جوني منيّر – الجمهورية
يوم غد الثلثاء من المفترض ان تؤول الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة الاميركية إلى تسجيل فوز للحزب الجمهوري المعارض، وسط ارتفاع نسبة المعارضين للسياسة الاقتصادية للإدارة الاميركية، وهو العامل الأهم الذي يؤثر بالناخبين الاميركيين.
فوفق استطلاع أجرته شبكة CNN الاخبارية، فإنّ 51% من الاميركيين اعتبروا انّ الاقتصاد او التضخّم هما الحافز الأهم لتحديد تصويتهم.
أما استطلاع صحيفة «وول ستريت جورنال» فأظهر انّ 54% يعتقدون بأنّ السياسة التي انتهجها الرئيس الاميركي جو بايدن أضرّت بالاقتصاد، وانّ 55% من المستطلعين لا يؤيّدون طريقة عمل البيت الابيض.
وإذا صحّت هذه الاستطلاعات، فالسؤال الاول هو حول حجم الفارق في المقاعد في الكونغرس الذي سيكون لصالح الجمهوريين. فالفارق الصغير شيء أما الفارق الكبير فشيء آخر. اما السؤال الثاني، فهو يتعلق بمدى ازدياد نفوذ الرئيس السابق دونالد ترامب داخل الحزب الجمهوري، وبالتالي نجاح المرشحين الذين يدعمهم ترامب بشكل مباشر. والمقصود هنا تبيان ما إذا كانت الطريق مفتوحة امام عودة ترامب إلى البيت الابيض. والسؤال الثالث، هو حول كيفية تقبّل أنصار ترامب سقوط بعض مرشحيه، والمقصود هنا ما إذا كان سيستمر في سياسة رفض النتائج بحجة وجود تزوير، ما قد يعرّض الاستقرار الداخلي والآلية الديموقراطية الاميركية للخطر. صحيح انّ التاريخ الاميركي يُظهر بأنّ حزب الرئيس يخسر عادة أغلبية الكونغرس في انتخابات التجديد النصفي مع بعض الاستثناءات، لكن لهزيمة الحزب الديموقراطي في هذه المرحلة طعماً آخر ومعاني مختلفة، وأقل ما يُقال فيها صعود اليمين الجمهوري المتشدّد بقيادة رجل جرى اختبار سياسته واسلوبه خلال ولايته في البيت الابيض.
ومنذ ايام معدودة، سجّل اليمين الاسرائيلي الديني المتطرّف صعوداً كبيراً في الانتخابات التي جرت. هذا الانتصار الذي استقبله زعماء اليمين المتطرف في العالم بالتهليل، مثل رئيسة وزراء ايطاليا جورجيا ميلوني والمجر فيكتور اوربان والرئيس الاوكراني زيلينسكي، وهو ما يعني انّ ثمة موجة يمينية متطرّفة آيلة في الصعود على المسرح العالمي. فحتى الدول الاوروبية التي أخفق فيها اليمين المتطرّف في الإمساك بالسلطة، الّا انّه سجّل حضوره كقوة ثانية، مثل ما حدث مع مارين لوبن في فرنسا.
وتاريخياً، فإنّ صعود الأحزاب المتطرفة والقومية على المسرح الدولي يفتح الطريق امام المواجهات والحروب. صحيح انّ الوصول إلى هذا الحدّ لا يزال ينقصه جوانب عدة من المشهد، الّا انّه لا يمكن إنكار او تجاهل هذا المنحى لدى الشعوب، والذي جاء إثر التباطؤ الاقتصادي الناجم عن جائحة كورونا والأزمات الحياتية والمعيشية الناتجة من حرب اوكرانيا.
وفي اسرائيل، لا بدّ من انتظار توزيع الحقائب، وما إذا كان اليمين المتطرف سيتولّى مسؤوليات أمنية وعسكرية كما يطالب.
ربما لأجل ذلك باتت الإدارة الاميركية اكثر مرونة مع الدعوات لإقفال حرب اوكرانيا. ففتحت قنوات التوصل المباشر مع روسيا من خلال اتصالات وزير الدفاع الاميركي لويد اوستن بنظيره الروسي سيرغي شويغو، كما تلقّى رئيس هيئة الاركان المشتركة للجيوش الاميركية مارك ميلي اتصالاً من نظيره الروسي فاليري غيراسيموف، وفي الوقت نفسه كشفت صحيفة «واشنطن بوست» عن نصائح اميركية للرئيس الاوكراني للبدء بفتح ابواب المفاوضات مع موسكو.
وفي الشرق الاوسط، حيث البارود موجود عند كل زاوية، بدا الاردن اولى المتخوفين من نتائج الانتخابات الاسرائيلية. فهو كان يراقب من كثب تقليص الوجود العسكري الروسي في سوريا بسبب الحاجة اليه في اوكرانيا. والمشكلة هنا بأنّ موسكو كانت قد رعت التفاهمات حول الجنوب السوري، والتي قضت بتخفيض نفوذ ايران بضمانة روسية مباشرة.
