كتبت “الجمهورية” تقول: فيما غاب ملف التأليف الحكومي عن صدارة المشهد السياسي انصبّت الاهتمامات امس على مشروع الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية الجنوبية وإنجاز الرد اللبناني عليه تمهيداً لرفعه الى الوسيط الاميركي والامم المتحدة، الذي تسلّمته السفارة الأميركية ليل أمس تمهيداً لرفعه الى الوسيط الأميركي والأمم المتحدة.
وقال مرجع رسمي لـ«الجمهورية» انه يجب التعاطي مع هذا المشروع على قاعدة «ما تقول فول ليصير بالمكيول»، لافتاً الى ان المواقف الصادرة عن بعض مسؤولي الكيان الاسرائيلي تدفع نحو التمسّك بالحذر الى ان يتم رسمياً إيداع ورقتي الاتفاق المنفصلتين لدى الامم المتحدة.
واكد «انّ لبنان جاهز للاتفاق ولكنه جاهز كذلك لعدم الاتفاق اذا قرر الطرف الاسرائيلي ان يعود إلى التشاطر». في حين قَلّل مرجع آخر من اهمية ما يعلن في اسرائيل من مواقف معارضة لهذا الاتفاق، واكد أن «أحداً لا يمكنه ان يعاكس الارادة الاميركية والقرار الاميركي بإنجازه».
أيام قليلة تفصل عن ايداع التواقيع المنفردة لاتفاقية الترسيم والتي ستوضع آليتها فور تسلّم الوسيط الاميركي عاموس هوكشتاين الاجوبة الرسمية من الجانبين اللبناني والاسرائيلي. وقد اكد مصدر رسمي رفيع لـ«الجمهورية» ان «لبنان لم يتنازل عن كوب مياه بعكس ما يُشاع من بعض الاصوات».
وقال: «منذ ١٢ عاما ونحن نطالب بحقوقنا وفق خريطة ترسيم أودعناها مجلس الامن الدولي في شكل رسمي وقد حصلنا على هذه الورقة بلا زيادة ولا نقصان، وهذه الورقة اعدّتها اللجنة الفنية في الجيش اللبناني في ذاك الوقت وتحوّلت الى المرسوم الذي حمل الرقم ٦٤٣٣ فلماذا كل هذه المزايدات؟
يسأل المصدر مضيفاً: «هل كان المطلوب ان تبقى الامور مقفلة ومعقدة؟ ام كان يجب حلها؟ الحل يأتي عبر التفاوض وهذا مفهوم عام ودولي، ونتيجة التفاوض تسوية. هكذا هو مسار الملفات والامور المتنازع عليها في كل انحاء العالم».
وحول تمسك البعض بالخط ٢٩ قال المصدر: «الترسيم مدارس وهذه عملية معقدة فجزيرة «تخليت» الصغيرة تُقاس من جهة العدو بشكل مختلف عن قياسها من جهتنا وفق الاحداثيات، وهناك فارق بين ان تكون مأهولة او نصف مأهولة او غير مأهولة. كما ان تأثيرها على المنطقة الاقتصادية الخالصة محدّد منذ العام ٢٠١٢ وهذا هو التباين في قواعد الترسيم واحتسابه حالياً»…
وخلص المصدر الى التأكيد «ان كل هذه التفاصيل اصبحت وراءنا والمهم ان الوسيط الاميركي اعطانا ما نريده وما طالبنا به منذ ١٢ عاما في المقترح الذي قدمه لنا هوكشتاين، والذي اصبح بالنسبة الينا بمثابة وثيقة رسمية اعطتنا الحق بالخط ٢٣».
إستعجال أميركي
الى ذلك، تتبّع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون التطورات المتعلقة بالملاحظات التي أبداها لبنان في شأن العرض الذي قدمه الوسيط الاميركي في المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية الجنوبية، في ضوء الاجتماع الذي عُقد أمس الاول في قصر بعبدا في حضور رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي واعضاء اللجنة الفنية لترسيم الحدود البحرية الجنوبية.
