الجمعة, نوفمبر 22
Banner

هل فقد البنك المركزي السيطرة على الليرة اللبنانية؟

خرقت سرعة انهيار قيمة الليرة سقف المنطق في لبنان، حيث لم تعد تعاميم المصرف المركزي المتتالية تجدي نفعاً في السيطرة على السوق النقدية للبلاد المستمرة بالانهيار، إذ قفز سعر الصرف من 1500 ليرة لبنانية مقابل الدولار الواحد في عام 2019، إلى حدود 40 ألف ليرة حالياً، وفي متابعة لمحطات القفزات المتتالية سجل انهيار سعر صرف الليرة بداية عام 2020 حوالى أربعة آلاف ليرة مقابل الدولار الواحد، وفي عام 2021 تجاوز سعر الصرف ثمانية آلاف ليرة، ليسجل بداية العام الحالي 25 ألف ليرة، مع مخاوف من تجاوزه الـ 50 ألف ليرة لبنانية مع بداية عام 2023.

وتعتبر مصادر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، أن استمرار المماطلة من قبل السلطة السياسية بإقرار خطة تعافي والقيام بإصلاحات بنيوية وإقرار التشريعات التي يطالب بها صندوق النقد الدولي، تستنفد قدرة المصرف المركزي على التدخل في السوق النقدية، مشددةً على أن التعاميم التي تصدر تباعاً أسهمت في الحد من “الارتطام الكبير”، إذ برأيهم أنه لو لم يتدخل المصرف المركزي طيلة المرحلة الماضية لكان سعر الصرف تجاوز 150 ألف ليرة.

وأشارت المصادر عينها إلى أنه “في عام 2020، ارتكبت الحكومة السابقة برئاسة حسان دياب، مجزرة اقتصادية من خلال الامتناع عن دفع سندات اليوروبوندز، وأتبعتها بفضيحة دعم السلع الذي كلف 13 مليار دولار، ليتبين أن هدف تلك السياسة حينها كان تمويل بعض العصابات والجهات السياسية التي غطت تهريب المحروقات وسلع مهمة أخرى”. وبرأي تلك المصادر فإن دخول موازنة عام 2022 حيز التنفيذ هذا الشهر، ستزيد معدلات التضخم بنحو 10 مليارات ليرة (نحو 390 مليون دولار) يضاف إليها العجز المتوقع في تأمين الإيرادات المتوقعة في الموازنة في مقابل استمرار استنزاف الاحتياطات عبر الاستيراد، لا سيما أن حكومة تصريف الأعمال الحالية التي يرأسها نجيب ميقاتي وجهت باستيراد وقود الـ”فيول” بقيمة 200 مليون دولار لصالح “مؤسسة كهرباء لبنان”، إضافةً إلى قرب صدور تعميم جديد يقضي برفع سعر صرف الودائع الدولارية القديمة (لولار) التي تُصرف حالياً على أساس ثمانية آلاف إلى 15 ألف ليرة.

وتشير المصادر إلى أن لدى حاكم مصرف لبنان خطة تمتد حتى نهاية ولايته في شهر مايو (أيار) المقبل، من أجل الحد من التضخم قدر المستطاع وسحب السيولة من السوق عبر “منصة صيرفة”، ما يعني أنه في حال استمرار الفراغ الرئاسي وتمدده إلى المؤسسات والإدارات الحيوية ومنها مصرف لبنان، فإن ذلك سيؤدي إلى كارثة.

22 تريليون

وعن الأسباب المباشرة لارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية، أوضح الباحث الاقتصادي، نيكولا شيخاني، أن “احتياطي مصرف لبنان انخفض من العملات الأجنبية إلى 8.5 مليار دولار، ما أثر في قدرة البنك المركزي على بيع الدولارات إلى مستوردي المحروقات وفق سعر صرف منصة صيرفة”.

وكشف أنه “من أجل معالجة مشكلة انخفاض احتياطاته، طبع المصرف المركزي 22 تريليون ليرة لبنانية هذا الشهر واشترى من خلال هذه الكتلة 500 مليون دولار من السوق الموازية لتعزيز احتياطاته بالعملة الصعبة، ما انعكس على سعر الصرف في السوق الموازية وتجاوز عتبة 40 ألف ليرة للدولار الواحد”.

وتطرق شيخاني إلى “البيان الذي أصدره حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، والذي ينص على أن المصرف المركزي سيبيع الدولار الأميركي حصراً على سعر منصة صيرفة، ما يعني فعلياً أنه سيضخ من جديد الدولارات التي اشتراها من السوق هذا الشهر على منصة صيرفة”، مؤكداً أن “هذا التعميم أثر في سعر الصرف الذي انخفض إلى 35 ألف ليرة للدولار، لكن المضاربين أقدموا على بيع دولاراتهم فوراً للاستحواذ على كميات كبيرة من الليرات لشراء الدولار بسعر صرف أقل”.

وبين شيخاني أنه “عندما تطبع العملة الوطنية ينهار سعر الصرف، وعندما يبيع المصرف المركزي الدولارات على منصة صيرفة يتحسن السعر موقتاً على المدى القصير”، مشيراً إلى أن “النتيجة في الحالتين سلبية، وهي تراجع أموال المودعين، ما يفرض على المصرف المركزي وضع سياسة نقدية حقيقية سريعاً بدلاً من إصدار تعاميم تكتيكية موقتة”.

