عادت الكهرباء إلى لبنان لكن من بوابة الوعود التي حملت البشرى بـ10 ساعات طاقة يومياً، وترافق ذلك مع بدء سريان التعريفة الجديدة التي رفعت لتتناسب مع زيادة الكلفة وارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي في مقابل الليرة اللبنانية.
وقد بنيت الآمال بعودة الكهرباء على جملة عوامل، من ضمنها بدء وصول شحنات الفيول العراقي المستبدل، وعودة التواصل بين لبنان والجزائر، إذ اصطحب رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وزير الطاقة وليد فياض لإجراء مفاوضات مع شركة “سوناطراك” التي سبق لها أن لعبت دور مورد الفيول إلى البلاد.
لكن، في المقابل تؤكد جملة وقائع أن عودة الكهرباء تبقى غير متيسرة في ظل عدم وجود الاعتمادات الكافية لتأمين الفيول للمعامل من جهة، والتأخير في بناء المصانع الجديدة لزيادة القدرة الإنتاجية من جهة أخرى، كما لا يمكن التغاضي عن المشكلات التقنية والهدر الذي يصل إلى مستوى 40 في المئة، وارتفاع السرقات والمناطق المغلقة أمام الجباية، فضلاً عن النقص في العنصر البشري والفني الذي يبقى رهين التقاعد وهجرة الفنيين.
بدء التعريفة الجديدة
بدءاً من أول نوفمبر (تشرين الثاني) تسري التعريفة الجديدة لكهرباء لبنان، إذ تتوجه مؤسسة الكهرباء إلى اعتماد الجباية الشهرية، وطالبت المؤسسات والمصالح العامة دفع ثمن الطاقة المستهلكة من قبلها، كما ناشدت القوى الأمنية مؤازرة الجباة من أجل تحصيل الفواتير.
وسيجري اعتماد التعريفة التصاعدية، بحيث يبلغ سعر أول 100 كيلو واط 10 سنتات للكيلو الواحد، ليرتفع إلى 27 سنتاً لكل كيلو إضافي.
ويتوقف نجاح الخطة على زيادة مستويات الجباية، وإلا ستستمر السرقات والمناطق المغلقة أمام الدولة. وسيؤمن ارتفاع الجباية زيادة مداخيل مؤسسة الكهرباء، مما يتيح الفرص أمامها لإطلاق مناقصات الفيول بدءاً من ديسمبر (كانون الأول) المقبل، ولمدة ستة أشهر.
تجدر الإشارة إلى أن زيادة تعريفة الكهرباء أحد مطالب صندوق النقد الدولي، إضافة إلى خفض الهدر، وبناء معامل جديدة، فيما لم يحسم بعد ملف استجرار الطاقة إلى لبنان من الأردن عبر سوريا الذي لم ير النور بعد منذ أكثر من سنة.
مشكلات تقنية
لا يتوقف بلوغ الهدف في زيادة ساعات التغذية على زيادة التعريفة، إنما يفترض تجاوز كثير من المشكلات التقنية التي يواجهها القطاع وزيادة الإنتاج والتغذية، الأمر الذي يستلزم توافر الفيول، وقيام مصرف لبنان بتأمين الاعتمادات بالعملة الصعبة.
وتؤكد أوساط مؤسسة كهرباء لبنان أن هناك جملة شروط ومشكلات لا بد من تجاوزها لتأمين زيادة الإنتاج واستقرار الشبكة. ويبدأ ذلك بتأمين الفيول لتشغيل المعامل، وإلا ستبقى الحال على ما هي عليه حالياً.
وتكشف الأوساط عن أن العمود الفقري لإنتاج الكهرباء في لبنان يعتمد على معمل دير عمار في شمال لبنان، ومعمل الزهراني في الجنوب، لأن حالهما جيدة جداً، ويتمتعان بعمليات صيانة دورية ومستمرة.
وفي حال تأمين “المازوت – الديزل” يمكن توفير 900 ميغاواط بحدود بين سبع وثماني ساعات، فيما تبلغ حاجة لبنان قرابة 4000 ميغاواط، وهي على الشكل التالي، 3500 حجم الاستهلاك المقدر، و500 احتياطية لا بد من تأمينها من الوجهة الفنية لاستدراك أي أعطال طارئة على الشبكة.
