الجمعة, نوفمبر 22
Banner

الصواريخ الباسيليّة تُخطئ أهدافها

حسن الدر –

«لم تحصل «إسرائيل» على كلّ ما تريده، ولم يحصل لبنان على كلّ ما يريده، هكذا تجري المفاوضات عادة» لعلّه التّوصيف الأكثر دقّة ومطابقة للواقع هذا الّذي صرّح به الوسيط الأميركي «عاموس هوكشتاين» للقناة 13 العبريّة.

أمّا في لبنان فقد بلغت مؤشّرات الإفلاس السّياسيّ أعلى مستوياتها، لتطغى على مؤشّرات انهيار اللّيرة اللّبنانيّة مقابل الدّولار الأميركيّ حيث وصلت السّبت الماضي إلى رقم قياسيّ غير مسبوق.

وإذا كانت تعاميم حاكم مصرف لبنان سبباً في انفلات سعر الصّرف. فتصريح رئيس الجمهوريّة مساء 13 تشرين سبب كافٍ لفهم العقليّة الّتي حكمت قصر بعبدا على مدى سنوات العهد، لقد تحدّث عون بوصفه رئيسا للتيّار وليس للجمهوريّة، وبدا كـ «Marketer» لرئيس التّيّار «جبران باسيل»، فلم يسبق لمنتصر في معركة وطنيّة، حسب توصيفه، أن فصّل انتصاره على مقاس وزير قام بواجباته الدّستوريّة، هذا إذا قام بها على الوجه الصّحيح، وأهمل مساراً طويلاً بدأه غيره، وأسّس لتفاوض بشروط مريحة من خلال اتّفاق الإطار الّذي أنجزه الرّئيس نبيه برّي.

وإذا كان لافتاً إهمال دور قائد الجيش الّذي تولّى إدارة التّفاوض التّقني عبر ضبّاط مختصّين، ودور المدير العام للأمن العام الّذي عمل على تدوير الزّوايا في كثير من المفاصل، فإنّ الّذي أدهش المتابعين تلك السّرديّة الّتي عرضها رئيس الجمهوريّة حول دور وزير الطّاقة السّابق ورئيس التّيّار الوطنيّ الحرّ الحالي «جبران باسيل» حيث نسب إليه كلّ الجهود الّتي أفضت إلى صيغة التّفاهم الأخيرة.

ثمّ أكمل «باسيل» بالأصالة ما بدأه «عون» بالوكالة في خطابه في القدّاس الّذي أقيم لمناسبة ذكرى هزيمة 13 تشرين «المجيدة»، الّتي أهمل «عون» ذكرها وتجاهل أرواح الّذين سقطوا دفاعاً عن شعاراته الّتي سحقها بخروجه مهزوماً من قصر بعبدا في أقصر معركة عسكريّة شهدها لبنان في تاريخه.

تجرّأ باسيل، في كلمته، على ادّعاءات تخوّله تولّي قيادة غرفة عمليّات المقاومة الإسلاميّة، فهو الّذي يطلق المواقف ويحدّد الإحداثيّات ثمّ يتبنّاها الأمين العام لحزب الله السّيّد حسن نصرالله من بعده، «صاروخ باسيليّ» يحتاج من يسمعه إلى «صاروخ حشيش» لكي يصدّقه، فلم يجرؤ أحد قبله على إطلاق ادّعاء فارغ كهذا.

ثمّ مضى في التّحليق خارج فضاء الحقيقة حتّى تظنّ بأنّك أمام «سرڤنتس» بنسخته اللّبنانيّة، وتحضر أمامك صورة «دون كيشوت» على الهيئة الباسيليّة وهو يمتطي حصان انجازاته الهزيل!

ولنترك باسيل قليلًا يستمتع في ريفه البطوليّ، ونعود إلى جهنّم الّتي أوقعتنا فيها سياساته الإلغائيّة، فقد برزت كلمة رئيس كتلة الوفاء للمقاومة الحاج محمد رعد أمس، حيث وضع الأمور في نصابها الطّبيعي بعيداً من التّطبيل والتّهليل.

شبّه «رعد» التّفاهم البحري بتفاهم نيسان الّذي حمى المدنيين اللّبنانيين من الاعتداءات الإسرائيليّة أواخر تسعينات القرن الماضي، مستخفًّا بالّذين يروّجون لشبهة التّطبيع والاعتراف بالعدوّ.