وتوقع شيخاني مزيداً من الارتفاع في سعر الدولار لأن هبوطه كان “اصطناعياً” بعدما تدخل مصرف لبنان، مشيراً إلى أنه من خلال طبع الليرة وشراء الدولار، سيرتفع الدولار حتماً لأنه لم يعد هناك من مدخول “فرش دولار إلى لبنان” (أي دولارات جديدة تدخل من الخارج) وميزان المدفوعات لا يزال سلبياً، بالتالي بعد زيادة رواتب القطاع العام بثلاثة أضعاف، بات من المؤكد ارتفاع سعر صرف الدولار.

47 ألف ليرة

بدوره رأى الباحث الاقتصادي، جاسم عجاقة، أن “هناك عوامل عدة أدت إلى ارتفاع سعر صرف الدولار، منها متعلق بارتفاع الدولار الجمركي ودولار الضريبة على القيمة المضافة الـ TVA إلى 15 ألف ليرة، فضلاً عن زيادة استيراد المحروقات مع اقتراب فصل الشتاء في عديد من دول العالم، وما ينتج عنها من ارتفاع ملحوظ في سعر صرف الدولار”.

وأكد عجاقة أن “ازدياد عمليات التهريب أثر بشكل كبير وخطير في ارتفاع سعر صرف الدولار، أضف إلى ذلك الجو السياسي المكبوت والصعب الذي يؤدي بشكل أو بآخر إلى تعطيل أي عمليات توافق مع صندوق النقد الدولي كون الحكومة اللبنانية هي حكومة تصريف أعمال”.

والسبب الأخير برأي عجاقة متعلق بمسألة المضاربة، “فالتجار يسعرون حالياً وفق أسعار تتخطى سعر السوق السوداء، مثلاً محلات السوبرماركت تسعر بضائعها على سعر 47 ألف ليرة لبنانية للدولار الواحد، ومع إعلان توقف لبنان عن دفع استحقاقاته المالية من دين عام، لم يعد بإمكانه أن يستحصل على موارد مالية خارجية، بالتالي الوضع يتجه نحو الأسوأ”.

وتابع أن “البيان الذي أصدره المصرف المركزي منذ حوالى أسبوعين، كان يهدف في الدرجة الأولى إلى امتصاص مفعول الدولار الجمركي ودولار الضريبة على القمية المضافة، لهذا السبب عاود الدولار ارتفاعه”.

بعد سلامة

من ناحيتها، رأت المتخصصة في الاقتصاد النقدي ليال منصور، أن “حاكم مصرف لبنان قام بعمل جبار في الحفاظ على الحد الأدنى من الاستقرار النقدي والاقتصادي طيلة المرحلة الماضية”، معتبرةً أن “سعر الصرف الحالي مقبول مقارنةً مع حجم الأزمة، على رغم جميع الجوانب السلبية الأخرى”.

وأكدت أنه “ما من بلد مر بأزمة كالتي يمر بها لبنان، استطاع لجم الأزمة النقدية وارتفاع سعر الدولار”، مشيرةً إلى أن البلاد باتت أمام ثلاثة سيناريوهات بعد انتهاء ولاية رياض سلامة، الأول يقضي بتدخل المركزي على غرار ما فعل سلامة، لكن هذا الأمر لا يمكن أن ينجح دائماً، الثاني هو تحرير سعر صرف العملة مما يعني أننا سنترحم على دولار الـ 40 ألف وحتى الـ 50 ألف ليرة، فبذلك يوضع الدولار وفق العرض والطلب، وهو أمر لا يمكن تطبيقه لغياب الأرضية الاقتصادية المناسبة لتحرير العملة، أما السيناريو الثالث فهو الدولرة الشاملة وتطبيق هذا السيناريو سيجعل من الحاكم الجديد للمركزي بطلاً ومنقذاً”.

أربعة اسباب

من ناحيته، عدد وزير المال اللبناني السابق ناصر السعيدي، أربعة أسباب أساسية تقف وراء التدهور الأخير في قيمة الليرة، وهي أولاً قيام المصرف المركزي بعمليات شراء كثيفة للدولار الأميركي من السوق السوداء وضخ الليرة اللبنانية في السوق، ثانياً قرار المصرف المركزي مضاعفة معدل تحويل قيمة الودائع بالدولار من 3,900 ليرة إلى ثمانية آلاف ليرة، وتوقع رفعها قريباً إلى 15 ألف ليرة، ما يعني زيادة كبيرة في إمدادات الليرة في سوق العملات الأجنبية، وثالثاً، إن غياب أي خبر إيجابي يتعلق بالإصلاحات والمفاوضات مع صندوق النقد الدولي يعني أن الناس تتوقع تدهوراً أكبر لليرة وارتفاعاً في معدل التضخم، وهو ما يؤدي بالناس إلى محاولة التخلص من أموالهم المقومة بالليرة، ما يؤدي إلى تدهور أكبر لليرة وتفاقم معدل التضخم، أما السبب الرابع فهو أن سوق العملات الأجنبية ضعيف جداً ويفتقر إلى السيولة”.

طوني بولس – اندبندنت

Leave A Reply