كتب خضر حسان – المدن : وصلت البلاد إلى ما هي عليه الآن. تخبُّطٌ على المستويين الاقتصادي والنقدي. أزمات اجتماعية وفقر وبطالة.. والآتي أسوأ. وفي معرض السير نحو الكوارث الآتية، يحاول مَن يملك بعض المدّخرات مِن اللبنانيين، التصرّف بها على أفضل وجه. بعضهم يشتري الدولار مفضِّلاً تحمُّل قدرٍ من الخسائر، على مواجهة خسارة كاملة لقيمة الليرة في المستقبل القريب، وبعضهم الآخر يتّجه نحو الذَّهَب كملاذ آمن.
علاقة عكسية
المفاضلة بين الذهب والدولار ليست عملية سهلة كما تبدو للبعض. فالمسألة لا تنحصر باختيار سلعة من السلع. إذ ينطوي اتّخاذ قرار كهذا على رهان صعب، خصوصاً وأنَّ قيمة الذهب والدولار ترتبط بجملة من العوامل الدولية التي لا دخل للبنان بها، بل كلّ ما يفعله لبنان هو التعامل مع الاحتمالات التي تفرزها العوامل الدولية. وبالتالي، يراهن حامل الدولار أو الذهب، على احتمال الخسارة أو الربح. مع العلم أنَّ العلاقة بين أسعار الدولار والذهب، هي علاقة عكسية، إذ عندما يرتفع الطلب على الدولار، تنخفض أسعار الذهب نظراً لكثرة عرضه، وعندما ينخفض الطلب على الدولار، ترتفع أسعار الذهب بفعل زيادة الطلب عليه.
وكلَّما شهدت الأسواق العالمية ارتياحاً سياسياً واقتصادياً، تنشط الاستثمارات ويتّجه المستثمرون إلى ضخ الدولارات في الأسواق لتوسيع المشاريع واستحداث أخرى، فيتراجع الطلب على الذهب، لما فيه من تجميد للأموال. وكلّما حبس العالم أنفاسه على وقع أزمة سياسية أو اقتصادية أو بيولوجية كانتشار فيروس كورونا، الذي شَلَّ الاقتصاد العالمي ودَفَعه إلى التباطوء، كلّما زاد المَيلُ نحو الإدّخار والإحجام عن الاستثمار. وهذا الادّخار يتّخذ شكل شراء للذهب، فيرتفع الطلب على المعدن الأصفر، وترتفع أسعاره مقابل الدولار مع عدم الحاجة للاستثمار.
وفي لبنان، شهدت محال الذهب إقبالاً كثيفاً على الشراء مِن قِبَل حاملي الدولار، وإقبالاً على المبيع مِمَّن فَقَدَ قيمة راتبه بالليرة، فمدَّ يده على ما أدّخره من ذهب، خصوصاً وأنَّ المعدن النفيس يُسَعَّر بالدولار الذي حلَّقَت قيمته “لبنانياً” مقابل الليرة. فمن يملك قطعة ذهب بقيمة 100 دولار، كان قد اشتراها بـ150 ألف ليرة، سيكسب منها اليوم ما يفوق 800 ألف ليرة.
نشتري أم نبيع؟
تتغيَّر المعطيات السياسية عالمياً بين يوم وآخر، وتتأثَّر الأسواق بخطابٍ هنا أو انتخابات هناك، وتحديداً إن صَدَرَ الخطاب عن أحد منابر واشنطن، فكيف إذا شهدت الولايات الأميركية سيلاً مِن الخطابات على وقع الانتخابات الرئاسية؟
شهدت أسواق الذهب والدولار تأرجحاً على وقع الانتخابات الرئاسية الأميركية، لتستقرَّ الأمور بعد فوز المرشَّح جو بايدن على اتّجاه بيع الذهب وحمل الدولار تمهيداً لإنعاش الاستثمارات. ذلك أنَّ بايدن سيعمل على تشجيع الأبحاث المتعلّقة بلقاح كورونا، وتالياً على تعزيز العلاقة بين بلاده والصين، التي تُعتَبَر المؤثِّر الأبرز على أسعار الذهب والدولار، فالصين اتّجهت منذ نحو 4 سنوات إلى شراء الذهب بكثافة، ما ساهم برفع أسعاره عالمياً.
وخيار بايدن تحسين العلاقة مع الصين، سيُنعش الاستثمارات، وتحديداً الاستثمارات الأميركية في الصين التي تستقبل عدداً من الشركات الأميركية الكبرى، نظراً لانخفاض أكلاف الأجور هناك مقارنة مع الأكلاف في أميركا. والشركات الأميركية لعبت دوراً كبيراً في الضغط على البيت الأبيض لتحسين العلاقات مع بكّين، لتسيير أعمالها هناك على أكمل وجه.
الاتجاه نحو تحسين العلاقة بين واشنطن وبكين، وقرب اعتماد لقاح لكورونا، أفقَدَ الذهب قيمته وتراجع من نحو 2000 دولار للأوقية، في شهر آب الماضي، إلى نحو 1800 دولار حالياً. ما يعني أنَّ حَمَلَة الذهب من اللبنانيين، لم يجدوا في المعدن الأصفر ملاذاً آمناً كما اعتقدوا.
القلق اللبناني حالياً يدور حول اتّخاذ القرار التالي: هل نشتري الذهب نظراً لانخفاض قيمته، أم نبيعه درءاً لمزيد من الخسائر؟ لا أحد يمكنه الإجابة عن هذا السؤال بشكل قطعي. فاتّخاذ القرار في هذا الشأن يبقى عملية فرديّة بحتة، تؤثّر عليها مدى حاجة الفرد للأموال. فالحاجة تفرض تسييل الذهب إلى دولار، حتى وإن كانت التوقعات بارتفاع أسعار الذهب أعلى. أمّا من يملك قدراً كافياً من السيولة الدولارية، فيمكنه المغامرة وانتظار ارتفاع أسعار الذهب لتعويض الخسائر أو تحقيق ربح إضافي.. وحتى اللحظة، كل المؤشرات تدلّ على المزيد من التراجع في قيمة الذهب.