وقالت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية» ان عون تابع اللقاء الذي عقد بين نائب رئيس المجلس النيابي الياس بوصعب والسفيرة الاميركية في بيروت دوروثي شيا التي طلبت موعدا عاجلا للقاء، للاطلاع على نتائج لقاء بعبدا الرئاسي والملاحظات النهائية التي وضعها الجانب اللبناني على المسودة التي أرسلها هوكشتاين الى لبنان.
الجواب بات جاهزاً
وفيما شددت شيا على «ضرورة الإسراع في انجاز الرد اللبناني»، مبديةً اهتمام بلادها بـ«إنجاز هذا الملف في اقرب وقت». أبلغ اليها بوصعب ان الترتيبات اقتربت من نهايتها وان الملاحظات اللبنانية ستكون منجزة في صيغتها النهائية حتى الساعات الأولى من ليل امس. وبالفعل، تسلّمت السفيرة الأميركية هذه الملاحظات، وسترسلها الى الدوائر المعنية في واشنطن او مباشرة بالوسائط الإلكترونية الى هوكشتاين، الذي بقي طوال الأيام القليلة الماضية على تواصل مباشر مع أكثر من مسؤول لبناني.
الملاحظات اللبنانية
ولفتت المصادر الى ان الرد اللبناني بُني على مجموعة من الملاحظات منها ما هو أساسي لا يمس الجوهر ولكنه يؤكد مرة أخرى الثوابت اللبنانية من حيث رفض اي شراكة مالية مع العدو الاسرائيلي وعدم اعتبار ما حصل معاهدة مشتركة بين دولتين، فإسرائيل كانت وما زالت دولة عدوة وإلا ما معنى ان تكون المفاوضات معها بطريقة غير مباشرة بوساطة اميركية لتسهيل المهمة في ضيافة الأمم المتحدة.
ومن بين الملاحظات ايضا ما يضمن الاستقرار السياسي والامني والاقتصادي في المرحلة المقبلة في مواجهة اي طارئ. فلا يمكن لأي حكومة إسرائيلية جديدة مثلاً ان تتنصّل من هذا التفاهم وهو أمر ينتهي بمجرد تكريسه في الدوائر المتخصصة في الأمم المتحدة لتنال موافقتها ورعايتها النهائية بكل المقاييس التي تحدد دور الامم المتحدة مُضافة الى الرعاية والضمانة الاميركية الثابتة.
والى هذه الملاحظات اكدت التعديلات بنحو لا يحمل اي لبس عدم الربط بين الترسيم البري والبحري كما بالنسبة الى المنطقة الآمنة التي تجاهلها التفاهم الجديد وتركها الى مرحلة لاحقة، وهو ما تم التعبير عنه بالقول انّ التفاهم الاقتصادي تقدم على الأمني بالنظر الى ما هنالك من التباسات لا يمكن البت بها في الوقت القصير الذي يتحكّم باقتسام الثروة ورسم الحدود الفاصلة بين البلوكات اللبنانية والاسرائيلية.
ومن الملاحظات تنصّل لبنان من اي التزامات اخرى يمكن ان تطالب بها اسرائيل بعد استئناف شركة «توتال» عملها في البلوكات اللبنانية حيث لها حصرية العمل فيها. وهو أمر محكوم أيضا بضرورة احترام التزاماتها تجاه لبنان بالعمل الجدي في البلوكات النفطية فلا تتكرر التجارب السابقة، وهي من الضمانات التي نالها هوكشتاين من الشركة الفرنسية التي اشترطت ترسيماً نهائياً للحدود البحرية بموافقة الأطراف كافة لتعمل في أفضل الظروف الآمنة التي يجب ان تتوافر قبل ان تنفق مليارات الدولارات حيث تعمل قبل مرحلة جمع الارباح وتوزيعها بين حصة الدولة اللبنانية من جهة والشركات المشاركة في «الكونسورتيوم الثلاثي» بعد دخول الدولة طرفاً ثالثاً بدلاً من الشركة الروسية «نوفاتيك» التي سحبت شراكتها في نهاية آب الماضي لمصلحة الدولة اللبنانية.
