كتبت صحيفة “النهار”تقول: رئيس الجمهورية ميشال عون، منفردا، يعلن موافقة لبنان على اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل من دون إجراءات مكملة تفترض إحالة الاتفاق على مجلس الوزراء للتصديق عليه ولا على مجلس النواب لمناقشته واقراره، علما ان نسخا منه وزعت امس على الوزراء بعد فوات الاوان. ذاك ما اقتضاه تفاهم اركان السلطة رغم تصاعد الأصوات النيابية والحقوقية والقانونية والدستورية الاعتراضية والمعترضة على اختصار تطور بهذا الحجم وبهذه الأهمية الاستراتيجية التي تقارب مسألة تمس بجوهر الصراع مع إسرائيل. مع ذلك لم تقف مفارقة اختصار الإجراءات و”المراسيم” و”الطقوس” عند اعلان رئيس الجمهورية الموافقة على الاتفاق، بل ان رمزية لافتة واكبت ذلك مع توقيت “متوهج” لتوجيه الرئيس عون رسالة الى اللبنانيين في موضوع الاتفاق اذ تزامن الموعد من جهة مع الذكرى الـ 32 لعملية 13 تشرين الأول 1990 التي اسقطت حكومة عون العسكرية آنذاك على يد القوات السورية، ومن جهة أخرى مع اقتراب ولاية عون من نهايتها بعد 17 يوما. وجرى الإعلان عن الموافقة على اتفاق الترسيم البحري مع إسرائيل على وقع اخفاق مجلس النواب في عقد جلسته الثانية لانتخاب رئيس الجمهورية بفعل تعمد قوى 8 اذار ومحور “الممانعة” افقاد الجلسة نصاب الثلثين وعدم انعقادها بما شكل انتكاسة أسوأ من الجلسة الأولى التي كانت انعقدت فعلا وجرت فيها عملية انتخابية ولو لم تؤد الى انتخاب الرئيس الجديد. وعمقت الـ”لاجلسة” الثانية امس الانطباعات القاتمة والمتشائمة في زحف احتمال الشغور الرئاسي على البلاد، كأن الطبقة السياسية باتت تحت وطأة الاستسلام لقوى التعطيل والشغور في وقت بدأت ملامح القلق الدولي والخارجي من احتمال الشغور والفراغ تتصاعد وشكل ابرز مؤشراتها وصول وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا الى بيروت مساء امس في زيارة تكتسب طابع الالحاح لانتخاب رئيس للبلاد.
اما الجانب السلبي الاخر الذي واكب اعلان عون موافقة لبنان على الاتفاق فتمثل في تعمده توظيف “الإنجاز التاريخي” في الحسابات وتصفية الحسابات السياسية الداخلية عند مشارف نهاية الولاية اذ تقصد الإشارة الى ان ملف الترسيم “هو ثمرة مسيرة طويلة بدأت فعليا في العام 2010 عندما أعـدت وزارة الطاقة والمياه التي كان يتولاها الوزير جبران باسيل الخطة” ثم استدرك في سياق عرضه لمراحل المفاوضات الى اتهام اطراف سياسيين بعرقلة الفريق السياسي والوزاري الذي يمثله في الحكومات المتعاقبة. واعلن عون في الرسالة التي وجهها مساء امس موقف لبنان بالموافقة على اعتماد الصيغة النهائية التي اعدها الوسيط الأميركي لترسيم الحدود البحرية الجنوبية، وان “هذه الاتفاقية غير المباشرة تتجاوب مع المطالب اللبنانية وتحفظ حقوقنا كاملة”. وشكر “كل من وقف إلى جانب لبنان في هذا الإنجاز الذي ما كان ليتحقق لولا وحدة الموقف اللبناني وصلابته في مقاومة كل الضغوط، وفي عدم تقديمه أي تنازلات جوهرية، وعدم دخوله في أي نوع من أنواع التطبيع المرفوض.”
