضُورِه، مِنْ خِلالِ انْتِخَابِ مَجلِسِ النُّوَّابِ له. ولِضَرُورَاتِ انْتِخَابِ رَئيسٍ جَديد، ينبغي الحِفاظُ في الفُرصَةِ الأَخِيرَةِ على وُجُودِ النِّظَامِ اللبنانِيّ، وَسُمعَةِ لُبنانَ لَدَى العَرَبِ وَالدَّولِيِّين. فقد تكاثَرَتِ الأَزَمَات، وَتَكَاثَرَتِ الاستثناءَات، وَتَكَاثَرَتْ حَالاتُ الغِيَابِ أَوِ الضَّعف، أو الانْسِدَادِ في سَائرِ المُؤَسَّسَاتِ وَالمَرَافِق، بِحَيثُ دَخَلْنَا في وَضْعِ الدَّولةِ الفَاشِلة، وَنَحنُ سَائرونَ بِسُرعَةٍ بِاتِّجَاهِ اللادَولَة؛ وَيُوشِكُ العَرَبُ وَالعَالَم، أَنْ يَتَجَاهَلُوا وُجُودَ لبنان، بِسَبَبِ سُوءِ الإِدَارَةِ السِّيَاسِيَّةِ على كُلِّ المُستَوَيَات. لا بُدَّ مِنْ رَئيسٍ جديدٍ لِلجُمْهُورِيَّة، وَأنتُمُ المَسؤولون عن حُضُورِهِ أَو إحضَارِه، وستكونون في طَلِيعَةِ المَسؤولين عَنْ غِيابِهِ لأيِّ سببٍ كان. لا بُدَّ مِن رئيسٍ جديدٍ يُحافظُ على ثوابتِ الوَطَنِ والدَّولة، فَيَا أيُّها النُّوَّابُ الكِرام، ساهِمُوا- وهذه مسؤولِيَّتُكُم – في التغيير، وفي استعادَةِ رِئاسَةِ الجُمهُورِيَّة، لاحْتِرَامِها وَدَورِها بِالدَّاخِل، وتُجاهَ الخارج”.
ومن أبرز المواصفات التي عدّدها للرئيس الجديد:
“-الحِفَاظُ على ثَوَابِتِ الطَّائفِ وَالدُّستُور، والعَيشِ المُشتَرَك، وَشَرعِيَّاتِ لُبنانَ الوَطَنِيَّةِ وَالعَرَبِيَّةِ وَالدَّولِيَّة. وَلا يُمكِنُ التَّفرِيطُ بها مَهمَا اخْتَلَفَتِ الآرَاءُ وَالمَواقِفُ السِّيَاسِيَّة، لأنَّهَا ضَمَانَةُ حِفظِ النِّظَامِ وَالاسْتِقرَارِ وَالكِيانِ الوطنيّ.
– إنهاءُ الاشتباكِ المُصَطَنَعِ وَالطَّائفِيِّ والانقِسَامِيِّ بِشَأْنِ الصَّلاحِيَّات، وَالعَودَةُ إلى المَبدَأِ الدُّستورِيِّ في فَصلِ السُّلُطاتِ وتعاوُنِها.
– الاتِّصَافُ بِصِفاتِ رَجلِ العَمَلِ العَامِّ الشَّخصِيَّةِ والسياسية، لأنّ رَجُلَ العَمَلِ العَامِّ – كما يقولُ عُلماءُ السِّيَاسَة – تَحكُمُهُ أخلاقُ المُهِمَّة، وأخلاقُ المسؤولية.
– الاتِّصافُ بِالحِكْمَةِ والمَسْؤوليةِ الوَطنيةِ والنَّزَاهَةِ، وبالقدرةِ على أن يكونَ جَامعاً للبنانيين، والانصرافُ الكُليُّ مَعَ السُّلُطاتِ الدُّستُورِيَّةِ والمُؤَسَّساتِ والمَرَافِقِ المُتاحَة، لإخراجِ البِلادِ مِنْ أزَمَاتِها، وَمَنْعِهَا مِنَ الانهيارِ الكامِل. لا بُدَّ مِنْ رئيسٍ بِهذِهِ الصِّفَات. أو نَتَفَاجَأُ بِاختفاءِ النِّظَامِ ثُمَّ الدَّولة”
وأكّد أنّ “البلدُ يَمُرُّ بِمَخَاطِرَ كبيرة، مِمَّا يَقتَضِي مِنَّا تَعزِيزَ وَحدَةِ الصَّفِّ الإسلاميِّ وَالوَطَنِيّ، وَنَدعُو إلى عَدَمِ المَسِّ بِصَلاحِيَّاتِ رِئاسَةِ الحُكومَة، وَالعَمَلِ مَا بِوُسْعِنَا كي نُسَاعِدَ الرَّئيسَ المُكَلَّفَ لِتَسهِيلِ مُهِمَّتِه، هذه مَسؤوليَّةٌ مُشتَرَكَة، تَقَعُ على عَاتِقِ الجميع، ونحْنُ نَتَوَسَّمُ ونَسْتَبْشِرُ خَيْراً بَتَشْكِيلِ الحُكومةِ العَتِيدَةِ بالسرعةِ المُمْكِنةِ وفي الأيامِ القَليلةِ المُقْبِلة، لأنَّ وَطنَنَا لبنان يحْتَاجُ في هذه الظروفِ القَاسِيةِ والصَّعْبَةِ إلى حُكُومَةٍ كاملةِ الصَّلاحِيَّات، لا إلى بقَاءِ حكومةٍ لتصريف الأعمال”.