إلى جانب هذين المعملين، يتوافر معملا الجية والذوق القديمان، وتُعنى الدولة بإدارتهما وصيانتهما ويؤمنان نحو 160 ميغاواط تغذية إضافية. ويعتقد أن ما أشيع عن الساعات الـ10 للتغذية يعتمد على تشغيل هذه المعامل مجتمعة، وهو أمر بعيد المنال يقيناً بسبب الأعطال التي قد تطرأ والأخطار غير المنظورة، إضافة إلى البيروقراطية والروتين اللذين يعطلان عمليات إصلاح الأعطال. فعلى سبيل المثال طرأ عطل على الشبكة أدى إلى خروج معملي الزهراني والذوق مجدداً عن العمل، وإن بصورة موقتة.
إلى جانب المشكلات التقنية لا بد من تسليط الضوء على المشكلات البشرية والمالية، فمن ناحية لم تعد تتوافر الكوادر البشرية الكافية لتشغيل المعامل، فضلاً عن الحاجة إلى تمويل لإعادة تأهيلها، وتوضح الأوساط أن خطة تأهيل معملي الجية والذوق من قبل مجلس الإنماء والإعمار سقطت مع قرار مجلس الوزراء بإنشاء معامل جديدة.
وتشكو شركة كهرباء لبنان شغوراً كبيراً في الطواقم الفنية والبشرية، فكيف يمكن تأمين الاستمرارية في ظل تقاعد الكوادر الخبيرة من دون وجود بدائل شابة؟ وتصل نسبة الشغور في معامل مؤسسة الكهرباء إلى نحو 85 في المئة، ففي السابق كان عدد الكوادر 5000 موظف تقريباً في حين لا يتجاوز العدد حالياً ألف موظف، إذ يتم التعويض من خلال التعاقد مع اليد العاملة الفنية، لكن هؤلاء باتوا عرضة للاجتذاب من قبل الشركات العالمية بسبب الأجور القديمة بالليرة اللبنانية.
التمديد للشركات المشغلة
يقود التدقيق في المشكلات التي يعانيها قطاع الكهرباء في لبنان إلى اكتشاف عدم إمكان عودة الأمور لسابق عهدها. إذ يؤكد المهندس يحيى مولود، مدير تحالف الشركات المشغلة لمعملي الذوق والجية، أن العقود بين الشركات المشغلة والدولة انتهت، ثم جاء قانون تمديد المهل التعاقدية لجميع المتعاقدين مع الدولة اللبنانية، وبذلك سيستمر العقد إلى يونيو (حزيران) 2023، لكن في المقابل، تنهض مجموعة أزمات في مقدمتها المشكلات المالية، حيث تمتنع مؤسسة الكهرباء عن دفع المستحقات المترتبة عليها للمشغلين. كما لا يتم توفير الفيول من أجل تشغيل المعامل.
ويكشف مولود عن أن “الشركات المشغلة صبت جهودها في الفترة الماضية لاتخاذ الإجراءات الوقائية من أجل الحفاظ على المحطات بحالها المثلى”، موضحاً أنه “لا يمكن إعادة تشغيل المعامل من دون إعادة تأمين فريق العمل الفني الذي لم يعد موجوداً منذ يونيو 2022”.
من هنا يعتقد مولود أن كل ما يشاع من وعود يبقى في دائرة “الكلام السياسي غير المفيد”، موضحاً أن معمل الذوق الجديد يمكنه تأمين تغذية بقدرة 194 ميغاواط، أما معمل الجية فينتج قرابة 80 ميغاواط، وهما في أحسن الأحوال يمكنهما تأمين ثلاث ساعات من الكهرباء يومياً، بالتالي فإن التعويل الأساس لتأمين الفرق يبقى على معملي دير عمار والزهراني.
إلى ذلك تحولت عودة الكهرباء إلى حلم يراود المواطن اللبناني للخلاص من المولدات الخاصة التي استأثرت خلال السنوات الثلاث الماضية بمسألة تأمين الطاقة.
بشير مصطفى – اندبندنت