الموقف الاسرائيلي
وعلى صعيد الموقف الاسرائيلي قال وزير الدفاع بيني غانتس أمس: «آمل كثيرا توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان، وفي رأيي سيكون هناك حفارتان، هذا وضع أفضل للبنان وإسرائيل»، وأضاف أنّ «السؤال هو هل سنمر في التصعيد بحلول ذلك الوقت أم لا، حقيقة أن توقيع اتفاقية الترسيم لا يعني أنه لن يحدث شيء في أماكن أخرى لأسباب أخرى، ولكن إذا لم يتم حل قضية الترسيم، فيمكن استخدام مناطق أخرى كأداة لعب في هذا النوع من التصعيد». واعتبر، في مقابلة مع صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أنه «عندما يكون لدى دولتين بنى تحتية استراتيجية تواجه بعضهما البعض، وكلاهما لديه شيء يكسبه، فهذا عامل على استقرار المنطقة».
وفي سؤال عما إذا كان «يتنازل عن أرض الوطن من دون سلطة»، لفت غانتس إلى «أننا نتحدث عن المياه الاقتصادية لدولة إسرائيل، خارج حدود المياه الإقليمية. هناك مشورة قانونية مصحوبة تقول إن هذا الاتفاق يمكن أن يتطور، لا أرى سوى أن هذه الادعاءات هي لدغة سياسية»، وأضاف أن «كل هذه اللدغات هي لاعتبارات سياسية، لا يوجد هنا يمين ولا يسار، هناك قضية اقتصادية أمنية بحتة». وذكر أن «هذا اتفاق تم العمل عليه منذ سنوات، بنيامين نتنياهو كان رئيس الوزراء عندما بدأت المناقشات حول الإتفاق، ورفعه شتاينتس كوزير للطاقة، والآن وصلنا إلى خط النهاية. نتنياهو سيقوم بعمل جيد إذا ترك هذا الأمر خارج المجال السياسي ولم يلعب لمصلحة الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصرالله الذي يحاول تحقيق إنجاز هنا».
وأوضح غانتس أن «الاتفاق الناشئ هو في الأساس اتفاق اقتصادي، وستعرض نقاطه الرئيسية على الجمهور بشفافية بطريقة أو بأخرى إذا تم توقيعه بالفعل، وبطبيعة الحال من المستحيل عرضه أثناء إجراء المفاوضات»، وأكد أنه «يجب أن نتذكر، بخلاف الجانب الاقتصادي، أن يكون للاتفاق أيضاً أهمية أمنية إذا تم توقيعه، وعلى المدى القصير فهو سيرفع عتبة الردع، وعلى المدى الطويل قد يقلّل من اعتماد لبنان على إيران ونفوذها».
وكشفت وسائل الإعلام الإسرائيلية اسباب استقالة رئيس وفد المفاوضات الإسرائيلي أودي أديري من منصبه، وسط انتقادات وتضارب الآراء حول الاتفاق المرتقب مع لبنان حول الحدود البحرية.
وأفادت مصادر في مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد أنّ «أديري الذي يدير المحادثات منذ 2020، استقال على خلفية إدارة مستشار الأمن القومي الإسرائيلي إيال حولتا المفاوضات فعلياً». ونبّهت الى أنّ «أديري تعامل بموضوع الطاقة فقط، ولم تتم إحاطته بالجانب الأمني والسياسي للإتفاق». وأكدت صحيفة «معاريف» أن «أديري انسحب من الوفد المفاوض بسبب معارضته للإتفاق الناشئ»، بحسب ما نقله «i24».
وفي غضون ذلك، زعمت وزارة الطاقة في بيان لها أن «أودي أديري طلب من وزيرة الطاقة إنهاء منصبه استعدادا لاستلام وظيفة جديدة، وعرض أودي مساعدته لمتابعة الملف إذا دعت الحاجة». وذكرت أن «المدير العام لوزارة الطاقة، ليئور شيلات، حل مكان أديري كرئيس للفريق المفاوض».
نتنياهو
الى ذلك اشار رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو، خلال مقابلة مع «القناة 14»، إلى أن «اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع لبنان صفقة مخزية، لمدة 10 سنوات لم أكن مستعدًا للخضوع لإملاءات الأمين العام لـ»حزب الله» حسن نصرالله وقد تعرض للتهديد من قبلنا، استغرق الأمر من رئيس الحكومة يائير لابيد 3 أشهر للاستسلام لأن نصرالله هدّده».
