دوللي بشعلاني – الديار
تدخل اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان والعدو الإسرائيلي حيّز التنفيذ الأسبوع المقبل، مع مجيء الوسيط الأميركي في المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية الجنوبية بين الجانبين آموس هوكشتاين الى لبنان يوم الثلاثاء في 25 تشرين الأول الجاري أو الأربعاء في 26 منه، حاملاً نسخة من اتفاق الترسيم الذي سيتمّ توقيعه مع مسؤولين لبنانيين. ويأتي ذلك مع موافقة كلّ من الطرفين على الصيغة النهائية لمسودة الاتفاق التي قدّمها الوسيط الأميركي في 10 تشرين الأول الجاري لكلّ من الجانبين. وسيتمّ توقيع الرسائل وإرسالها الى الأمم المتحدة بين هوكشتاين ولبنان على حدة، كما بينه وبين الجانب الإسرائيلي في 27 تشرين الجاري، على ما يُتوقّع، على طاولة الناقورة، فيما سيطلّ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله تزامناً مع وجود الوسيط الأميركي في لبنان للحديث عن مستقبل الترسيم والحدود بعد التوقيع.
وتقول أوساط ديبلوماسية مطلعة انّ هوكشتاين سيصل الى لبنان مساء الثلاثاء أو الأربعاء المقبلين، حاملاً الصيغة النهائية لاتفاقية الترسيم البحري للتوقيع عليها من قبل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، أو من تقرّر التوقيع عليها رسمياً، إذ ليس من داعٍ لعرض الإتفاقية على مجلسي الوزراء والنوّاب لدراستها ومناقشتها، سيما أنّها لا تمسّ بالإحداثيات المودعة أساساً لدى الأمم المتحدة في العام 2011، في المرسوم 6433 الموقّع من قبل الحكومة اللبنانية آنذاك.
كذلك سيُطلع هوكشتاين الرئيس عون على طبيعة الوفد الإسرائيلي الى طاولة الناقورة لكي يشكّل لبنان وفداً على المستوى نفسه، على ما أضافت، والذي قد يضمّ على الأرجح أعضاء من اللجنة الفنية المختصّة التي عملت على دراسة مسودة اتفاقية الترسيم. غير أنّ القرار الأخير في تسمية أعضاء الوفد يعود الى الرئيس عون، كما الى رئيسي مجلس النوّاب نبيه برّي والوزراء نجيب ميقاتي. على أن يقوم الوفدان في اليوم التالي من وصول هوكشتاين الى لبنان بالتوجّه الى مقرّ قوات الطوارئ “اليونيفيل” في الناقورة، كذلك سيفعل الوسيط الأميركي، وذلك في حضور قائد القوّة الدولية اللواء أرولدو لاثارو ساينز، وموظّفين يمثّلون الأمم المتحدة، للتوقيع على الإتفاقية، كلّ على حدة وفي غرفة منفصلة مع هوكشتاين والحاضرين، ومن ثمّ يتمّ تسليم نسخة الى الوسيط الأميركي ويحتفظ كلّ طرف بنسخة له.
وأكّدت الأوساط نفسها أنّ مثل هذا الإجراء قد اقترحه الوسيط الأميركي نظراً لتفهّمه موقف لبنان عن عدم قدرته على إبرام إتفاقية أو معاهدة دولية مع “إسرائيل”، كونها دولة عدوّة، ولكيلا يُعتبر هذا الاتفاق أي نوع من أنواع التطبيع بين الطرفين، وذلك نزولاً عند رغبة لبنان بأنّه لا يريد من العدو الإسرائيلي أن يعتقد أنّه يُطبّع معه بمجرّد أنّه وافق على المفاوضات غير المباشرة بوساطة أميركية. فالاتفاقية التي ستُعقد بين الجانبين ستكون عبارة عن رسالة مرسلة من الولايات المتحدة عن طريق هوكشتاين، وسيوافق عليها كلّ من الجانبين من خلال التوقيع خطيّاً عليها، ومن ثمّ إيداعها لدى الأمم المتحدة ليتمّ اعتمادها كوثيقة رسمية. وبهذه الطريقة سيجري تسليم الرسائل تحت علم الأمم المتحدة في الناقورة.