أمّا البيان الذي صدر عن المجتمعين فحذّر من أنّ “لبنان لا يَستَطِيعُ أَنْ يَتَوَقَّعَ يَدًا عَرَبِيَّةً شَقِيقَةً تَمتَدُّ إليه لِلمُساعَدَة، وفيه مَنْ يَفتَرِي ظُلمًا على الدُّوَلِ العَربيةِ الشَّقِيقَةِ إلى حَدِّ الاستِعدَاء، مِمَّا يُشوِّهُ الأُخُوَّةَ العَربِيَّةَ التي مَعَها يَكونُ لبنانُ أو لا يكون”. وأعلن البيان “إنَّ أعضاءَ المَجلِسِ النِّيَابِيِّ اللبنانِيِّ مِنَ المُسلِمِينَ السُّنَّة، الذين اجتَمَعُوا اليَومَ بِرئاسَةِ سَماحَةِ مفتي الجمهوريةِ اللبنانِيَّة، الشيخ عبد اللطيف دريان وَبِمُبَادَرَةٍ مِنه، يُؤَكِّدُونَ الوَلاءَ وَالوفَاءَ لِلبنانَ الذي يَعتَزُّون بِه، ولِلشَّعبِ اللبنانِيِّ الذي يَنتَمُونَ إليهِ بِكُلِّ طَوَائفِهِ وَمَذَاهِبِه، وفِي جَميعِ مَنَاطِقِه. وَيَتَعَهَّدُونَ العَمَلَ بِتَفَانٍ مِنْ أَجلِ تَحقِيقِ الأهدَافِ الوَطَنِيَّةِ الآتية:
1 – المُحافَظَةُ على سِيَادَةِ لبنانَ وَوَحدَتِهِ وَحُرِّيَّاتِه، وعلى حُسنِ عَلاقَاتِه، خُصوصًا مَعَ الأُسرَةِ العَرَبِيَّةِ التي يَنتَمِي إليها. والعملُ مَعَ زُملائهِمُ النُّوابِ الآخَرِين مِن كُلِّ الطَّوَائف، ومِن كلِّ المَنَاطِق، لِرَدِّ الأَذَى عَنْ أيِّ عُضوٍ مِنْ أعضاءِ هذه الأُسرَةِ العَرَبِيَّة، وعدمُ التَّدَخُّلِ فِي شُؤونِها الدَّاخِلِيَّة.
2 – العَمَلُ مَعَ زُملائهِم أَعضَاءِ المَجلِسِ النِّيَابِيِّ على انتِخَابِ رَئيسٍ جَدِيدٍ لِلجُمْهُورِيَّة، فِي المَوعِدِ الدُّسْتُورِيِّ المُحَدَّد، يَكُونُ مِمَّنْ يَحتَرِمُونَ الدُّستُور، وَيَلتَزِمُونَ القَسَمَ الدُّستُورِيّ، وَفَاءً لِشَعبِ لبنانَ وَلِمَصَالِحِه العُليا”.
وبعد الاجتماع لبّى المفتي دريان و22 نائبًا سنيًّا دعوة السفير السعودي وليد بخاري الى لقاء في السفارة وُصف بأنّه تشاوريّ استكمالًا للقاء دار الفتوى، وتخلّله عشاء على شرف المدعوّين.
وسط هذه الأجواء، ترصد القوى السياسية والنيابية عودة ميقاتي من نيويورك، ولقائه المرتقب مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في بعبدا بعد الجلسة المحدّدة الاثنين المقبل لإنجاز إقرار الموازنة، للانتهاء من مأزق تشكيل الحكومة. وبدا لافتًا في هذا الإطار إصرار “حزب الله” على الدفع بقوة لإنجاز الملفّ الحكوميّ وحسمه بسرعة، إذ قال أمس نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم خلال احتفال في بيروت انّه “منذ اليوم الأوّل للانتخابات النيابيّة، كنّا نطالب بأنْ تتشكّل الحكومة بأسرع وقت، لأنّ وجود الحكومة أفضل بكثير من عدم وجودها، لتحلّ العديد من المشاكل، حتّى ولو كانت الحلول جزئيّة”. وأضاف قاسم “يمكن أنْ نرى حكومة في الأسبوع المقبل على قاعدة أنّ المباني التي كانت فيها اختلافات كثيرة بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة أصبحت متقاربة جدًّا إلى درجة تسهّل إخراج الحكومة إلى النور، وهذه خطوة إيجابيّة تساعد في تسهيل التهيئة لانتخابات الرئاسة تمهيدًا للحلول التي نريدها في لبنان”.