الأحد, نوفمبر 24
Banner

حزام الفقر يتمدد في العالم والدول العربية بالمقدمة

يبلغ عدد الفقراء 1.2 مليار يعيش 92 في المئة منهم في الدول النامية ومصر ولبنان يتصدران نموذج الفجوات الاجتماعية

فلان فقير. هو إذن يحتاج إلى المال حتماً، وبذلك ينتهي فقره. لكن الفقر ليس بهذه البساطة. لماذا؟ لأنه حين يكون متعدد الأبعاد يصبح متشابك المشكلات، ويحتاج إلى حلول متداخلة متكاملة، لا مجرد حزمة من المال.

يعيش 1.2 مليار شخص في 111 دولة حول العالم في فقر متعدد الأبعاد، أي في فقر لا يتوقف عند حدود تدني مستوى الدخل أو المعيشة فقط. نصف هؤلاء، أي نحو 593 مليون شخص أطفال دون سن الـ 18 سنة.

تشكل الأطفال والنساء الغالبية العظمى في معسكرات اللاجئين والنازحين (أ ف ب) 

تغير مستمر

ولأن العالم في حالة تغير مستمر، فإن الفقر أيضاً في تغير مستمر. يتقلص مرة بفضل جهود إرساء دعائم المساواة بين الجنسين، وإتاحة التعليم للجميع، وكسر حلقة توريثه، والعمل على إنهاء الصراعات وغيرها. ويتوسع مرات بفعل تعثر الإجراءات، أو تعقد المحاولات، أو انعدام الرغبة أو القدرة أو كليهما في مواجهة الفقر متعدد الأبعاد.

حياة الفقراء بالغة التعقيد. هذا ما تخبرنا به رؤى العين، إضافة إلى “مؤشر الفقر العالمي المتعدد الأبعاد” الذي يطلقه اليوم “برنامج الأمم المتحدة الإنمائي” بالتعاون مع “مبادرة أكسفورد للفقر والتنمية البشرية” تحت عنوان “فض حزم الحرمان للتقليل من الفقر المتعدد الأبعاد”.

الأشخاص العاديون الذين لا يعانون أياً من أبعاد الفقر وجدوا أنفسهم محاطين بآثار ثقيلة لعامين من جائحة كورونا ثم حرب روسيا في أوكرانيا، وما نجم عنها من ارتفاع أسعار الغذاء والوقود، ناهيك بغضب المناخ والبيئة الآخذ في التعبير عن نفسه بعد طول سكوت، فوجدوا أنفسهم وقد سقطوا في براثن الفقر.

أما الفقراء بدرجات فقرهم المختلفة وأبعاده التي تضربهم سواء بعد واحد أو اثنين أو ثلاثة، فقد باتوا في وضع لا يُحسدون عليه، وحال لا يمكن تجاهلها، لا سيما أن أعداد الفقراء الواقعين في مرمى تواتر أبعاد الفقر المركبة في زيادة.

يشير “مؤشر الفقر المتعدد الأبعاد 2022” إلى أن هذه الوضعية المركبة للفقر زادت بشكل كبير في أعقاب الوباء ثم حرب أوكرانيا. الوضع الراهن يشير ليس فقط إلى زيادة أعداد الفقراء، بل تفاقم شدة الفقر.

أنت فقير ومحروم إذا أمضيت أقل من خمس سنوات في التعليم، أو توفي في أسرتك طفل، أو يعاني طفل أو بالغ في أسرتك سوء التغذية، أو لا تحصل على أي أو كل الخدمات التالية: كهرباء، صرف صحي، مياه شرب نقية، أرض بيتك من التراب أو الرمل، لا تملك جهاز تلفزيون أو مذياع أو براد وغيرها. بمعنى آخر، أنت فقير ومحروم لو كنت تعاني مشكلات في: التعليم والصحة ومستوى المعيشة.

غياب المساواة في الفقر

لكن معيشة الفقير في دولة نامية تختلف عنها في دولة متقدمة. بحسب مؤشر الفقر 2022 في 111 دولة تعدادها 6.1 مليار نسمة، منها 23 دولة ذات مستوى دخل منخفض، و85 متوسطة الدخل وثلاث مرتفعة الدخل، يبلغ عدد الفقراء 1.2 مليار فقير يعيش 92 في المئة منهم في الدول النامية. وهذا يعني أن حتى المساواة في الفقر غائبة. فهناك فقير يعاني قلة عدد سنوات الدراسة أو غياب أو سوء الصرف الصحي، بينما قرينه الفقير في مكان آخر يعاني سوء التغذية.

ليس هذا فقط، بل يتربص الفقر بالفقير، فلا يكتفي ببعد واحد، بل يمعن في إصابته بما يسمى بـ”حزم الحرمان”. وبحسب التقرير، تأتي هذه الحزم إما أزواجاً أو ثلاثية أو مجموعات أكبر شديدة الترابط. ويكفي أن 80 في المئة من الفقراء المحرومين من مياه الشرب محرومون كذلك من الصرف الصحي. فهذا ثنائي مترابط.

