بقلم الأستاذ عدنان ح. أبو خليل
يُحكى أن ملكا” أرسل حرسه الخاص لإحضار أحد مستشاريه في ساعة متأخرة من الليل. ولما جاءوا بمستشاره وقد بانا عليه الخوف والهلع ومُثلَ بين يديه ، قال له الملك بصوت مرهق اسمع أيها المستشار: ” لقد أخترتك من بين مستشاري لأنني أعرفك أرجح عقلا” وأشدهم ذكاء. فقال له المستشار وهو ينحني له إجلالا”: ” ألف شكرا” يا مولاي وأن شاء الله سأكون عند حُسني ظنك.” قال له الملك بعدما اتكئ على عرشه: ” أتعلم أنني لم أنام ليلتي لأن هناك سؤال يُؤرقني وأريد منك إجابة عنه يستند إلى دليل قاطع. قال له” أبشر يا مولاي وسأجيبك عنه بإذن الله. قال له” قل لي إيهما الأفضل. الحظ أما القداسة؟”. قال له من دون أي مقدمات: ” القداسة طبعا” يا مولاي!”. ضحك الملك وقال: ” سأدحض رأيك بالدليل أو تثبت لي رأيك وبالدليل”.
وأفق المستشار وخرج في اليوم التالي إلى أحد الأسواق وأخذ الملك يتأمل في وجوه رعيته حتى رأى “عتالا” بأسا” جدا”. فأمر حرسه أن يجلبوه إلى قصره، ثم أمر بأن يطعموه ويلبسوه الحرير. ثم جعله وزيرا” وأمر بإدخاله إلى مجلسه. فإندهش المستشار عندما رأى بأن العتال أصبع وزيرا”. فقال الملك لمستشاره: ” أيهما الأفضل الإن، الحظ أم القداسة؟”. فأجاب المستشار وقال: ” أعطوني فرصتي يا مولاي لأثبت لك بأن رأي هو الأصح”.
ذهب المستشار إلى السوق وأخذ يتأمل، فإذا به يرى حمارٍ هزيلا” ومنهكا” من التعب. فاقترب منه وأخذ يتحسسه ويتلمسه، والناس ينظرون باستغراب حتى يجمهروا من حوله. فقال: ” يا أيها الناس أتعلمون بأن هذا الحمار طالما حمل على ظهره أنبياء الله؛ فقد ذكر وصفه. فقد ذكر وصفه في الكتاب الفلاني نقلا” عن فلان إبن فلان. هذا الحمار من أهل الجنة”.، وما هي إلا لحظات حتى أصبح ظهر الحمار الأجرب مزارا” وملئت آذناه نذورا” وأخذ الناس يتباركون به. فهذا يطعمه وذاك يغسل قدميه وتلك تأخذ شعرة منه لتتزوج وتلك تمسح مؤخرته لترزق بطفل، ثم أسكنوه في بيت نظيف، وعينوا له خدم. وأخذ الحمار يسرح ويمرح في أي مكان ويأكل ويشرب من أي بيت، والكل يقدسه ويتبرك به.
بعدها عاد المستشار إلى الملك وقال: ” الان أيهما الأفضل؟” فطأطأ الملك رأسه مبتسما”. فقال المستشار: “أتعرف الان يا مولاي ما الفرق بين الحظ والقداسة؟”. فقال الملك ” ما هو الفرق؟”. فقال المستشار:” أنت يا مولاي ألبست هذا العتال ثوب المال والعافية والسلطة وهذا ثوب زائل تستطيع سلبه إياه، أما أنا فقد ألبست هذا الحمار ثوب القداسة لعمري هذا الثوب لا يمكن أن يسلبه منه أحد… حتى أنت يا مولاي!”