عماد مرمل – الجمهورية
مع الدخول في متاهة الشغور الرئاسي، يُفترض أن تبدأ القوى السياسية بمقاربة استحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية من زوايا جديدة، آخذة في عين الاعتبار انّ ما بعد الشغور ليس كما قبله، وانّ ما كان يجوز سابقاً لم يعد يصح الآن.
وبهذا المعنى، اذا كانت المناورات الظرفية او التكتيكات المرحلية تبدو مشروعة خلال فترة «الروداج» التي سبقت انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في 31 تشرين الأول، الا انها لا تعود كذلك عقب تجاوز هذا التاريخ من دون انتخاب الرئيس.
وبناء عليه، فإنّ من كان يطرح اسماء للاستهلاك المحلي وتقطيع الوقت بات مطالَباً بأن يكفّ عن التسالي السياسية وبوَقف السيرك الاستعراضي تحت قبة المجلس النيابي، ومن كان يداري حالة عدم وضوح الرؤية داخل فريقه عبر استخدام الورقة البيضاء صار مدعواً الى بلورة خياره الرئاسي والانتقال من موقع الدفاع الى موقع المبادرة.
وضمن سياق متصل، يستشعر «حزب الله» بدقة مرحلة ما بعد 31 تشرين، خصوصا انّ الفراغ الرئاسي ترافَق مع العجز عن تشكيل حكومة أصيلة تخفف من وطأته، الأمر الذي أصبح يستدعي من وجهة نظر الحزب انتخاب رئيس الجمهورية بلا اي تأخير، لأنّ من شأن ذلك أن يعالج دفعة واحدة مشكلتي الفراغ في قصر بعبدا والازمة الحكومية.
ولكن التحدي الذي لا يزال يواجه قيادة الحزب يتمثّل في صعوبة إقناع حليفها رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل بدعم انتخاب مرشحها المُضمر رئيس تيار المردة سليمان فرنجية.
ولعل باسيل استبق الضغط المحتمل الذي قد يتعرض له بتلميحه اكثر من مرة الى احتمال ترشّحه هو شخصيا الى الرئاسة، علماً ان العارفين يعتبرون ان الغرض من هذا التلميح ليس التمهيد لخوض معركة رئاسية يعرف ان متطلبات نجاحها غير متوافرة حاليا، وإنما تحسين شروطه التفاوضية مع الحلفاء والخصوم على اسم يقبله التيار ويكون خارج معادلة «سليمان فرنجية – جوزف عون».
وهناك من يتساءل عن الحدود التي يمكن أن يذهب اليها باسيل في رفضه التجاوب مع خيار «حزب الله» الضمني بدعم فرنجية؟ وهل لديه الاستعداد للمضي في موقفه السلبي الى درجة المُجازفة بإغضاب «السيّد» والتسبّب في زعله؟ وهل يتحمل الحزب اصلاً ان يظهر غير قادر على المساهمة في إيصال حليفه الاستراتيجي فرنجية الى سدة الرئاسة بسبب عقبات متأتية من داخل الصف الواحد قبل الآخرين؟ وكيف سيتصرف اذا أصرّ باسيل على رأيه؟
ولئن كان الحزب لا ينفي حق باسيل في الترشح او في تأييد مرشح معين الا انه لا يستسيغ بطبيعة الحال إضاعة فرصة انتخاب فرنجية التي تبدو اكثر تقدما، خصوصا انّ هناك حداً أدنى من التقبّل الداخلي – الخارجي له، والذي يمكن أن يُبنى عليه للذهاب في مشوار ترشيحه حتى النهاية واستكمال متطلباته.
ولكن البعض في 8 آذار يلفت الى انه إذا لم يوافق باسيل على تأييد فرنجية الذي يشاركه الخط الاستراتيجي الواحد، فلا يُلام الآخرون على الضفة الأخرى اذا امتنعوا عن تأييده. وبالتالي لا يمكن السعي الى إقناع وليد جنبلاط وبعض المستقلين على سبيل المثال بإسم فرنجية ما دام باسيل لم يقتنع به بعد، «إذ كيف سيتم تسويق الاسم في المقلب الآخر في حين انه مرفوض من قبل أحد المكونات الاساسية في بيئته الاستراتيجية؟».
ويشير هؤلاء الى انّ ما ينبغي الإقرار به هو ان ترشيح رئيس «المردة» يحتاج إلى شرعية مسيحية تغطّيه، وهذه لا يمكن استجرارها سوى من التيار الوطني الحر أو القوات اللبنانية، ولذلك يجب السعي الى تحقيق التفاهم بينه وبين باسيل لأنّ الخلاف مع «القوات» جذري».
وبينما يواصل الحزب حماية ترشيح فرنجية عبر منع استهلاكه في مَعمعة الترشيحات العبثية، يُنقل عن احد قيادييه قوله انّ «صمتنا مدروس وما يهمنا هو وصول فرنجية الى قصر بعبدا وليس ان نحوّل اسمه موّالاً نُنشده بصوت مرتفع للاستهلاك».