واضاف: «إنه يسلّم ثروة ضخمة من الغاز»، لافتاً إلى أنه «لا يمكن لدولة إسرائيل أن تدع لابيد ووزير الدفاع بيني غانتس وغيرهما يقودونها خلال العواصف، سيضعوننا في وسط الجليد». وتابع: «الإرهاب يحدد الضعف، سنعيد الردع والعزة الوطنية». وذكر «أننا أتينا بأربع اتفاقيات سلام مع دول عربية من دون أن نتنازل عن أي مليمتر، وسنعقد مزيداً من الاتفاقيات والأولى ستكون السعودية»، واعتبر أن «لابيد يعيد قضية الدولة الفلسطينية التي ستهدد وجودنا، وقال غانتس إن عاصمة فلسطين ستكون في القدس».
شينكر
وفي هذا السياق قال مساعد وزيرة الخارجية الأميركية السابق لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر: «إن فرص نشوب حرب بين إسرائيل و»حزب الله» «لا تزال مرتفعة للغاية» على رغم من التقدم في اتفاقية ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل».
وقال لقناة «i24news» الإسرائيلية ان «الاقتراح الذي قدمه كبير مستشاري وزارة الخارجية الأميركية لأمن الطاقة عاموس هوكشتاين، لا يفعل شيئا لخفض أو تخفيف التوترات على طول الخط الأزرق حيث ينقّب حزب الله». واعتبر أنَّ «الصفقة قد تؤدي إلى تأجيل النزاع، لكنها لا تضمن أمن إسرائيل». وقال: «يبدو أن إسرائيل وافقت على منح اللبنانيين 100 في المئة مما يريدون». ورأى أنَّ «حقل قانا الذي سيخضع لسيطرة لبنان يحتوي على احتياطيات قليلة جدًا».
ولفت إلى أنَّ «إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن يمكن أن تدّعي فوزها في السياسة الخارجية بالصفقة والنجاح في تعزيز الاستقرار الإقليمي». وأضاف: «أعتقد أن الولايات المتحدة، حتى إدارة بايدن، تقوم بذلك بدافع الرغبة في المساعدة على استقرار المنطقة، على الرغم من أن النتيجة غير واضحة».
إنتخاب الرئيس والتأليف
في غضون ذلك، وفيما توقعت اوساط نيابية ان يدعو رئيس المجلس النيابي نبيه بري الى جلسة تشريعية في 13 تشرين الأول الحالي وأخرى لانتخاب رئيس الجمهورية في 14 منه، غابَ ملف التأليف الحكومي عن المشهد السياسي أمس، واكد مرجع معني به لـ«الجمهورية» ان «الاتصالات في شأن هذا الملف مجمدة حالياً».
واضاف «ان الحل الانسب هو إبقاء الحكومة الحالية مع تعديل طفيف في بعض وزرائها، لأنّ محاولة تغيّر عدد قليل من الوزراء حال دون تأليف الحكومة بضعة اشهر فكيف اذا طرح تغيير الوزراء الاربع والعشرين في الحكومة الحالية، انّ امراً كهذا من شأنه ان يستغرق وقتاً طويلاً ويتجاوز العشرين من الشهر الجاري حيث يصبح مجلس النواب في حالة انعقاد دائم لانتخاب رئيس جمهورية جديد». واكد المرجع انه في حال بقاء المواقف على حالها «فمن المستبعد ان تؤلف حكومة او تعدل الحكومة الحالية في خلال ما تبقّى من ولاية رئيس الجمهورية، ما يعني ان فراغاً رئاسياً سيحصل تملأه حكومة تصريف الاعمال في حين انتخاب رئيس جديد».
وكان رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي قد اكد امس «أننا ماضون في عملية تشكيل الحكومة الجديدة على رغم من العراقيل الكثيرة التي توضع في طريقنا والشروط والايحاءات التي تهدف الى خلق أمر واقع في اخطر مرحلة من تاريخنا». وقال خلال رعايته امس إطلاق «منتدى شباب نهوض لبنان نحو مئوية جديدة»: «إننا مصممون على متابعة العمل وفق ما يقتضيه الدستور والمصلحة الوطنية، ولن يكون مسموحا لأحد تخريب المسار الدستوري وعرقلته». وتمنى «أن يوفّق المجلس النيابي في انتخاب رئيس جديد للبلاد ضمن المهلة الدستورية، لأن التحديات تقتضي اكتمال عقد المؤسسات الدستورية وتعاونها وتكاملها».
