كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول: ثلاثة ملفات أساسية تشغل بال الرأي العام في هذه المرحلة: الشغور الرئاسي، الاستقرار الأمني والوضع المالي، وهي ملفات مرتبطة ومترابطة بعضها ببعض ومفتاح معالجتها انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ولكن لا مؤشرات تدلّ الى انّ إنهاء الاستعصاء في هذا الملف سيكون قريباً بسبب عجز المعارضة عن ملامسة عتبة النصف + 1، وعجز الموالاة عن حسم اسم مرشحها، وبفعل غياب مساحات التوافق بين الفريقين، فيما الخارج ما زال غير قادر على التأثير على رغم المواقف الدولية الداعية إلى إنهاء الشغور. فلا يمكن كبح سعر صرف الدولار سوى من خلال الانتظام المؤسساتي والاستقرار السياسي، كما لا يمكن ضبط التفلُّت الأمني او المقصود الاضطرابات المجتمعية الناتجة من الأوضاع المالية إلّا عن طريق سلطة مكتملة الأوصاف توحي بالثقة وتكون على قدر المسؤولية بدءاً من جمع اللبنانيين وتوحيدهم، وصولاً إلى وضع الخطط والمشاريع والبرامج التي تُخرج لبنان من واقعه الأليم والمأسوي.
وفي انتظار ان يتحقّق الخرق الرئاسي الذي يشكّل مدخلاً لإنتاج السلطة التنفيذية برمتها، وممراً لمعالجة الأوضاع المالية المذرية، توقفت أوساط سياسية متابعة عبر “الجمهورية” أمام بعض العناصر الإيجابية والتي لا يجوز ان تحجبها العناصر السلبية، إنما يفترض تسليط الضوء عليها تظهيراً للنصف الملآن من الكوب لا الفارغ فقط:
ـ العنصر الإيجابي الأول، انّ القوى السياسية قد تكون مختلفة حول كل شيء، إلّا انّها متفقة على أهمية الحفاظ على الاستقرار الأمني الذي يشكّل نعمة ممنوع التفريط بها، ويستحيل ان ينزلق الوضع إلى ما لا يحمد عقباه في غياب بيئة سياسية مشجعة لهذا التوجُّه، فيما هناك إرادة سياسية واضحة بعدم تحويل الخلاف السياسي انقساماً على أرض الواقع.
ـ العنصر الإيجابي الثاني، انّ عواصم القرار الدولية والإقليمية تتقاطع، على رغم تبايناتها، حول ضرورة الإسراع في إنهاء الشغور الرئاسي وتأليف حكومة سريعاً حفاظاً على الاستقرار، وذلك من منطلق انّ الوضع اليوم على الرغم من مأسويته يبقى أفضل بكثير من انهيار يعيد إحياء صفحات سود أُقفلت مع إنهاء الحرب اللبنانية، فضلاً عن التخوف الدولي من انعكاسات الانهيار اللبناني على دول الجوار.
ـ العنصر الإيجابي الثالث، انّ المؤسسة العسكرية تقوم بدورها على أفضل وجه، وهي من المؤسسات القليلة التي حافظت على تماسكها وفعاليتها وجهوزيتها على الرغم من الأزمة المالية، وتحظى بتأييد كل القوى السياسية وغطائه، حيث انّ دور الجيش يشكّل مطلباً لا نزاعاً بين اللبنانيين.
ـ العنصر الإيجابي الرابع، انّ الرأي العام اللبناني ينشد الاستقرار وأولويته تحسين نمط عيشه وتجنُّب العودة إلى الحروب التي تشكّل باباً للهجرة. فالناس تتطلع إلى إنهاء الأزمة المالية من طريق الانتظام المؤسساتي وليس فتح صفحات سود جديدة تعيد تدمير الحجر وتقتل البشر، ولا يجب التقليل من عامل الوعي لدى الشريحة اللبنانية الأوسع التي تميِّز بين الانقسام السياسي، وبين الاستقرار الأمني الذي تعتبره من الخطوط الحمر.
