عماد مرمل – الجمهورية
بعد إخفاق مسعى رئيس الجمهورية ميشال عون قبل فترة لعقد حوار وطني حول التحدّيات الراهنة، لقي مسعى واحدة من آخر الدول الحيادية في العالم المصير نفسه، في دلالة إلى حدّة المأزق الذي يواجه لبنان حالياً.
لم يلتئم العشاء السياسي في منزل السفيرة السويسرية في بيروت، والذي كان مقرراً اليوم لجمع ممثلي الأطياف اللبنانية حول طاولة واحدة، وذلك بعدما خشي البعض من ان يتمّ خلاله دسّ «السم» في طبق اتفاق الطائف، فيما اعتبر البعض الآخر أن لا فائدة منه، ربطاً بتجارب طاولات الحوارات السابقة غير المجدية.
واياً تكن اسباب الممتنعين عن قبول دعوة السفيرة، الّا انّ النتيجة واحدة، وهي تعطّل نصاب العشاء، كما جلسات انتخاب الرئيس، في إشارة الى انّه حتى «الخبز والملح» بات متعذّراً بين القوى الداخلية في هذه المرحلة المفصلية التي ارتفع فيها منسوب الانقسام.
ولعلّ تضارب المصالح والحسابات إزاء الاستحقاق الرئاسي فاقم الفرز والاستقطاب، إلى درجة باتت توحي بأنّ الخلاف ليس فقط على هوية الرئيس بل على هوية الجمهورية.
هذا الواقع، دفع السفارة السويسرية الى اتخاذ قرار بتأجيل العشاء إلى موعد لاحق، موضحة أنّ «خلال الشهرين الماضيين، وبالتعاون مع منظمة مركز الحوار الإنساني، تواصلت سويسرا مع جميع الجهات الفاعلة السياسية اللبنانية والإقليمية والدولية، لتحضير مناقشات تشاوريّة وليس مؤتمر حوار، في ظلّ احترام تام لاتفاق الطائف والدستور اللبناني». وكان واضحاً انّ السفارة حرصت في البيان الصادر عنها على تطمين القلقين وتأكيد احترام الطائف، لمنع تأويل وظيفة العشاء ولتبرئته من التهمة التي وُجّهت اليه في خصوص انّه كان يستهدف وثيقة الوفاق الوطني.
ولكن العارفين يؤكّدون انّ رفض عدد من الجهات الداخلية والاقليمية فتح المجال امام أي محاولة لمناقشة تعديل الدستور والطائف، هو الذي نسف مشروع العشاء، من دون أن يسعفه، لأنّ منظّمه طرف حيادي كسويسرا الخبيرة في رعاية الحوارات اللبنانية منذ ايام استضافة زعماء الحرب في جنيف ولوزان.
وهناك من يعتبر انّ التغريدة اللافتة التي نشرها السفير السعودي في بيروت وليد البخاري عبر حسابه على «تويتر» لم تكن «بريئة» في توقيتها ومحتواها، إذ أتت بعد شيوع خبر تنظيم السفارة السويسرية للعشاء، متضمنة الآتي:
«وثيقة الوفاق الوطني عقد ملزم لإرساء ركائز الكيان اللبناني التعددي، والبديل عنه لن يكون ميثاقاً آخر بل تفكيكاً لعقد العيشِ المشترك، وزوال الوطنِ الموحّد، واستبداله بكيانات لا تشبه لبنان الرسالة».
لقد بدا واضحاً انّ البخاري تعمّد من خلال تلك التغريدة توجيه رسالة واضحة لمن يهمه الأمر، بأنّ وثيقة الطائف خط أحمر، وانّ البديل عنها تفكّك لبنان. وأبعد من ذلك، ربطت إحدى الشخصيات التي دُعيت الى العشاء بين اعتذار البعض عن تلبية الدعوة وبين موقف السعودية المعترض على أي بحث في تعديل الاتفاق الذي يحمل اسم إحدى مدنها.
ووفق رأي تلك الشخصية، فإنّ ردّ الفعل السلبي لحزب «القوات اللبنانية» وبعض النواب التغييريين السنّة على الدعوة السويسرية، لا يمكن فصله عن التغريدة ودلالاتها.
أين يقف «حزب الله» من المبادرة السويسرية؟ وكيف تلقفها؟
يؤكّد المطلعون انّ «الحزب» تجاوب مع الدعوة التي تلقّاها من السفارة للمشاركة في مأدبة العشاء، وهو كان سيتمثل بعضو «كتلة الوفاء للمقاومة» النائب علي فياض، «انطلاقاً من الانفتاح المبدئي على اي حوار وطني».
ويلفت القريبون من «الحزب» إلى انّ المراد من هذا اللقاء برعاية سويسرية، التداول في الأزمات التي يمرّ فيها لبنان سياسياً واقتصادياً، ومتطلبات الخروج منها، «وبالتالي هو لا يضمر استهداف الطائف، خصوصاً انّ طابعه في الأساس تشاوري – بروتوكولي، وليس اكثر».
وعُلم انّ السفارة السويسرية تواصلت لاحقاً مع فياض، وأبلغت اليه انّ العشاء أُرجئ، الّا انّها شدّدت على أنّ مشروع الحوار لم يُلغ بل لا يزال مستمراً.