قال صندوق النقد الدولي “إن البنوك المركزية في دول القارة الإفريقية تمر بوقت حرج، وهي تحاول كبح التضخم الذي خرج في الأغلب عن السيطرة، ويتسبب في مستويات مروعة من انعدام الأمن الغذائي”.
وحذر الصندوق، في توقعات اقتصادية إقليمية نصف سنوية نشرها أمس، من أن 123 مليون نسمة يمثلون 12 في المائة من سكان إفريقيا جنوب الصحراء يواجهون انعداما حادا للأمن الغذائي بنهاية العام. ويعني هذا الانعدام الحاد في الأمن الغذائي أن يتسبب غياب إمكانية الوصول إلى غذاء مناسب في أن تتعرض حياة الأشخاص ومصادر أرزاقهم للخطر الداهم.
وكان العدد عند نحو 82 مليون شخص قبل جائحة كوفيد – 19، إلا أن الضربة التي شكلتها الجائحة وتداعيات الحرب في أوكرانيا فضلا عن تفاقم الاضطرابات والجفاف في مناطق من القارة أدت إلى ارتفاع العدد بهذا الشكل الحاد.
وقال أبيبيه سيلاسي مدير الإدارة الإفريقية في الصندوق هذا الأسبوع “ما يثير قلقنا حقا هو أن هذا يأتي إضافة إلى الخلل الناجم عن الجائحة”، مضيفا “كنت في تشاد في مايو الماضي، والأوضاع التي رأيتها هناك المتعلقة بالأمن الغذائي هي بالفعل مروعة للغاية”.
وأضاف مدير قسم إفريقيا في صندوق النقد الدولي “هناك تباطؤ، لكن ما يطرح مشكلة أكبر وأكثر ضررا هو ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة، إنه وضع صعب جدا للأكثر فقرا وضعفا. وإن كان الوضع شاقا في مناطق كثيرة، فهو أكثر إشكالية في إفريقيا”.
ووفقا لـ”رويترز”، تقترب إثيوبيا والصومال ومناطق في كينيا من احتجاب الأمطار للموسم الخامس، في وقت أوشك فيه الصومال على أن يشهد مجاعة.
وتجاوز التضخم السنوي لأسعار الغذاء في إفريقيا جنوب الصحراء 10 في المائة منذ النصف الثاني من 2021، ورفع صندوق النقد هذا الأسبوع توقعاته للتضخم في المنطقة بمقدار نقطتين مئويتين إلى 8.7 في المائة لهذا العام.
كما خفض التوقعات لنمو الناتج المحلي الإجمالي بمقدار 0.2 في المائة إلى 3.6 في المائة، ما يمثل تراجعا كبيرا بعد تسجيل نمو بنسبة 4.7 في المائة في 2021. وأشار إلى أن نيجيريا وغانا وإثيوبيا وملاوي وزيمبابوي ربما تحتاج إلى رفع أسعار الفائدة بوتيرة أسرع أو بنسبة أكبر.
وقال سيلاسي “إن البنوك المركزية تواجه موقفا يحتاج إلى توازن بالغ الدقة”، ووصف التضخم بأنه “ضريبة خبيثة يتحملها الأكثر فقرا”.
ويعني الرفع السريع للفائدة حول العالم أن أكثر الدول المثقلة بالديون في إفريقيا جنوب الصحراء تعجز عمليا عن الوصول إلى أسواق رأس المال الدولية.
ودفع هذا دولا من بينها غانا إلى طلب حزم إنقاذ من صندوق النقد الدولي، وأوضح سيلاسي أن العمل لا يزال مستمرا لتحديد إذا ما كانت الدولة الواقعة في غرب إفريقيا بحاجة إلى تخفيف أعباء ديونها.
وكانت إفريقيا تتوقع انتعاشا اقتصاديا 2022، لكنها تواجه عوضا عن ذلك صعوبات على مستويات عدة، إذ تعاني عواقب الحرب في أوكرانيا ومختلف الصدمات التي تهز الاقتصاد العالمي.
وبعد تعافي اقتصاد إفريقيا جنوب الصحراء العام الماضي، كان من المتوقع أن يتباطأ النمو في 2022 إلى 3.6 في المائة، على أن يستقر عند 3.7 في المائة في 2023، غير أن صندوق النقد الدولي أشار في تقريره إلى أن الآفاق على المدى القريب “غامضة للغاية”.
وجاء في التقرير أن “آفاق المستقبل للمنطقة مرتبطة مباشرة بتطورات الاقتصاد العالمي، وفي هذه الظروف، يواجه القادة السياسيون وضعا هو من الأصعب في الأعوام الأخيرة”.