ـ العنصر الإيجابي الخامس، انّ لبنان تحوّل، في شكل أو آخر، بلداً نفطياً، وأصحاب الاختصاص يُجمعون على انّ الانتظام المؤسساتي والشروع في الإصلاحات المطلوبة ووضع الأولوية المالية يقود إلى تحسين سريع للوضع، لأنّ مساحة لبنان صغيرة وموازنته محدودة، وجلّ ما هو مطلوب الالتزام بمسار إصلاحي واضح، وهذا المسار سيكون كفيلاً بإخراج لبنان من أزمته المالية.
ـ العنصر الإيجابي السادس، انّ تراجع وضع العملة حوّل لبنان مقصداً للسياح، خصوصاً انّه يمتاز بطبيعة وطقس وخدمات مميزة، وشهد فصل الصيف أرقاماً قياسية من الوافدين من الخارج، وتتحدّث المعلومات عن انّ بعض الفنادق والمطاعم أقفلت حجوزاتها حتى السنة الجديدة، ومن هنا ضرورة الحفاظ على الاستقرار لإبقاء لبنان بيئة سياحية تشكّل متنفساً مالياً أساسياً.
لبنان في قمة الـ 20
وعلى الصعيد الديبلوماسي، تتجّه الانظار الى جزيرة بالي الاندونيسية، حيث تعقد قمة العشرين مساء اليوم، بعدما اكّد قادة الدول حضورهم جميعاً باستثناء المملكة العربية السعودية التي سيمثلها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حيث من المقرر ان يعقد لقاء بين الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لاستكمال البحث في بعض الملفات ومنها ملف لبنان، بعد الاتصال الهاتفي بينهما السبت الماضي، والذي تركّز بشكل أساسي على الوضع في لبنان والانتخابات الرئاسية، كما قال البيان الصادر عن قصر الاليزيه.
وكان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي قد تبلّغ من ماكرون خلال لقائهما منتصف الأسبوع الماضي على هامش “قمة المناخ” في شرم الشيخ، انّ المساعي الفرنسية الهادفة إلى مساعدة لبنان مستمرة لتمكينه من تجاوز الأزمات التي يعاني منها، وذلك في إطار التنسيق الفرنسي- الأميركي ـ السعودي. وإنّ لقاء مرتقباً بين ماكرون وولي العهد السعودي سيُعقد في الساعات المقبلة التي تلي افتتاح قمة بالي اليوم.
تحرّك للتزخيم
على صعيد الاستحقاق الرئاسي، كشفت مصادر مطلعة لـ”الجمهورية”، انّ احد المراجع السياسية سيبدأ بعد رأس السنة تحركاً لتزخيم هذا الاستحقاق اذا لم يحصل أي خرق إيجابي حتى ذلك الحين.
ولم يتأكّد بعد انعقاد الجلسة العامة السادسة لمجلس النواب يوم الخميس المقبل والمخصّصة لانتخاب رئيس الجمهورية، فلم يوجّه رئيس مجلس النواب نبيه بري بعد الدعوة إليها، وسط اعتقاد انّه سيوجّهها اليوم او غداً على ابعد تقدير إن قرّر المضي في مسلسل الجلسات الدورية الأسبوعية ككل خميس.
واستعداداً لهذه الجلسة، تنادى نواب المعارضة الى لقاء موسع يُعقد غداً بمشاركة نواب من مجموعة الأحزاب المعارضة وكتلة النواب التغييريين، بعد سلسلة من الاجتماعات الثنائية والثلاثية التي عُقدت في الفترة التي تلت لقاء النواب الـ 27 قبل اسبوعين تقريباً.
وقالت مصادر نيابية مطلعة لـ “الجمهورية”، انّ ما هو مطروح على لقاء الغد لا يتصل بتنسيق المواقف من العمل النيابي، وليس بالنسبة الى جلسة انتخاب الرئيس لاستحالة التوافق على انتخاب المرشح ميشال عوض، انما من اجل تسجيل موقف من أي جلسة تشريعية قبل إتمام المجلس مهمته بانتخاب الرئيس الجديد للجمهورية.
وفي هذه الاجواء، تنعقد اللجان النيابية المشتركة اليوم لمناقشة قانون الكابيتال كونترول، وسط غياب متكرّر لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وتسليم نيابي بهذا الأمر الواقع، ما دفع اوساط مواكبة للجلسة الى اعتبار إصرار سلامة المتكرّر على التغيّب ورضوخ النواب، نوعاً من الإساءة لصورة تلك اللجان.