ولكن في هذه الأثناء، دخلت قبرص على خط الترسيم مع علمها بتوقيع اتفاقية الترسيم بين لبنان والعدو الإسرائيلي، وبعد أن أعلن الرئيس عون أنّ لبنان يريد أن يعيد النظر بالترسيم مع قبرص. وقد أرسلت رسالة الى وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بو حبيب من نظيره القبرصي، طالبت فيها ببدء التفاوض لتعديل الحدود بينها وبين لبنان. ولهذا سيكون على لبنان أن يقرّر كيف ومتى يستكمل المفاوضات معها لتعديل الحدود. علماً بأنّ لبنان تفاوض مع قبرص في العام 2007 حول مسودة اتفاقية لترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة بين البلدين، وقد حدّد لبنان الحدود بنقطتين مؤقتتين وغير نهائيتين، هما النقطة 1 جنوباً و6 شمالاً، وبذلك يكون قد تراجع عن حدوده الى حين إنهاء النزاع الحدودي مع العدو الإسرائيلي. فيما النقطة النهائية التي تشكّل الحدود اللبنانية- القبرصية هي النقطة 23.
وتقول الأوساط عينها انّها لا تعلم حتى الآن، ما إذا كان دخول قبرص على خط الترسيم من شأنه عرقلة توقيع اتفاقية الترسيم مع العدو الإسرائيلي سيما أنّ المادة الثالثة من الاتفاق مع قبرص، نصّت على أنّه “إذا دخل أي طرف من الطرفين في مفاوضات تهدف الى تحديد المنطقة الإقتصادية الخالصة مع دولة أخرى، يتعيّن على هذا الطرف إبلاغ الآخر، والتشاور معه قبل التوصّل الى اتفاق نهائي مع الدولة الأخرى، إذا ما تعلّق التحديد بإحداثيات النقطتين 1 و6″. علماً بأنّ التفاوض مع قبرص في العام 2009، أتاح التراجع 10 أميال بحرية أي ما يُعادل 17 كلم عن حدود المنطقة الإقتصادية الخالصة للبنان في انتظار تحديد نقطة الحدود الثلاثية بين لبنان وقبرص و”إسرائيل”. وقد ظهر هذا الخطأ إبان توقيع الإتفاقية القبرصيّة- الإسرائيلية، إذ تبيّن أنّ المفاوِض اللبناني لم يذكر أنّ هذه الأميال المتراجع عنها تدخل ضمن المنطقة البحرية التابعة للبنان، ولهذا أبلغ لبنان الأمم المتحدة في العام 2010 بحدوده الجنوبية مع “إسرائيل”، وقد حدّدها من جانبه وحده. كما أبلغها في العام نفسه، بحدوده مع قبرص. وبعد شهر وقّعت قبرص اتفاقية حدود مع “إسرائيل”، اعتبرت أنّ النقاط التي ابلغها لبنان الى الأمم المتحدة من ضمن المنطقة البحرية للجانب الإسرائيلي، ما يعني أنّه جرى الأخذ بالنقطة 1، كنقطة مشتركة بين لبنان وقبرص و”إسرائيل”، ويمكن تعديلها بتوافق الدول المعنية بحسب نص الاتفاق الموقّع بين قبرص و”إسرائيل”.
ولهذا لا بدّ من أخذ لبنان للنقطة 23، بحسب الاتفاقية التي سيوقّعها مع الجانب الإسرائيلي بعد أيام، على ما لفتت، سيما أنّ نص الاتفاقية بين لبنان وقبرص لا يشير الى أنّ المنطقة الواقعة بين النقطتين 1 و23 هي لبنانية. علماً بأنّ اتفاقية لبنان – قبرص لم تدخل حيّز التنفيذ، وقد طمأنت هذه الأخيرة لبنان بأنّها حريصة على الحقوق اللبنانية وفقاً لما ينصّ عليه القانون الدولي، الامر الذي يشجّع على استكمال التفاوض مع قبرص لتعديل الحدود بينهما وتصحيح الخطأ الذي حصل ولم يكن نهائياً.
وعن إمكان أن تقوم أي حكومة جديدة في “إسرائيل” برئاسة بنيامين نتنياهو أو سواه، بعد الانتخابات النيابية المرتقبة في الأول من تشرين الثاني المقبل، بنسف الاتفاقية بين لبنان والجانب الإسرائيلي، قالت الأوساط انّ عدم التزام الإسرائيلي بالاتفاقية وخرق أحد بنودها، سيجعله يواجه الولايات المتحدة التي توسّطت بين الطرفين للتوصّل الى هذه الاتفاقية.