ويرصد المؤشر أنماطاً بعينها من حزم الفقر والحرمان. النمط الأكثر شيوعاً، الذي يصيب نحو 3.9 في المئة من الفقراء هو حرمان من التغذية ووقود الطهي والصرف الصحي والسكن الملائم. وهذا النمط هو الأكثر انتشاراً في الهند وباكستان وبنغلادش، ما يجعله نمطاً تهيمن عليه منطقة جنوب آسيا.

نمط آخر منتشر بشكل كبير في الدول العربية، ويحوي مؤشرات عدة تدل على تدني مستوى المعيشة، إضافة إلى سوء التغذية وقلة سنوات الدراسة أو الحرمان الكلي من التعليم.

أفقر الفقراء عرب

يشار إلى أن الأبعاد الثلاثة للفقر المتعدد تحوي عشرة مؤشرات هي: تمدرس الأطفال وتمدرس البالغين في بعد التعليم، والتغذية ووفيات الأطفال في بعد الصحة، ومياه الشرب والصرف الصحي والكهرباء وتغطية أرض المسكن ونوع الوقود وحيازة الأصول في بعد ظروف المعيشة.

ويعاني 4.1 مليون فقير في العالم من درجات حرمان مختلفة في المؤشرات العشرة مجتمعة. هؤلاء هم أفقر الفقراء. واللافت أن عدد أفقر الفقراء في الدول العربية (214 ألفاً أغلبهم في السودان) أعلى من أفقر فقراء جنوب آسيا (110 آلاف أغلبهم في أفغانستان وباكستان)، وذلك على رغم أن عدد سكان الدول العربية مجتمعة خُمس سكان جنوب آسيا!

يظل الفقر بعداً اقتصادياً في عُرف كثيرين. وتظل أبعاده الاجتماعية والإنسانية تعاني قدراً من التجاهل. فخلف كل وجه فقير قصة وحكاية عابرة لهذا الوجه، وممتدة إلى بقية أفراد أسرته ومحيطه. من هم الفقراء إذن؟ وأين يعيشون؟

نصف فقراء العالم أطفال دون الـ 18 سنة. وفي مقابل واحد بين سبعة بالغين فقير، فإن واحداً بين كل ثلاثة أطفال فقير. ويهيمن الريف على عرش الفقر، حيث يعيش 83 في المئة من فقراء العالم في الريف، و17 في المئة فقط في المناطق الحضرية. الغريب أن 66 في المئة من الفقراء يعيشون في بلدان ذات دخل متوسط، وليست منخفضة الدخل. وأكثر من نصف فقراء العالم يعيشون في فقر مدقع. كما أن واحداً بين كل ستة فقراء يعيش في أسرة تعولها امرأة.

يشار إلى أن “تأنيث الفقر” ظاهرة لا يمكن أن تمر مرور الكرام، لا سيما في المنطقة العربية. عالمياً، تحذر منظمات أممية منذ ما يزيد على عقدين من تزايد عدد النساء الفقيرات مقارنة بالرجال، إذ يحظين بنصيب أوفر من الفقر من الرجال. وغالبية الفقراء ممن يعيشون على دولار أو أقل في اليوم هم من النساء والأطفال. هذه الفجوة إلى زيادة، لا سيما في ضوء آثار الوباء التي فاقمت من أعداد الفقراء حول العالم، مرجحة كفة النساء والفتيات من حيث العدد.

عدد الأشخاص الذين يعانون نقصاً في التغذية بلغ 193 مليوناً في 2021 (أ ف ب) 

فقر اللجوء والنزوح

فبين القيام بعديد من الأعمال غير مدفوعة الأجر والعمل بدوام جزئي ثلاث مرات أكثر من الرجال وتدني أجورهن مقارنة بهم، إضافة إلى ضغط مضاعف على المهاجرات واللاجئات اللاتي يتم التمييز ضدهن لا لأسباب تتعلق بالجنس فقط، بل لأسباب دينية وعرقية وبلد النشأة والحالة الاجتماعية أيضاً، ناهيك بمعسكرات اللاجئين والنازحين وأغلبها من الأطفال والنساء اللاتي خرج أزواجهن للقتال أو تعرضوا للاعتقال أو لقوا حتفهم في الصراع.

صراع آخر يخوضه العالم، لا سيما فقراؤه وعلى وجه أكثر دقة أفقر فقرائه هو صراع البقاء بعيداً من خط الفقر أو تجنب مزيد من الانزلاق في هوة فقر أوسع وأفدح، وذلك بسبب آثار الوباء وكذلك حرب أوكرانيا.

يشير التقرير إلى أن عديداً من الدول تمكّنت من تحسين أدائها في ما يتعلق بسياسات التقليل من أعداد الفقراء، وتخفض من تكالب أبعاده ومؤشراته على الفقير. دول أخرى لم تتغير نسب الفقر والفقراء فيها، ومجموعة ثالثة زاد فيها الفقر بينها دولة عربية واحدة. والسبب الأكبر في ذلك هو تفوق زيادة السكان على سياسات مجابهة الفقر.