ونتج ذلك من تزامن صعوبات غير مسبوقة ما بين تباطؤ الاقتصاد في الولايات المتحدة والصين وأوروبا، أكبر أسواق لصادرات القارة، والارتفاع الحاد في أسعار الطاقة والمواد الغذائية نتيجة الحرب في أوكرانيا، وسوق مالية تعطي الأفضلية للاستثمارات الأكثر أمانا وفي مقدمها الدين الأمريكي.
ويزيد هذا الوضع الاقتصادي من شدة الصعوبات التي تواجهها إفريقيا منذ بدء تفشي وباء كوفيد – 19. فإن كانت الدول الإفريقية عانت بصورة عامة أقل من سواها على الصعيد الصحي، إلا أن التبعات الاقتصادية للوباء كانت قاسية جدا، إذ واجهت القارة زيادة غير مسبوقة في مستوى الفقر كما في انعدام الأمن الغذائي.
وبحسب البنك الدولي، فإن إفريقيا جنوب الصحراء باتت تمثل 60 في المائة من الفقر المدقع في العالم إذ يطول فيها 390 مليون شخص، ما يزيد على مجموع سكان دولتي القارة الأكبر تعدادا سكانيا، نيجيريا وإثيوبيا.
ولاجتثاث الفقر المدقع بحلول نهاية العقد، ينبغي أن تسجل جميع دول المنطقة نموا اقتصاديا سنويا بنسبة 9 في المائة وهي بحسب البنك الدولي “عتبة مرتفعة للغاية بالنسبة إلى دول كان متوسط نمو إجمالي ناتجها الداخلي للفرد 1.2 في المائة في العقد الذي سبق الوباء”.
ومن الصعب الاستثمار واجتذاب الرساميل في وضع اقتصادي من التباطؤ والانكماش، في حين يتجه المتمولون إلى استثمارات أكثر أمانا بانتظار أن تعبر العاصفة المالية.
في المقابل، بات هامش المناورة المالية في إفريقيا حاليا ضيقا في ظل مستوى مديونية يقارب 60 في المائة من إجمالي ناتجها المحلي، أعلى مستوى منذ بداية القرن بحسب صندوق النقد الدولي.
وقال سيلاسي “كنا نشدد حتى قبل الوباء على زيادة المديونية العامة في المنطقة، وتفاقم هذا الوضع مع الوباء”.
وسعيا إلى معالجة المشكلة، وجهت المؤسستان نداء إلى الدول المعنية، يدعوها إلى الاستعانة بهما بدون انتظار أن يسوء وضعها المالي أكثر.
وتواجه الدول الإفريقية التحديات ذاتها كسائر العالم، غير أن هذه التحديات تزداد صعوبة في ظل خصوصيات القارة، فكيف يمكن دعم الوصول إلى المواد الغذائية في ظل الارتفاع الحاد في الأسعار، وكيف يمكن الاستثمار في تحول الاقتصاد لمواجهة مخاطر الاحترار المناخي في حين إن نسبة المديونية مرتفعة أساسا والموارد المالية محدودة للغاية؟ وفي هذه الظروف، يؤدي التشدد في السياسات النقدية إلى تجفيف سوق الائتمان، ما يجعل من الصعب إعادة تمويل دول في مأزق مالي.
وحذر ديفيد مالباس رئيس البنك الدولي في السابع من أكتوبر من أن “44 مليار دولار من الديون باتت مستحقة” على الدول الأكثر فقرا ومعظمها إفريقية، وهو مبلغ يفوق المساعدة الدولية التي تلقتها الدول المعنية.
وأوضح سيلاسي أنه “إذا كان مستوى المديونية يفوق قدرة الدول، فلا يمكننا التدخل، ويترتب على الدول التوافق مع دائنيها. فإذا تدخلنا في حين إن الدولة غير قادرة على تحمل أعباء ديونها، عندها ستذهب الموارد التي نضخها إلى تسديد الدين بدل أن تذهب إلى السياسة المالية”.
وتمكنت بعض الدول من إعادة هيكلة دينها، ولا سيما بفضل إطار التفاوض المشترك الذي أنشأته مجموعة العشرين، ومن هذه الدول زامبيا التي خاضت مفاوضات استمرت عامين مع دائنيها وفي طليعتهم الصين.
لكن مسعود أحمد رئيس مركز النمو العالمي قال “إنها آلية بطيئة جدا، ولا تأتي بنتيجة جيدة، وفي هذه الأثناء يتحتم على الدول التي تواجه صعوبات أن تنتظر فيما يتدهور وضعها”.
Follow Us: