الجمعة, نوفمبر 22
Banner

لا عودة إلى الوراء مع “الصندوق”… إلّا إذا؟

سابين عويس – النهار

هل بدأت الهيئات الاقتصادية تتحسس رقابها، أم انها استفاقت متأخرة على هول الأزمة، من حالة الإنكار التي تشاركت بها مع سلطة سياسية على مدى ثلاثة اعوام، منذ تعثرت المصارف وباتت في حالة التخلف عن تأمين السحوبات المالية لعملائها؟ مردّ هذه التساؤلات حال الاستياء العارمة التي تسود الوسط الاقتصادي عموماً والمصرفي خصوصاً، مع انتقال البلاد الى مرحلة الفوضى الخلّاقة الناتجة عن خروج كل الازمات المتفجرة عن السيطرة، مهددة بانزلاق خطير نحو تفلّت أمني من باب الاقتحامات المصرفية التي تزايدت وتيرتها اخيراً ودفعت المصارف الى العودة الى الاقفال.

ولعل اخطر ما في الامر الصمت الرسمي المريب حيال هذه الحوادث، وكأن ثمة من يدفع البلاد نحو الانهيار التام والانفجار الأمني، على نحو يقلب كل المعايير ويغير في جدول أولويات الاستحقاق الرئاسي والمواصفات المطلوبة للرئيس المقبل.

هذا الواقع يدفع الى السؤال عن الأسباب التي آلت الى الوصول الى هذا التفلت، رغم استدراك حكومة نجيب ميقاتي قبل استقالتها وتحوّلها الى تصريف الاعمال غداة انتخاب المجلس النيابي الجديد، من خلال انجاز الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، على نحو يضمن للبلاد، وبقطع النظر عن أي حكومة جديدة ستُشكل، او استمرار الفراغ على مستوى السلطة التنفيذية، كما هي الحال اليوم، الدخول في برنامج مع صندوق النقد، يؤمن المظلة الدولية لأي دعم مستقبلي يحتاج اليه لبنان. وقد ظل الاتفاق إجراءات مسبقة، هي في الواقع في صلب صلاحيات البرلمان على اعتبار انها تتطلب مصادقة السلطة التشريعية عليها وأهمها أربعة، الموازنة العامة، قانون تعديل السرية المصرفية، “الكابيتال كونترول” وهيكلة القطاع المصرفي.

لكن ما حصل ولا يزال يخالف كل التوقعات، عاكساً عدم وجود أي رغبة او قرار لا على مستوى السلطة السياسية، أو على مستوى القطاع الخاص بالمضي قدماً في تنفيذ الاتفاق، تمهيداً للوصول الى البرنامج الذي سيتيح التمويل المطلوب.

فالإجراءات المسبقة لم تنفذ بالكامل. وجُلّ ما أنجز منها هو الموازنة، بعدما رد رئيس الجمهورية قانون تعديل السرية المصرفية، ولم ينظر المجلس فيه بعد، فيما أكل العفن مشروع “الكابيتال كونترول”، ولا يزال العمل جارياً على ترجمة مشروع هيكلة القطاع المصرفي!

الاستهتار على المستوى السياسي انسحب ايضاً على الساحة الاقتصادية، بحيث لم ترقَ مواقف القطاع الخاص عموماً والمصرفي على وجه الخصوص الى مستوى التعامل مع الأزمة الواقعة بواقعية ومسؤولية وجدية. فالمصارف لم تخفِ ارتياحها الى تأخر انجاز قانون اعادة هيكلتها، مستفيدة من عنصر الوقت الذي عمل لمصلحتها لجهة تذويب الودائع وتقليص الخسائر، وهي التي باتت تعتمد على الرسوم والعمولات لتغطية جزء مهماً من نفقاتها التشغيلية.

اما الهيئات الاقتصادية فلم تكن أفضل حالاً في مقاربتها الازمات، وكان تحركها خجولاً مقارنة مع حجم تلك الازمات ومخاطرها.

واما الحراك الذي لم يخرج الى العلن، وتعتقد (الهيئات) انها نجحت في القيام به داخلياً او مع هيئات غربية في إطار سعيها الى فرض مقاربة جديدة مع صندوق النقد الدولي، فهو جاء متأخراً جداً على ما تقول مصادر اقتصادية ملمّة بالملف. وهو لم يعد بالتالي كافياً لتغيير الامر الواقع، وان كانت مفاعيله تقتصر على تجميد الاتفاق وتعطيل تنفيذه. اما تعديل مضمونه، فما كُتب قد كُتب، تضيف المصادر، كاشفة أن أي تعديل في الاتفاق يجب ان يأتي من الحكومة اللبنانية. وذكّرت المطالبين بتغيير في الاتفاق انطلاقاً من تغيير موازٍ في خطة التعافي الحكومية ايضاً بأنه لم يعد سهلاً، ذلك ان مرحلة المفاوضات انتهت والاتفاق وُقِّع برعاية رسمية على مستوى رؤساء الجمهورية والمجلس والحكومة، الذين التزموا علناً ورسمياً (وهذا كان مطلب الصندوق لتأكيد التنفيذ) السير بمندرجاته ولا سيما في المرحلة التي تسبق البرنامج، والمعروفة بمرحلة الإجراءات المسبقة.

وفي رأي المصادر ان المسؤولية تترتب على القطاع الخاص الذي عجز عن فتح حوار بنّاء وجدّي وحتى ضاغط مع الحكومة للأخذ بمقترحاته ووجهة نظره، بحيث تأتي الخطة الحكومية منسجمة مع وضع هذا القطاع وقدراته.

اما التسويق لخطة جديدة او اتفاق جديد مع الصندوق، فهو غير وارد ما لم تتقدم الحكومة بطلب ذلك.

لكن المصادر تنبه في هذا الإطار الى ان اي اقتراح حكومي في هذا الصدد سيهدد بنسف الاتفاق القائم ويعيد الأمور الى المربع التفاوضي الأول، كاشفة ان لبنان لا يملك ترف الوقت او السمعة لجهة نقض توقيع رؤساء سلطاته الدستورية من اجل البدء من الصفر. ورأت ان جُل ما يمكن ان تضغط لتحقيقه الهيئات الاقتصادية يكمن في التفاهم على خطة التعافي الحكومية واقناع المعنيين الرسميين بالأخذ بالمقاربة الخاصة للهيئات. لكن ما يغفله الجسم الاقتصادي ان نقطة الخلاف الجوهرية بينه وبين الحكومة لا تقف عند ما يطلبه الصندوق، والحكومة تملك حق التمسك بمقاربتها، بل عند تقاذف المسؤوليات لناحية ان كل جهة ترمي الى تحميل الجهة الاخرى مسؤولية الخسائر المالية وتتنصل من دورها او مساهمتها فيها.

في أي حال، المرحلة اليوم ليست اقتصادية او مالية بل هي مرحلة سياسية بامتياز حيث لا صوت سيعلو فوق صوت الانتخابات الرئاسية، ومرحلة ما بعد 31 تشرين الاول التي، لغاية اليوم، لا تبشر بأنها ستكون مرحلة الخروج من جهنم إلا إذا…

Leave A Reply