إطالة أمد الفقر

لكن يتوقع أن تبطئ آثار الوباء من تسارع وتيرة مجابهة الفقر وإطالة أمدها بين ثلاث إلى سبع سنوات مقارنة بما كان متوقع قبل عام 2020. فقد الطلاب في كل العالم نصف عام من التعليم تقريباً بسبب الوباء. ولا تزال منظومة التعليم متأثرة سلباً في عديد من البلدان.

وفي دول عدة، لم يعد الأطفال إلى المدرسة بعد انتهاء الإغلاقات والإجراءات الاحترازية. كما أن عدد الأشخاص الذين يعانون نقصاً في التغذية أو مشكلات في الحصول على الغذاء بلغ 193 مليوناً في عام 2021.

وينبه المؤشر إلى مشكلة كبيرة من شأنها أن تعرقل معرفة حجم الفقر المتعدد الأبعاد، ألا وهي نقص المعلومات، لا سيما في عصر ما بعد الوباء، الذي يهدد بدفع ملايين إضافية من الأشخاص نحو خط الفقر وأسفله. كما أن الحصول على معلومات لا تتوقف عند الحصول عليها مرة، بل تحتاج إلى متابعة وتدقيق وتحديث باستمرار.

يشار إلى أن المؤشر لا يدمج عدداً من الدول لقياس الفقر فيها منذ عام 2010، وذلك لتعذر الحصول على معلومات أو لتضاربها. وأبرز هذه الدول جيبوتي والصومال وسوريا.

الغريب، كما يذكر المؤشر، أن العالم لا يكل عن البحث عن المعلومات الخاصة بأعداد المليارديرات والمليونيرات ومقدراً ثرواتهم وطرق معيشتهم وإنفاقهم ونشرها.

يعاني 4.1 مليون فقير في العالم من درجات حرمان مختلفة (أ ف ب)

أثرياء مصر ولبنان

يذكر أن عديداً من الدراسات الاقتصادية والاجتماعية التي أجريت حول الفقر المتعدد الأبعاد في الدول العربية أشارت إلى معدلات كبيرة في عدم المساواة والحرمان في داخل الدولة الواحدة. فمثلاً الباحث الاقتصادي وائل جمال أشار في ندوة اقتصادية إلى أن مصر ولبنان بين الدول العشر الأولى في العالم من حيث أوسع الفجوات بين الأغنياء والفقراء. وأشار إلى أن واحداً في المئة من الأثرياء المصريين يحصلون على 19 في المئة من الدخل، في حين يحصل 50 في المئة من المصريين العاديين على عشرة في المئة من الدخل.

أما لبنان، فتشير ورقة منشورة على موقع “البنك الدولي” عن الفقر المتعدد الأبعاد في لبنان (2022) إلى أن 53.1 في المئة من اللبنانيين كانوا يعانون الفقر المتعدد الأبعاد في عام 2019 لأنهم كانوا محرومين من 25 في المئة من المؤشرات.

ويعد الحرمان من التأمين الصحي (24.8 في المئة) أكثر المؤشرات مساهمةً في الفقر متعدد الأبعاد في لبنان، يليه مستوى التحصيل الدراسي (18.3 في المئة).

كما أن الأسر التي تعيلها نساء تعاني قدراً أوفر من الفقر بنسبة 56.7 في المئة مقارنة بالأسر التي يعيلها ذكور، مع الإشارة إلى أن هذه النسب جرى سنها قبل الوباء وحرب أوكرانيا وظروف لبنان الاقتصادية والسياسية المتأزمة الحالية.

يذكر أن تقرير التنمية الإنسانية العربية الذي صدر في يونيو (حزيران) الماضي عن “برنامج الأمم المتحدة الإنمائي” سلط الضوء على الآثار الاقتصادية والاجتماعية الكثيرة التي خلفها الوباء، إضافة إلى حرب روسيا في أوكرانيا والتي تضرب بشدة العديد من الدول العربية، لا سيما ذات مستويات الدخل الأكثر انخفاضاً، أو التي تعاني صراعات وعدم استقرار سياسي.

مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أخيم شتاينر قال إن “العديد من الدول العربية تكافح من أجل التعامل مع الآثار الاجتماعية والاقتصادية المدمرة لجائحة كورونا، والتي تفاقمها الأزمات الناشئة غير المسبوقة والمرتبطة بالغذاء والطاقة وتوافر التمويل الدولي للتنمية، التي عجلت بها الحرب المأساوية في أوكرانيا.

كما حذرت المديرة المساعدة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومديرة المكتب الإقليمي للدول العربية خالدة بوزار، من الهشاشة التي تعانيها دول عربية عدة، إضافة إلى التباين الشديد في مستويات التنمية بين الدول وبعضها، مشيرة إلى أن “الهشاشة ليست قدراً محتوماً علينا”، لا سيما مع توافر الإمكانات التي تتيح الخروج من دائرة الهشاشة والفقر.

اندبندنت

Leave A Reply