وللتّذكير، يُحسب للرّئيس نبيه برّي إصراره أثناء المفاوضات الشّاقة مع الوسطاء الأميركيين على اعتبار تفاهم نيسان 1996 أحد مرجعيّات التّفاوض على الحدود البحريّة ما أعطى للمقاومة، بإقرار أميركيّ وأمميّ وإذعان إسرائيليّ، بالحقّ في اللّجوء إلى القوّة، أو التّهديد بها، عندما تستدعي الضّرورة، وهذا ما حصل يوم إرسال المسيّرات فوق حقل كاريش لمنع العدوّ من الاستخراج قبل إتمام الاتّفاق مع لبنان.

بالمقارنة بين مواقف النّائب «رعد» ومواقف النّائب باسيل نتلمّس منطق التّحفّظ والتّرقّب والموضوعيّة المستندة إلى قوّة حقيقيّة: عسكريّة وشعبيّة وسياسيّة عند الأوّل، في مقابل الانتصارات الوهميّة والادّعاءات القطعيّة بانجازات خياليّة أشبه بقنابل دخانيّة عند الثّاني، تعكس الحاجة إلى تغطية الضّعف الشّعبي على الصّعيد الوطنيّ والفشل الذّريع في الإدارة على مدى سنوات العهد السّتّ وما سبقها في الوزارات الّتي تسلّمها باسيل وفريقه، والأكثر إضاءة على مسيرة الفشل هذه العتمة الدّامسة الّتي نعيشها بفضل استراتيجيّاته الكهرمائيّة!

في الملفّ الرّئاسيّ لم يخلُ كلام «باسيل» من غصّة الحسرة على ضياع الفرصة بأن يكون أحد المرشّحين على أقلّ تقدير، بعدما كان «عون» يمنّي النّفس بأن يورثه الرّئاسة بعدما أورثه تيّاره وتاريخه وثقة جمهور آمن بشعارات لم يبقَ منها شيء يذكر!

هدّد باسيل بالتّرشّح للرّئاسة، هي ليست مزحة، وإن كانت مرفقة بضحكة صفراء، هي رسالة جوابيّة إلى من يعنيهم الأمر: لن أسيرَ بسليمان فرنجيّة ولو بقيت وحدي، فقد وصلت رسالة غير مباشرة قرأها باسيل بقلق: امشِ معنا لأنّنا لن ننتظرك عندما يكتمل نصاب الحضور والتّصويت.

بالعودة إلى التّفاهم، قيد التّوقيع، وبكثير من الموضوعيّة والأمانة التّاريخيّة، الرّابح الأكبر هي الولايات المتّحدة الأميركيّة الّتي سارع رئيسها إلى الاتّصال بالمعنيين وتهنئتهم من أجل توظيف نجاح سياسته الخارجيّة في صناديق انتخابات التّجديد النّصفيّ مطلع الشّهر القادم، أمّا لبنان فقد ربح اقتصاديًّا برفع الحظر عن شركات النّفط للبدء بأعمال الحفر والتّنقيب، وربح العدوّ الإسرائيليّ أمنيًّا، ما سيسمح له باستكمال استخراج النّفط والغاز وتصديره إلى أوروبا.

وعن الحدود وترسيمها، فقد شاعت خطأً تلك التّسمية، فمسألة التّرسيم لم تبتّ ولن تبتّ حتّى يتمّ ترسيم الحدود البرّيّة، وهذا دليل على أنّنا أمام تفاهم الحدّ الممكن لتبادل الاقتصاد والأمن، وإذا كان من ضامن لهذه الصّيغة فهي قوّة المقاومة السّياسيّة والعسكريّة وليس أيّ شيء آخر..

أقلّ من أسبوعين يفصلاننا عن نهاية عهد الرّئيس ميشال عون ويدخل لبنان مرحلة جديدة ستكون، بالحدّ الأدنى، أقلّ سوءاً ممّا نحن فيه، وأحلى ما في القادم عودة باسيل إلى حجمه الطّبيعيّ عندما يفقد قدرة التّسلّط بقوّة السّلطة الّتي يشغلها الرّئيس ميشال عون!

Leave A Reply