لكن تخفيض الوجود العسكري الروسي، فتح شهية ايران للعمل على ملئه، وهو ما سيدفع بالحكومة الاسرائيلية اليمينية المتطرفة للعمل على مواجهته، ومن الطبيعي ان يخشى الاردن من ان يدفع ثمن أي تصعيد عسكري محتمل في جنوب سوريا، من خلال اتساع دائرة المواجهة لتصل إلى اراضيه المتاخمة في الوقت نفسه للضفة الغربية، والمرشحة بدورها لارتفاع مستوى الصراع مع الفلسطينيين ووجود نوايا لدفعهم باتجاه الاردن. لذلك، طلب ملك الاردن من الكرملين إعادة نشر قوات روسية على الحدود مع الاردن من الجانب السوري. ولبنان لا بدّ له ان يترقّب بكثير من التروي التبدّلات الحاصلة، وانعكاساتها على ساحته، وهو الغارق في مآسيه الاقتصادية والمعيشية والحياتية، والواقف امام استحقاقات أساسية وفي طليعتها الاستحقاق الرئاسي، والذي يحدّد «شخصية» لبنان على المستوى الاقليمي، وهو الواقع في شغور رئاسي ونصف شلل حكومي. وكما العادة، فيما الفرقاء في لبنان غارقون في السجالات اليومية الهامشية، يعمل «حزب الله» على قراءة المستجدات الاقليمية والدولية لإسقاطها على المشهد اللبناني.
لذلك، لا بدّ من الانتظار بعض الوقت للأخذ اولاً بالعِبر الواجب استخلاصها من نتائج الانتخابات النصفية الاميركية، مع عدم إغفال الصراع الذي تفاقم بين الادارة الاميركية الديموقراطية والسلطات السعودية، وسط شكوك بأنّ القرارات السعودية الاخيرة، لا سيما على مستوى النفط، أتت في اطار دعم الحزب الجمهوري في الانتخابات النصفية.
وثانياً، لتبيان صورة الحكومة الاسرائيلية المقبلة وتوزيع حقائبها، وتبيان مدى عدائيتها واستعدادها للدخول في «مشاريع ساخنة».
وثالثاً، لاستكشاف المسار السياسي الدولي الجديد باتجاه ايران في موضوع العقوبات والاتفاق النووي. و»حزب الله» الذي وصفته السفيرة الاميركية في لبنان دوروثي شيا بالبراغماتي والواقعي إثر موقفه من ملف ترسيم الحدود البحرية، يدرك جيداً انّ المشهد اللبناني بحاجة لبعض الوقت قبل ان يكتمل.
مساعدة وزير الخارجية الاميركية باربرة ليف كانت واضحة في كلامها خلال الندوة التي اقامها مركز «ويلسون» في واشنطن.
والمعروف عن ليف انّها صريحة الى حدٍ بعيد من كلامها، وهو ما ظهر خلال الندوة التي ادارها المسؤول عن المركز السفير السابق في لبنان ديفيد هيل.
هي تحدثت عن مرحلة انزلاق ستسوء فيها الاوضاع اكثر، قبل ان يفرض اللبنانيون على مسؤوليهم إنجاز التسويات المطلوبة.
وهو ما يعني انّ حال الشغور الرئاسي سيأخذ مداه الزمني، او بتعبير اكثر وضوحاً، سينتظر اتضاح الامور اكثر على مستوى المنطقة، ولكن على وقع المزيد من الاهتراء الداخلي لمؤسسات الدولة.
أغلب الظن انّ المسؤولة الاميركية لا تقصد تطورات سلبية على المستوى الأمني، بل على المستوى الاقتصادي – المعيشي. فالجهات الدولية تبدو مطمئنة للتدابير التي يتخذها الجيش اللبناني لضبط الساحة الأمنية. وجاء الكلام الاخير لقائد الجيش العماد جوزف عون ليؤكّد على ذلك، وبأنّ الجيش هو المسؤول عن الأمن، مع تحذير واضح بأنّه سيكون حازماً وحاسماً في ضبط اي شخص او جهة تفكر في التعكير الأمني لاستغلاله واستثماره سياسياً.
وهو من خلال تحذيره، رفع المسؤولية سلفاً عن الجيش إزاء النتائج التي سيتلقّاها من سيسعى للشغب. وفي الوقت نفسه يعمل على إبقاء مراقبته على اختراقات الارهابيين للساحة اللبنانية، رغم عدم وجود إشارات كبيرة مقلقة، بل حالات فردية يشجّع على نموها المناخ السياسي الداخلي والأزمات المعيشية والاقتصادية الصعبة.
صحيح انّ الحدود اللبنانية الجنوبية، البحرية والبرية اصبحت اكثر استقراراً بعد الترسيم البحري. وصحيح انّ الملف اللبناني هو من الملفات القليلة التي تحظى بتوافق الحزبين الديموقراطي والجمهوري في الكونغرس الاميركي. وصحيح ايضاً بأنّ الساحة اللبنانية ستكون اقل تأثراً في حال تصاعد العنف مرة جديدة بين ايران والسعودية، الّا انّ الواقعية تفرض على لبنان ان ينتظر بعض الوقت في شغوره الرئاسي وشلّله الحكومي قبل اتضاح المعادلات الاقليمية الجديدة، وحيث قد تتكفل الانهيارات الاقتصادية والمعيشية المتوقعة في تبريد الرؤوس الحامية، وتليين المواقف وانضاج الظروف، قبل الانطلاق الى تسوية كاملة ترعى مرحلة إعادة إعمار مؤسسات الدولة بعد انتخاب رئيس جديد للبلاد.