واستعرض المراحل التي قطعها مسار ملف الترسيم منذ العام 2010 مع “كل العقبات والصعوبات المحلية والخارجية التي واجهته، والعراقيل التي وضعت في وجهه لاسباب سياسية”، مشيراً الى انه “بالتزامن، كان على لبنان أن يفعّل عملية ترسيم حدوده البحرية لا سيما الجنوبية منها، وتصحيح أخطاء وقعت في الترسيم مع قبرص”. وقال “إن من حق لبنان أن يعتبر ما تحقق بالأمس إنجازاً تاريخياً، لأننا تمكنا من استعادة مساحة 860 كيلومترا مربعا كانت موضع نزاع ولم يتنازل لبنان عن أي كيلومتر واحد لإسرائيل، كما استحصلنا على كامل حقل قانا من دون أي تعويض يدفع من قبلنا على الرغم من عدم وجود كامل الحقل في مياهنا. كذلك لم تمس حدودنا البرية ولم يعترف لبنان بخط الطفافات الذي استحدثته إسرائيل بعد انسحابها من أراضينا في العام 2000، ولم يقم أي تطبيع مع إسرائيل، ولم تعقد أي محادثات أو اتفاقيات مباشرة معها.”
واكد ان الاتفاق ينص على كيفية حل أي خلافات في المستقبل، أو في حال ظهور أي مكمن نفطي آخر مشترك على جانبي الحدود، “ما يضفي طمأنينة وشعورا أقوى بالاستقرار على طرفي الحدود، وبتنا قادرين اليوم، بعدما استعـدنا زمام المبادرة، بفضل المثابرة والجهد والدفاع عما هو حق لنا وللأجيال المقبلة التي نأمل أن تعيش في زمن أفضل من الزمن الذي عشنا فيه. وأن ينشأ الصندوق السيادي الذي يحفظ لها العائدات بحسب اقتراح القانون المقدم بهذا الشأن.” وأوضح ان الخطوة التالية “يجب أن تكون التوجه الى عقد محادثات مع سوريا لحل المنطقة المتنازع عليها معها وهي تزيد عن 900 كيلومتر مربع، وذلك عن طريق التباحث الأخوي. كذلك تنبغي مراجعة الحدود المرسومة مع قبرص وتقرير ما يتوجب القيام به مستقبلا.”
كولونا في بيروت
في غضون ذلك وصلت مساء وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا الى بيروت وأصدرت وزارة الخارجية الفرنسية بيانا استبقت فيه وصولها في زيارتها يومي الخميس والجمعة وأفادت انها ستلتقي رئيس الجمهورية ميشال عون وبحضور نظيرها عبد الله بوحبيب، كما ستلتقي رئيس مجلس النواب نبيه بيري ورئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي.
وأضافت: “مع اقتراب الموعد النهائي الدستوري لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، ستذكر الوزيرة بتمسك فرنسا بحسن سير عمل المؤسسات اللبنانية، ستؤكد أنه من الملح أيضًا أن يكون للبنان حكومة كاملة، لإخراج لبنان من الأزمة الخطيرة جدًا التي يواجهها منذ شهور، كما تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والمالية المنصوص عليها في الاتفاق الموقع في نيسان مع صندوق النقد الدولي، التي تعتبر أساسية في سياق الحالة المقلقة للغاية في البلد . وستكون هذه فرصة للترحيب بالاتفاق التاريخي بشأن ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل المبرم هذا الأسبوع، والذي عملت فرنسا من أجله مع شركائها الدوليين. وفي ختام هذه الزيارة، ستلتقي وزيرة الخارجية الفرنسية المتطوعين الشباب من الصليب الأحمر الذين يعملون يوميًا في خدمة الشعب اللبناني “.
صخب في المجلس
وكان ملف ترسيم الحدود البحرية اخترق بقوة الفترة القصيرة التي طبعت الـ”لا جلسة” الثانية لانتخاب رئيس الجمهورية في مجلس النواب قبل اعلان ارجائها بفعل فقدان النصاب . اذ أعلن النائب ملحم خلف باسم “النواب التغييريين” توجيه كتاب إلى الرئيس نبيه برّي “ينصّ على أنّ اتفاقية الهدنة نصّت على أنّ حدود لبنان هي الحدود الدولية استناداً إلى إحداثيات آذار عام 1949 لكّننا علمنا من الإعلام أن الحدود البحرية رُسّمت بوساطة أميركية” وقال “بما أنه لا يجوز التخلي عن أراضي البلاد وعلماً أنّ الاتفاقات التي تتعلق بمالية الدولة لا يملك رئيس الجمهورية حقّ إبرامها إلا بعد موافقة المجلس النيابي لذلك يجب إطلاعنا على نصّ الاتفاق ونطلب دعوة المجلس النيابي لعقد جلسة طارئة بما يتعلّق بموضوع ترسيم الحدود”.
