كتبت ” الديار” تقول: مع إعلان رئيس الجمهورية ميشال عون الموافقة، على اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان و»إسرائيل»، قبل إحالته على مجلس الوزراء للتصديق عليه، وعلى مجلس النواب لمناقشته واقراره، على الرغم من توزيع النسخ على الوزراء والنواب، بعد مطالبة العديد منهم الاطلاع عليه، لانه مسألة هامة جداً تتطلب المناقشة وليس الاسراع في الموافقة، إلا انّ الرئيس عون استعار مطرقة رئيس المجلس النيابي نبيه بري، للتصديق سريعاً وفق العبارة الشهيرة:» صُدّق… صُدّق».
وهكذا يكون الرئيس بري قد لبّى مطالب النواب بتوزيع النسخ عليهم، وفي الوقت عينه وضع الكرة في ملعب بعبدا، مع ما يتبع ذلك من» ملامة « من قبل المعارضين.
الى ذلك بدأ مؤيدو الاتفاقية بنشر تداعياتها الايجابية، وابرزها وفق ما نقلوه عن دبيلوماسيين غربيين، أنّ مرحلة الاستقرار الامني بين لبنان و»اسرائيل»، ستكون طويلة الامد من الان فصاعداً، لانّ للطرفين مصلحة ببقاء الوضع هادئاً، بهدف استخراج النفط والغاز، خصوصاً انّ الضوء الاخضر اتى من الاميركيين والايرانيين للمضي بهذا الاتفاق، في انتظار الاجراءات المتممة التي ستنقل الملف الى مقر اليونيفيل في الناقورة، حيث يفترض ان تتم عملية تبادل الوثائق الموقعة بين الجانبين اللبناني والاسرائيلي، وايداعها الادارة الاميركية تمهيداً لنقلها الى الامم المتحدة.
المعارضون لاتفاق الترسيم:
فيه تنازل عن بعض حقوق لبنان
وعلى خط آخر، ثمة انتقادات داخلية للطريقة التي اعتمدت في الموافقة، بعدما علت اصوات نيابية وقانونية عديدة، طالبت بمناقشة المسودة في المجلس النيابي وفقاً لما ينص عليه الدستور، لكن اتى تبرير الرئيس بري، بأنه لا يحتاج الى نقاش في المجلس النيابي ، لانه ليس اتفاقاً مع «اسرائيل»، الامر الذي رفضه المعارضون لانهم كانوا يفضّلون عدم الانتهاء من هذا الملف، قبل نهاية ولاية الرئيس عون، لانّه سيساهم اكثر في تشدّد «التيار الوطني الحر» حيال الاستحقاق الرئاسي وفرض الشروط، كذلك الامر بالنسبة الى تشكيل الحكومة، اذ رأوا باتفاق الترسيم تنازلاً عن بعض حقوق لبنان، لانهم يتمسكون بالخط 29، مذكّرين بالمادة 52 من الدستور التي تشير الى»انّ رئيس الجمهورية يتولى التفاوض في عقد المعاهدات الدولية وإبرامها، بالاتفاق مع رئيس الحكومة، ولا تصبح مبرمة إلا بعد موافقة مجلس الوزراء، كما تطلع الحكومة مجلس النواب عليها، أما المعاهدات التي تنطوي على شروط تتعلق بمالية الدولة والمعاهدات التجارية وسائر المعاهدات، التي لا يجوز فسخها سنة فسنة، فلا يمكن إبرامها إلّا بعد موافقة مجلس النواب».
الترسيم من إنجازات العهد؟
مع اقتراب نهاية ولاية الرئيس عون، سارع مناصرو العهد الى اعتبارالاتفاق المذكور إنجازاً هاماً، ومسيرة طويلة من العمل الشاق، بدأت مع توليّ رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل وزارة الطاقة في العام 2010، محاولين توظيف اتفاقية الترسيم لمصلحتهم دون غيرهم، متناسين جهود الحكومات السابقة، وواضعين مسؤولية التأخير على عاتق الخلافات السياسية، التي كان يقوم بها الفريق الاخر، فيما الحقائق تشير وفق المعارضين، الى انّ الجميع يعلم هوية المعرقل الاول، الذي قام بدور سلبي لتعطيل مسار استخراج الثروة البحرية تحت حجج غير مقنعة.
يضاف الى ذلك إعلانهم عن إنجاز آخر ستبدأ مفاعيله بالظهور قبل انتهاء العهد، على الرغم من انتهائه بعد اسبوعين، وهو البدء بإعادة النازحين السوريين الى بلادهم.
تحذير فرنسي من الفراغ الرئاسي
هذا وانهت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا زيارتها المقتضبة الى لبنان، بعد لقائها رئيس الجمهورية ميشال عون، ورئيس المجلس النيابي نبيه بري، ورئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي، ثم عقدت قبل مغادرتها بيروت مؤتمراً صحافياً في مطار رفيق الحريري الدولي، دعت خلاله الى ضرورة انتخاب رئيس جديد للجمهورية، قبل انتهاء الشهر الحالي، وقالت: «الرسالة التي أحملها اليوم هي وجوب احترام الاستحقاق الدستوري، وهذه ضرورة أساسية للبنان وهو لا يحتمل خطر الفراغ في السلطة».
