فؤاد بزي – الاخبار
تُعدّ الأنهار والبرك مورد الماء شبه الوحيد في معظم القرى اللبنانية، ولكن يصعب تعقيمها، كما أيّ مصدر مائي آخر بشكل كامل، من بكتيريا الكوليرا، لاستحالة استعمال أي مادة معقّمة على كميّة مياه مماثلة. كما أنّ انقطاع الكهرباء العام، الذي تسبّب بوقف الضخ من الآبار الجوفية وعطّل محطات التكرير، لم يُبق أمام اللبنانيين من حلّ إلا اللجوء إلى “نقلات المياه” بواسطة صهاريج، من دون المرور بأيّ عملية تكرير أو تعقيم، لا للمياه المنقولة ولا حتى هياكل الصهاريج في حال تلوّثها.
لا صرف صحياً
لا تتفشّى الكوليرا في الدول حيث تعمل مرافق تكرير المياه بشكل طبيعي، أما لبنان فيعاني من عدد لا يحصى من المشكلات، وشبكات الصرف الصحي المهترئة واحدة منها، إذ توجد شبكات المجاري في المدن الأساسية، ولكنها تعود لتصبّ في البحر من دون المرور في محطات تكرير. أما في القرى، فتُصرّف المياه المبتذلة في مجاري الأنهار بالدرجة الأولى، و”الجور الصحية” بالدرجة الثانية وهي عبارة عن حفر في الأرض تُجمع فيها مياه الصرف الصحي من المنازل لتعود وتتسرّب لاحقاً في الأرض نحو مكامن تجمع المياه في الجوف (المياه الجوفية والآبار)، أو إلى مجاري الأنهار. وعليه، لا عملية تكرير حقيقية تقتل البكتيريا الضارّة الصادرة عن أجسامنا، قبل إعادة استعمال المياه للخدمة أو حتى للشرب.
بالإضافة إلى ما سبق، هناك مخيمات اللاجئين، ومياه الصرف الصحي فيها تتجه بمعظمها نحو مجاري الأنهار، الأمر الذي يزيد من تدهور حالة المياه السطحية. وهذا التلوّث لن تزيله العوامل الطبيعية من شمس أو نبات، بل سيزداد أكثر، سيّما في حال تحوّل الأنهار إلى أماكن تجميع مغلقة مثل البرك. إذاً، هناك نسبة لا يستهان بها من الشعب اللبناني تستعمل مياهاً ملوّثة بـ”البراز البشري”، وهذا ما أثبتته دراسات متفرقة لعدة جهات منها وزارة الصحة والجامعة اللبنانية.
كما أنّ خطر بكتيريا الكوليرا في المياه سيرتفع في حال تأخر موسم الأمطار، فكلما شحّت المياه ارتفع تركيز البكتيريا فيها. بالتالي يمكن القول إنّ موسم أمطار جيّداً سيؤدي إلى تراجع المخاطر، أقلّه حتى بداية الصيف القادم، ولكن من المبكر الجزم بهذا الأمر اليوم في بداية فصل الخريف.
قتل الكوليرا
التعامل مع المياه المنقولة في الصهاريج من البرك والأنهار يجب أن يكون على قاعدة “الكلّ مشتبه به”، وعليه لا مكان للثقة في نظافة المياه وخلوّها من البكتيريا، سيّما الكوليرا. هذه الأخيرة ستوجد في براز المصاب بها لـ”عشرة أيام على أبعد تقدير، حتى لو لم تظهر عليه عوارض الإسهال الشديد”، وبحالتنا مع عدم وجود أنظمة صرف صحي حقيقية، نتعامل مع كلّ كمية من المياه على أنّها ملوثة وعلينا تعقيمها. وفق أستاذ علم الأحياء المجهري في كلية العلوم محمد عز الدين، “هذه العملية سهلة للغاية، ولا تستلزم سوى استعمال مواد تنظيف موجودة في كلّ البيوت، ونقصد به الكلور، بمختلف مسمياته التجارية”.
ويضيف عز الدين: “بكتيريا الكوليرا، رغم خطورتها على الصحة، إلا أنّ التخلص منها في الكميات المحدودة من الماء سهل”، ويشرح العملية على الشكل الآتي: “يحتاج كل ليتر من المياه لتعقيمه إلى نقطتين فقط من الكلور المنزلي”. والخزان سعة ألفي ليتر، أو ما يعرف بـ”عشرة براميل” يحتاج إلى “15 مليليتر” أو “3 ملاعق” بالمقاييس المنزلية. ومن بعدها تُترك هذه الكمية من الماء لمدة 15 دقيقة قبل استعمالها للخدمة أو حتى للشرب، وهنا يحذّر الخبراء من الإفراط في استخدام “الكلور” بكميات كبيرة، لما قد يتسبّب به من ردات فعل وحساسية لدى البعض. وينصح عز الدين بـ”استخدام الكلور الموجود في الصيدليات لأثره الأخفّ على الأغراض المنزلية والصحة”.
تعقيم الطعام
خطر الكوليرا لا يكمن في المياه فقط. ففي لبنان تستطيع هذه البكتيريا الانتقال لمئات الكيلومترات لنشر العدوى في أماكن بعيدة جداً عن نقاط الانتشار الأولى، وذلك عبر نقل الفواكه والخُضر المرويّة بالماء الملوّث من منطقة إلى أخرى. ولكن، “لا داعي للهلع”، فالبكتيريا لن تستوطن قلب المنتجات الزراعية، بل ستوجد على الأسطح وخارجها، تحديداً في قطرات المياه المتبقية عليها، والتي يمكن تعقيمها باستخدام نفس المحاليل المستخدمة لتعقيم المياه، وبالمقادير نفسها.
أما ما هو ممنوع أكله بتاتاً اليوم، فهو اللحوم النيئة بشكل عام، والأسماك بشكل خاص. وفي لبنان، هناك مزارع لأسماك السلمون التي درجت عادة البعض على تناولها نيئة، وهي تحمل بكتيريا الكوليرا داخل لحومها ولا يمكن التخلص منها إلا بالطهو والحرارة العالية.