كما ان رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل طالب الرئيس بري بالاستفادة من التئام المجلس لمناقشة اتفاق ترسيم الحدود البحرية وقال “هل يمكن توزيع اتفاق ترسيم الحدود لانه يجب مناقشته في المجلس بحسب الدستور”. ولم يلق تجاوباً من رئيس المجلس.
ولكن بري بادر لاحقا الى الطلب من الامانة العامة للمجلس “ايداع نسخة من ترسيم الحدود البحرية الجنوبية اللبنانية لكل من السادة النواب للاطلاع بعد إقراره في مجلس الوزراء”.
وفي المقابل نقل عن أوساط رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أنّ “الوزراء سيطّلعون على نصّ إتّفاق ترسيم الحدود من دون اتّخاذ أيّ قرار بشأنه، لأن إقراره يعني إتّفاقاً بين لبنان والعدوّ الإسرائيليّ الذي لا نعترف به كدولة” وأضافت أنّ “هذا الأمر ليس وارداً بسبب أنّ أيّ إقرار للاتّفاق في مجلس الوزراء يعني التطبيع مع العدوّ”.
لا نصاب
اما في المسار الانتخابي فان الجلسة الثانية لانتخاب رئيس للجمهورية سقطت في لعبة افقاد النصاب بقرارٍ واضح ومكشوف وبتوزيع أدوار من اطراف “فريق الممانعة”. اذ ان نواب “تكتل لبنان القوي” لم يحضروا لتزامن الجلسة مع ذكرى 13 تشرين، في وقت حضر نواب “كتلة الوفاء للمقاومة” الا انه لم يدخل منهم الى القاعة العامة سوى رئيسها النائب محمد رعد. وبعد ان قرع الجرس في الحادية عشرة ايذانا بانطلاق جلسة، كان في داخل القاعة 71 نائبا فقط من اصل 89 حضروا الى البرلمان، فأعلن رئيس مجلس النواب نبيه بري ارجاء الجلسة الى 20 الجاري واعلن ايضا عن جلسة دستورية للجان في 18 الجاري.
ولعل المفارقة اللافتة الوحيدة التي ميزت الجلسة الثانية برزت في خروج “حزب الله” عن صمته بإزاء مرشح المعارضة النائب ميشال معوض فانبرى بلسان العضو في كتلته حسن فضل الله الى مهاجمته ومهاجمة “القوات اللبنانية ” معتبرا ان معوض “مرشح تحدي” وهذا الامر هو الذي يحول دون انتخاب رئيس للجمهورية!
ورد معوّض، مؤكدا انه مرشح احزاب القوات والكتائب والاشتراكي وعدد من المستقلين، وقال أن “البلد في حال انهيار، ومشهدية اليوم مؤسفة، والجميع مقتنع بأنّ الاستحقاق الرئاسي يجب أن يكون مدخلاً جدّياً للحوار، ولا أرى على الضفة الأخرى أي مشروع أو مرشح أو خيار. وأقول للمعارضة إنّ الطريق الوحيد للوصول إلى الإنقاذ هو توحيد الصفوف”. وقال ان “لعبة “كبّ الأسماء توصلنا إلى رئيس تسوية بلا لون ولا مواقف ولا يحمل أيّ مشروع. وبات واضحاً للجميع أنّنا نحمل مشروعاً جدياً و”مكمّلين فيه”، وأنا رئيس واضح ورئيس العودة إلى الدولة… وأنا لستُ مرشّح تحدٍّ، ولا يمكن أن يكون التوافق تحت سقف السلاح والتسويات لن تؤدي إلا إلى مزيد من الانهيار”.