وكان رئيس مجلس النواب دعا لجان المال والموازنة، الإدارة والعدل، الشؤون الخارجية والمغتربين، الأشغال العامة والنقل والطاقة والمياه، الدفاع الوطني والداخلية والبلديات، الاقتصاد الوطني والتجارة والصناعة والتخطيط، الصحة العامة والعمل والشؤون الاجتماعية، الزراعة والسياحة، إلى جلسة مشتركة العاشرة والنصف قبل اليوم الاثنين وغداً الثلثاء، لاستكمال ما تبقّى من جدول أعمال الجلسة السابقة.
تمويل فيول الكهرباء؟
على صعيد آخر، لم تتضح بعد الخطوات المقبلة التي ستُتخذ لترجمة التفاهم الذي اعلن عنه ميقاتي عقب لقائه مع رئيس مجلس النواب نبيه بري السبت الماضي حول ملف تمويل حاجات مؤسسة كهرباء لبنان من الفيول، في وقت كان مصرف لبنان قد اشترط إصدار قانون خاص بتمويل المشروع قبل نيل موافقة المجلس المركزي للمصرف النهائية على هذا التمويل.
وقالت مصادر مطلعة لـ”الجمهورية”، انّ المحطة العملية لترجمة التفاهم باتت رهن عودة وزير الطاقة وليد فياض في الساعات المقبلة من شرم الشيخ، بعدما شارك في لقاء من تنظيم المركز الإقليمي للطاقة المتجددة وكفاية الطاقة (RCREEE)، وذلك خلال اليوم الأول من حضوره مؤتمر تغيّر المناخ (COP 27) والذي تشارك فيه كبرى شخصيات قطاعات الطاقة والبيئة والمناخ في العالم.
وقال مستشار رئيس حكومة تصريف الأعمال نقولا نحاس في مداخلة متلفزة، إنّ “تكلفة خطة الكهرباء أصبحت مؤمّنة، لأنّ التعرفة سترتفع، وهذا يؤمّن استدامتها، وعندما يتم فتح الاعتماد للشركة التي ستربح المناقصة تبدأ الخطة بالسريان”. وأضاف: “في العاشر من كانون الأول سنحصل على 10 ساعات من التغذية كهربائية”.
تضامناً مع غادة عون
وتزامناً مع حضور المدّعية العامة لجبل لبنان القاضية غادة عون امام هيئة التفتيش القضائي، وجّهت الدعوة الى تظاهرة عند العاشرة قبل ظهر اليوم امام قصر العدل تحت شعار: “حماية الذين يطالبون بالكشف عن أموال السياسيين في لبنان والخارج”. وسيطلق المتظاهرون شعارات تتعلق بـ “المطالبة بتنفيذ قرار مجلس شورى الدولة لإلغاء تعاميم مصرف لبنان وتنفيذ الحكم الذي ربحه دكتور باسكال ضاهر”.
مواقف
وفي المواقف، اكّد البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي خلال قدّاس الأحد في بكركي، “أنّنا كلّما وصلنا إلى استحقاق انتخاب رئيس الجمهوريّة، يبدأ اختراع البدع والفذلكات للتّحكّم بمسار العمليّة ونتائجها، على حساب المسار الدّيمقراطي، علمًا أنّ الدستور واضح بنصّه وروحه بشأن موعد الانتخاب والنّصاب”. ولفت إلى أنّهم “يتكلّمون عن رئيس توافقي، الفكرة مرحَّب بها شرط ألّا يكونوا يريدون من الحقّ باطل، فالرّئيس التوافقي هو رئيس صاحب قرارات سياديّة لا يساوم عليها، وهو الّذي يحترم الدّستور ويطبّقة ويدافع عنه، ويظلّ فوق الانتماءات الفئويّة والحزبيّة”. وقال: “أمام فشل مجلس النواب الذريع في إنتخاب رئيس جديد للجمهورية، بحيث كانت الجلسات الخمس في مثابة مسرحية-هزلية أطاحت بكرامة الذين لا يريدون انتخاب رئيس للبلاد، ويعتبرون أنّه غير ضروري للدولة، ويحطّون من قيمة الرئيس المسيحي-الماروني، بالإضافة إلى فشل كل الحوارات الداخلية أو بالأحرى تفشيلها من سنة 2006 حتى مؤتمر إعلان بعبدا سنة 2012، لا نجد حلاً إلّا بالدعوة إلى عقد مؤتمر دولي خاص بلبنان، يعيد تجديد ضمان الوجود اللبناني المستقل والكيان والنظام الديموقراطي وسيطرة الدولة وحدها على أراضيها استناداً إلى دستورها أولاً ثم إلى مجموع القرارات الدولية الصادرة بشأن لبنان. فإنّ أي تأخير في اعتماد هذا الحل الدستوري والدولي من شأنه أن يورط لبنان في أخطار غير سلمية، ولا أحد يستطيع احتواءها في هذه الظروف”.