واذ لفت ميقاتي الى «ما يتعرّض له إتفاق الطائف من حملات غير بريئة»، شدد على «ان هذا الإتفاق، الذي بفضله توقّف المدفع وعادت مؤسسات الدولة إلى أداء دورها الطبيعي، هو اتفاق لا نقول إنه مُنزل، بل الأكيد هو أفضل من الفوضى والديماغوجية». وشدد على «ان اتفاق الطائف هو الإطار الطبيعي الذي يمكن أن يجمع اللبنانيين على قواسم مشتركة، مع التشديد على تطبيق كل بنوده، روحا ونصا، ومع السعي الموضوعي، ومن ضمن ما تقتضيه المصلحة الوطنية العليا، إلى تطويره بما يتناسب مع الحداثة، مع الحفاظ على ما يضمن صيغة العيش المشترك بين أبنائه».
على صعيد آخر، توقعت اوساط نيابية ان يعقد المجلس النيابي جلسة تشريعية في 13 تشرين الأول الحالي وأخرى لانتخاب رئيس الجمهورية في 14 منه.
أزمة المصارف والمودعين
وعلى الصعيد المصرفي والمالي لم تعد مسألة الاقتحامات المسلحة للمصارف مجرد عمليات يمكن ضبطها او وضعها تحت مسميات استعادة الحقوق بالقوة، بل تحولت فوضى تُنذر بكارثة أمنية واجتماعية اذا لم تتدارك السلطة ان دورها في هذا الوضع يتجاوز مسألة احصاء الاضرار، والتدخّل كوسيط محايد.
وقد بدأت تبرز مخاوف من تفلّت امني غير مسبوق، قد ينتقل من المصارف الى مؤسسات واماكن اخرى، بسبب الانهيار المالي الذي بدأ يصيب الناس في صميم حياتهم اليومية.
واذا كانت المصارف قد أقدمت أمس على ما يشبه «بق البحصة»، وطلبت من الدولة ان تتحمل مسؤوليتها كمسبّب رئيسي في الانهيار الذي وصل اليه البلد، فإنّ الحكومة لا تزال تُحاذر مقاربة هذا الموضوع بجرأة وحزم وعدل في آن. وهي بدلاً من ان تُسارع الى لعب دورها، تكتفي بمحاولة النأي بالنفس، وهذا الموقف لا ينفع في أزمة من نوع الأزمة التي يمر بها لبنان حالياً.
وفي المعلومات، انّ المصارف عادت الى طرح فكرة الاقفال في انتظار ان تنجز الحكومة امرين اساسيين:
اولاً – إنجاز التشريعات الضرورية لتحديد حقوق وواجبات كل من المودعين والمصارف في آن.
ثانياً – خطة أمنية مُحمكة تحمي حياة الناس، وبينهم الموظف والمودع ومن يحاول اقتحام المصرف عنوة. فمن حق كل هؤلاء ان تضمن السلطة أمنهم وتمنع تعريض حياتهم للخطر. كذلك، على السلطة ضمان حقوق المصارف وممتلكاتها، مثل كل المؤسسات العاملة في لبنان.
وفي المعلومات ايضا، ان خطة امنية خجولة وسرية وضعت في السابق، ولم تتجرّأ الحكومة على الاعلان عنها لئلّا تظهر وكأنها تقف مع المصارف ضد المودعين. هذا النهج لا يحمي ولا يكفي، وهذا ما أثبتته الاقتحامات المسلحة التي حصلت في اليومين الاخيرين. وبالتالي، لا بد من خطة امنية صريحة وواضحة تحمي الجميع، ولا بد من تشريعات توضح الحقوق والواجبات، ولا بد من خطة إنقاذ تحدّد للمودع متى وكيف سيحصل على وديعته في المستقبل.