واشارت كولونا الى انّ انتخاب الرئيس المقبل يعود الى اللبنانيين وحدهم، وعليهم اختيار رئيس يستطيع العمل مع المسؤولين الإقليميين والدوليين، لتخطّي الأزمة الحالية لضمان استقرار لبنان وأمنه وسلامته ، محذرة من الفراغ الرئاسي الذي قد يضعف الموقف اللبناني، في ادارة عمليات التفاوض لحل ازماته ومعالجة الملفات الضرورية.
ورأت على خط آخر، أنّ اتفاق ترسيم الحدود البحرية القائم بين لبنان وإسرائيل، لن يحلّ مكان الإصلاحات التي تبقى أولوية، ودعت الى تطبيق الاتفاق مع البنك الدولي، لانه الخيار الوحيد لإرسال رسالة ثقة الى المستثمرين وجلب التمويل، الذي يحتاج إليه لبنان، معتبرة انه من غير المقبول أن يستمر الشعب اللبناني في تحمّل عواقب أزمة هو غير مسؤول عنها.
وعن موضوع النازحين السوريين، لفتت كولونا الى انّ الاتحاد الأوروبي تمكن من جمع مبالغ لمساعدة النازحين، واصفة هذه القضية بالمأساة الانسانية التي يتحملها لبنان، والحل يتعلق بتحسن الأوضاع في سوريا.
ماذا طلب الرؤساء الثلاثة من كولونا؟
وكان رئيس الجمهورية قد اعتبر خلال لقائه الوزيرة كولونا، أنّ موافقة لبنان على الترسيم، تشكل مدخلاً لمواجهة الازمة الاقتصادية والمالية، طالباً مساعدة فرنسا في موضوع إعادة النازحين السوريين، مُجدِداً رفض لبنان القاطع لدمجهم في المجتمع اللبناني.
الرئيس بري بدوره شكر الدور الذي تؤديه فرنسا لمساعدة لبنان على تجاوز ازماته لا سيما منذ زيارة رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون الأولى للبنان، والدور الذي أدته أيضا في ملف ترسيم الحدود البحرية، وتلبية شركة «توتال» لمطالب لبنان، في البدء بأعمال الحفر والتنقيب في أسرع وقت ممكن.
كما طلب الرئيس ميقاتي من الوزيرة الفرنسية مؤازرة بلادها للبنان، في حل ازمة النازحين السوريين على أرضه وإعادتهم الى بلادهم.
الاستحقاق الرئاسي يراوح مكانه … والحكومة الى انفراج؟
بعد جلستين لانتخاب رئيس للجمهورية لم تطلقا العنان حتى للاتفاق على اسم مرشح واحد ، لا عند الفريق الممانع، ولا عند الفريق المعارض، توحي الاجواء بأنّ الاهتمام الان ينصّب في اتجاه الناقورة، وليس في اتجاه ساحة النجمة او القصر الجمهوري، فالملف اُرجئ الى ما بعد العام المقبل، في حين ستتواصل المسرحيات والسيناريوهات المعروفة، التي ستتنقل بين الاوراق البيضاء والملغاة وغياب النصاب، الى حين «تستوي الطبخة»، ويصل الرئيس المرتقب على اجنحة الخارج بهدوء، مع تسوية ترضي الجميع، في ظل معلومات نقلتها لـ «الديار» ليلاً مصادر وزارية سابقة، على اطلاع بما يجري على الساحة الدولية المهتمة بلبنان، بأنّ اتفاق الترسيم سيساهم بعد فترة وجيزة في وصول التسوية الرئاسية، وسوف يكون حاضنة لها، كما ألمحت الى إمكان تأليف الحكومة فجأة، وقبل الخامس والعشرين من الجاري، وفق ما سمعت من ديبلوماسي غربي طمأن بأنّ الحلول تقترب جداً.
الدولار لامس الاربعين الف ليرة… لا تندهي ما في حدا!
على الرغم من الاجواء الايجابية التي خيّمت في الايام القليلة الماضية، بعد الاتفاق على ملف الترسيم، فإن الدولار الاميركي لم يعرف طريقاً سالكاً نحو خط الايجابية، بل تواصل في خرق العملة الوطنية، وإيصالها الى درب وعر جداً، قابل للتعرّج اكثر وفق المعطيات، بعد وصول سعر الصرف الى الاربعين الف ليرة، مع ما يرافق ذلك من تداعيات سلبية على حياة المواطنين، الذين باتوا يشترون السلع والمواد الغذائية الضرورية فقط وعلى سعر دولار يوازي الخمسين الف ليرة بسبب جشع التجار، من دون اي رادع وسط غياب فاضح لرقم الهاتف الساخن في وزارة الاقتصاد، الذي لا حرارة فيه على ما يبدو، ما يجعل المواطن اللبناني يتخبّط بمفرده وكأن لا دولة مسؤولة عنه…!