مسؤولية النواب
واعتبر بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنا العاشر يازجي خلال الاحتفال بتدشين دير صيدنايا في حاصبيا، أنّ “انتخاب الرئيس مسؤولية النواب، والتحجج بتوازنات الخارج ذرّ للرماد في العيون، تهرباً من مسؤولية تاريخية أُنيطت بهم وحدهم”، وقال: “نجتمع اليوم على مقربة من عيد الاستقلال، وكم نحن بحاجة الى رجال دولة في هذه الأيام التي يعاني فيها لبنان من شغور في سدّة الرئاسة الأولى”. وقال: “نطالب النواب بتحمّل مسؤولياتهم وانتخاب رئيس للجمهورية. فلبنان لا يتحمّل أن تكون مؤسساته مرتعاً للاهتراء وإنسانه لقمة للفقر والعوز والتهجير، كما ندعو إلى إحقاق العدالة في ملف انفجار مرفأ بيروت هذا الجرح الذي لم يندمل”.
“مستعجلون”
وأكّد رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد، “أننا في مواجهة الاستحقاق الرئاسي نعرف من نريد ونتحرّك من أجل أن يأتي إلى الرئاسة من نريد”، معتبراً أنّ “الشغور الرئاسي يصنعه عدم التفاهم على الرئيس اللائق بشعبنا المقاوم، وعندما يحصل هذا التفاهم، يكون هناك رئيس للجمهورية، ونحن مستعجلون على ذلك أكثر من كل الآخرين، والمسألة ليست بارتفاع الصوت، وإنما بجدّية الفعل”.
وقال رعد خلال احتفال في بلدة مجدل زون الجنوبية، إنّ “البعض في لبنان يتعنتون اليوم بنفس التعنت الذي واجهناه لتعطيل تشكيل الحكومة، لأنّهم يريدون رئيسا يأتي به الآخرون من خارج البلاد ليصبح رئيساً للبلاد، وهذا لن يكون بكل بساطة مهما طال الزمن”. وختم: “إننا نريد دولة تعكس مصالح أبناء الوطن، وتنفتح على الخارج، وتتعامل مع الخارج على قاعدة حفظ المصالح المشتركة بين اللبنانيين وغيرهم، علما أننا لسنا دعاة عزلة عن الآخرين، بل دعاة انفتاح على قاعدة التزامنا قيمنا ومشروعنا”.
ردّ على الراعي
وردّ المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان في بيان على دعوة الراعي مجدداً الى مؤتمر للبنان، فقال إنّ “الحل السيادي الانقاذي يمرّ بالمجلس النيابي حصراً لا بأي مؤتمر دولي، والتخلّي عن السيادة اللبنانية أمر مرفوض بشدة، وأزمة الفراغ الرئاسي يجب أن تنتهي على كراسي مجلس النواب لا عبر مطابخ البيع والشراء الدولية”. واعتبر انّ “الرئيس المطلوب يجب أن يكون رئيساً توافقياً لجميع اللبنانيين وبمقاس مصالح لبنان أولاً، وميزان الرئيس الوطني يكمن بقدرته على أخذ قرارات سيادية بالإنقاذ السياسي والنقدي والنفطي والكهربائي والوطني بعيداً من بصمات الحصار الأميركي وسوق البيع والشراء”.